دلالة رفع شعار " ارحل " في وجه رئيس الحكومة
تناقلت وسائل الإعلام فيديو يعكس مدى التسيب الذي سيطر على قاعة المحاضرات بمركز الدراسات والأبحاث الإنسانية والاجتماعية بمدينة وجدة يوم أمس السبت 5 مارس 2016 أثناء وجود رئيس الحكومة به . والملاحظ أن الفوضى التي عمت القاعة لم تكن عفوية بل تم التخطيط لها عن سبق إصرار ، وبسوء نية ، وكانت وراءها جهات حزبية مغرضة هي على خلاف مع زعيم حزب العدالة والتنمية بل لها خصومات معه خصوصا مع اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية المقبلة . وتشهد الساحة الحزبية بالمغرب حمى الانتخابات في شكل حملات انتخابية قبل الأوان بدأت مؤشراتها تنكشف من خلال تصريحات رؤساء الأحزاب في حق بعضهم البعض تجريحا وتخوينا بما فيهم أولئك الذين يشاركون في الحكومة الحالية ،فضلا عن المنضوين تحت تيار المعارضة . فالقضية قضية تصفية حسابات حزبية ركب أصحابها ظهور من يسمون " أساتذة الغد " فضلا عن بعض فصائل الطلبة الجامعيين وغيرهم ممن لا يروقهم أداء رئيس الحكومة . ولقد كان الهدف من وراء خلق حالة الفوضى والتسيب إعطاء انطباع بهزيمة انتخابية لحزب رئيس الحكومة قبل الأوان في الجهة الشرقية ، وهي جهة معروفة بأنها تؤيد حزب العدالة والتنمية وتصوت لصالحه . وعندما نقف عند الشعارات التي رفعت في وجه رئيس الحكومة وعلى رأسها عبارة " ارحل " ، وهي عبارة حمالة أوجه كما يقال ، نتساءل :هل القصد منها طلب رحيل السيد بنكيران من قاعة المحاضرات فقط أم من الحكومة ؟ فإذا كان القصد هو طلب رحيله من قاعة المحاضرات بمركز الدراسات ،فالقضية لا تعدو تعبير من يسمون " أساتذة الغد " عن غضبهم بسبب رفض الحكومة إلغاء مرسومي مباراة التوظيف بعد التكوين ،وتقليص منحة التكوين علما بأن " أساتذة الغد " قبل اجتياز مباراة ولوج مراكز التكوين، وقعوا وهم في كامل قواهم العقلية ودون إكراه على المرسومين ، وبمجرد انتقائهم للتكوين نقضوا ما التزموا به ، واختاروا طريقة التظاهر والاعتصام لإحراج الحكومة بل تعمدوا جرها إلى ممارسة العنف ضدهم عن طريق إخلالهم بالأمن العامة لكسب تعاطف الرأي العام ، وذلك باستغلال ما يسود الجو العام من صراعات حزبية وما تخفيه من تصفية حسابات سياسوية مكشوفة .أما إذا كان المقصود بعبارة " ارحل " رحيل رئيس الحكومة من الحكومة ،فالقضية فيها نظر لأن الذين رفعوا هذا الشعار ومن وراءهم من الذين حرضوهم على رفعه قد أقاموا على أنفسهم حجة التنكر للتجربة الديمقراطية ، وللشرعية ، ولدستور البلاد ، وللنظام لأن رئيس الحكومة إنما تبوأ منصبه وفق قواعد اللعبة الديمقراطية التي هي موضوع اتفاق وتوافق بين جميع الأحزاب السياسية الممثلة لمختلف مكونات الشعب . ولا يمكن لرئيس الحكومة أن يرحل عن الحكومة إلا وفق قواعد نفس اللعبة أي عن طريق انتخابات تفرز نتائجها استحقاق غيره لهذا المنصب . والمطالبة برحيل رئيس حكومة شرعية عبارة عن مطالبة بإسقاط النظام ،لأن رئيس الحكومة جزء من النظام بل الأمر أكثر من ذلك وهو المساس بالثوابت، وعلى رأسها الملكية التي نصبت السيد بنكيران رئيسا للحكومة وفق دستور صوت عليه الشعب بل هو مساس بإرادة الشعب . إن ما حدث بمركز الدراسات يوم أمس يعكس مدى التسيب والفوضى اللذين تريد جهات حزبية وغير حزبية مغرضة إشاعتهما في البلاد. ولو كانت النوايا حسنة لساد اللقاء الحوار البناء ومقارعة الرأي بالرأي عوض اعتماد أسلوب منحط يسيء إلى سمعة المغاربة أمام أنظار العالم . ولا يمكن للصراخ برفع الشعارات والاستخفاف برئيس الحكومة أن يعالج قضايا الأمة أو يساهم في حل مشاكلها . وإذا كان رئيس الحكومة يحمل مسؤولية من يسمون " أساتذة الغد " أو غيرهم، فهذا يعني أن كل من يشارك في هذه الحكومة يعتبر مسؤولا بل تعتبر القيادة العليا المنصبة لهذه الحكومة مسؤولة ، فهل يجرؤ أحد في البلاد على تحميل هذه القيادة تلك المسؤولية ؟ ولماذا يتحمل رئيس الحكومة وحده تلك المسؤولية ؟ وهل من العدل أن يحمل وحده تلك المسؤولية ؟ وفي الأخير يجب أن يعي الذين رفعوا شعار " ارحل " وهو شعار متهور أنهم يستهدفون اللعبة الديمقراطية والشرعية والنظام وأمن واستقرار البلاد . وعليهم أن يتذكروا أن المغرب خلاف البلاد العربية التي شهدت وتشهد اضطرابات وأحداث دامية قد اختار طريقة الحوار والسلم الاجتماعي والاحتكام إلى صناديق الاقتراع وإلى الدستور والقانون ، وإلى إرادة الشعب برمته وليس لفئة دون أخرى أو لحزب دون آخر . وعلى الذين اندسوا وراء من يسمون " أساتذة الغد " وهم أساتذة زببوا قبل أن يحصرموا لإخفاء خبث نواياهم أن يعلموا بأن أمرهم قد انكشف وافتضح .
وسوم: العدد 658