عزة الحناوي المذيعة التي قالت للسيسي: بخ!

عندما يهتز عرش ويتحول إلى هشيم تذروه الرياح، من مجرد برنامج تلفزيوني، أو مقال رأي، أو خبر في صحيفة، فاعلم أن القوة ليست في المذيع أو الصحافي، ولكن لضعف الحكم الذي يضطرب لمجرد أن قال له أحد: بخ!

«بخ»، بكسر الباء وتسكين النون، تقال لقطة لصرفها، أو دفعها للتوقف عن تصرف تفعله، أو تهم بفعله، وكل ما قالته مذيعة القناة الثالثة المصرية إنها قالت للسيسي: بخ، فاحتشدت دولته لتنتقم منها، وتطاردها، حتى صارت هي عنوان الأسبوع الماضي، في برامج «التوك شو»، إذ انطلقت الأذرع الإعلامية للسيسي تهاجمها، وتسبها، وقام التلفزيون بإحالتها إلى عمل إداري، وتقدم أحد المحامين من أنصار «عبد الفتاح السيسي» ببلاغ للنائب العام، أحاله لخطورته لنيابة أمن الدولة (العليا)، يتهم فيه «الحناوي»، بأنها أهانت «رئيس الجمهورية»، وأنها تعمل على قلب نظام الحكم. فيا له من بيت للعنكبوت، تقلبه مذيعة بشطر جملة!

كنت قد عقدت العزم، على عدم الإكتراث بالموضوع، لاعتقادي أن التعامل معه من جانب من اعتبروه نصراً من الله ودلالة على فتح قريب، مبالغ فيه بشكل كبير، وأنا لم استوعب، أن يكون هناك مشاهد لبرنامج في قناة لا يتجاوز إرسالها حدود «القاهرة الكبرى»، ولهذا تم تغيير اسمها من «الثالثة» إلى قناة «القاهرة»، فيلتقط نقدها للسيسي في مقطعين، ويجري بثهما على مواقع التواصل الإجتماعي بهذه الكثافة، فلم تمض سوى سويعات قليلة، حتى كانت مذيعة قناة «القاهرة»، هي «نجمة الموسم»!

و«الذي زاد وغطى»، أن العناوين التي صاحبت الفيديو مبالغ فيها، فقد قيل إنها قامت بسب السيسي، لكنها في الحقيقة انتقدته بلغة مهذبه، إذ قالت المذيعة وهي توجه حديثها للسيسي أنت تدعو المصريين للعمل، وفي الواقع حكومتك لا تعمل، قبل أن تستدرك وتقول «ولا أنت تعمل أيضاً، فلم تنجح في أي ملف». فاعترض ضيفها وقال بل نجح، فطلبت منه أن يذكر نجاحاته فكان جوابه: قناة السويس الجديدة. ثم وقف يتأمل، تماماً كما فعل الدكتور سعد الدين إبراهيم، في لقائه مع معتز مطر في قناة «الشرق»، إذ ذكر إبراهيم أن السيسي له انجازات، وطلب معتز أن يذكر له انجازاً واحداً.. فكان الرد: قناة السويس الجديدة، وغاب صاحبنا أستاذ علم الإجتماع عن الوعي ليصطاد انجازاً آخر ففشل!

وتميزت عزة الحناوي بدرجة السماحة نفسها التي تميز بها معتز مطر، فكلاهما لم يشكك في هذا الإنجاز الوحيد، الذي يثبت كل يوم، أنه «تفريعة ضرار»، وقد تابعنا مؤخراً السفينة التي غرزت فيها، لأن الساقط منها أطول من عمق «التفريعة»، كما قرأنا أن دخل قناة السويس وقد أصبحت قناتين، «الأم وإبنتها»، انخفض بعد عمل التفريعة، بالمقارنة بقيمة الدخل في السنوات الماضية، فضلاً عن أن هيئة قناة السويس تعيش على القروض من البنوك!

أحمد موسي قال في الرد عليها، إن من لا يرى انجازاً تحقق لديه مشكلة، ولأني لم أشاهد حلقة البرنامج وإنما قرأتها خبراً في جريدة «الشروق»، فقد انتظرت أن يعدد لنا الإنجازات، فمن الواضح أنني أعاني من المشكلة نفسها، لكنه لم يذكر شيئاً.

عناوين مزورة

اللافت، أن الفيديوهات الخاصة بنقد مذيعة التلفزيون المصري تم تحميلها أكثر مما تحتمل في العناوين، إن شئت فقل إنها عناوين مزورة، وهو أمر بات يمثل أسوأ في «السوشيال ميديا»، عندما يتجرأ البعض على كتابة عناوين لا تعبر عن المضمون بهدف الإثارة ولفت الانتباه، فلم تكتف هذه العناوين بأنها قامت بسب السيسي، وإنما قيل إنها طردت ضيفها، وهذا لم يحدث أبداً، وعلى نحو بات يمثل خطراً على العمل الصحافي، فبدلاً من أن يؤثر الصحافيون المحترفون في نشطاء «السوشيال ميديا»، من خلال الالتزام بالمصداقية والموضوعية، تأثر بعض الصحافيين بقيم الإثارة والفبركة الرائجة في سوق الإعلام الجديد.

«المبالغة» تحرك بداخلي الرغبة في عدم الإهتمام، وبالإضافة إلى ما سبق فأنا لا أرى مبرراً لهذا الإحتفاء من قبل القوى الرافضة للانقلاب بما قالته عزة الحناوي ضد عبد الفتاح السيسي، فقد كان هذا مبرراً فيما مضى، عندما كان فريق من المصريين يعبرون عنه بـ «الدكر»، و«عبد الناصر الجديد»، و«المسيح»، و«موسى»، حيث أن «هارون» هو وزير الداخلية المخلوع محمد إبراهيم، كما كان مبرراً عندما كان يوصف بأنه أعظم قائد عسكري بعد أيزنهاور، الذي تُبدي كاتبة وجامعية استعدادها أن تعمل جارية في بلاطه، فقط ليس عليه إلا أن «يغمز بعينه»!

الآن، لم نعد بحاجة إلى دليل على أنه قد فشل، وأنه ليس شيئاً مما سبق، فلم تعد نساؤهم حبلى بنجمه، كما قال شاعر الغبراء، وانقلب كثيرون من أنصاره يهاجمونه، إلى حد أن صديقنا المحامي الناصري أحمد قناوي وعدداً من أصدقائه، طالبوا المنقلبين بأن يبقوا في أماكنهم وعندما سألت عن سبب هذه الدعوة التي انتشرت، قال: إذا انقلبوا إلى رافضين له فمن من سنشمت عندما يسقط؟!

السيسي نفسه اعترف بفشله في خطابه «طويلة التيلة»، عندما قال إن مصر تعيش أسوأ حالاتها. فالجنين في بطن أمه يعرف أنه فشل، ولم نكن بحاجة إلى الاحتفاء المبالغ فيه بما قالته عزة الحناوي، فيجري الترويج له على أوسع نطاق، وبعناوين مزورة، وبشكل شبيه بمداخلة النائبة المعينة في برلمان السيسي لميس جابر، مع أسامة كمال على قناة «القاهرة والناس»، عن توفيق عكاشة، وكنت قد شاهدتها قبل نومي، لاستيقظ في الصباح لأجد الترويج لها على نطاق واسع في «السوشيال ميديا»، بعناوين كاذبة، لدرجة أنني تشككت في الأمر فأعدت سماعها من جديد، فلم أجد شيئا مما قيل وجرى التعليق عليه في مواقع التواصل الإجتماعي من قبل رافضين للانقلاب، حتى خشيت من هذا الإحتفاء والنظر لتوفيق عكاشة على أنه ضحية، أن تتم دعوته للاصطفاف، والعمل في قناة «الشرق»، التي تحتفي بالمصطفين!

أنا اللي عملتك

مما قيل، إن لميس جابر ذكرت في مداخلتها أن عكاشة هدد السيسي بقوله «أنا اللي عملتك»، كما هدده بالقول إن «شهادة ميلاد أمك معي»، وعليه فقد ذهب خمسة عشر شخصاً من الأجهزة الأمنية إلى منزل عكاشة وخرجوا من عنده بعد دقائق معدودات، ليتم استدعاء سيارة الإسعاف له ونقله للعناية المركزة في إحدى المستشفيات. ونسب كل هذا للميس جابر.

ورغم أن مكتب عكاشة أصدر بياناً قال فيه إنه منذ إسقاط عضويته وهو معتزل الناس ويعيش في مزرعة الأبقار التي يملكها، إلا أن البيان لم يبدد هذه الأكاذيب التي تؤكد أنه تم نقله بعد تعرضه لتهديد من جهة أمنية سيادية، كما قالت لميس جابر، وتوقفت «حفلة عكاشة» بعد «حفلة عزة» التي سبت السيسي وطردت ضيفها!

لقد عدلت عن قراراي بعدم الإكتراث بموضوع مذيعة التلفزيون المصري، بعد حملة الإبادة الإعلامية التي تعرضت لها، ويبدو أن عباس كامل، سكرتير السيسي أصدر تعليماته لقصفها بالمدفعية الثقيلة من خلال أذرعه الإعلامية، فوصل التدني حد أن يصفها «ابن أبيه»، المذيع المعين في التلفزيون المصري بالواسطة، بأنها لا تصلح مذيعة فلا توجد مذيعة وزنها مئة وخمسين كيلو غراما. وقامت لجنة اتحاد الإذاعة والتلفزيون بعزلها من وظيفتها كمذيعة إلى عمل إداري، لأنه تبين للجنة الموقرة الآن، والآن فقط، أنها لا تصلح للعمل كمذيعة!

إن هذا الاحتشاد في مواجهة عزة الحناوي، هو التعبير العنيف عن منتهى الضعف، من نظام إن تحمل عليه يلهث وإن تتركه يلهث، فكان يكفي أن تقول له: «بخ»، حتى ينهار وتتبدى عوراته للناظرين!

لقد دخلت عزة الحناوي التاريخ باعتبارها المرأة التي هزت عرش السيسي، الذي شيده على «جرف هار».

أرض – جو

«ما وراء الكلاويس» للرائعين «عطوة كنانة» و«باكوس» هو أفضل برنامج تلفزيوني ساخر، فسخريته هادفة وليست مبتذلة.

النيل للأخبار» استدعت الصحافي التونسي «كمال بن يونس» للتعليق على العملية الإرهابية في تونس، اللافت أنها قدمته على أنه مدير مركز ابن راشد للدراسات. مع أن المركز اسمه بن رشد. القوم في التلفزيون المصري يضبطون إرسالهم على دبي!

اتضح أن قناة «الحياة» يديرها «السيد البدوي شحاتة»، وليس صاحبها، فبعد خلافه مع شركة للأدوية والعقاقير الطبية تبين أن القناة أحد مشروعات الشركة، والتي يعد «البدوي» هو مجرد مساهم فيها.. فالمذكور كان ستاراً لقناة مملوكة لمن يقودون الثورة المضادة على الربيع العربي.

كم محطة تلفزيونية مصرية، ملكيتها على الورق، أو في العلن، لرجال أعمال مصريين، في حين أن الملكية في الأصل للشركات العابرة للقارات وللمافيا. إنه أول ملف ينبغي على الثورة بحثه والتحقيق فيه بعد سقوط الإنقلاب.

أغلقوا قناة «الفراعين»، لكنهم لم يحققوا في ما قاله توفيق عكاشة بأنه تلقى دعماً من إحدى الدول العربية، وهو أمر يجرمه القانون، لسبب مهم هو أن معظم إعلام الثورة المضادة ملكيته لهذه الدولة. الجريمة بدأت تتضح.

وسوم: العدد 659