هل اغتالت «حماس» النائب العام المصري؟
تقوم محاولات قيادة «حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية» (حماس) السياسية المستمرة لتطبيع العلاقات مع القيادة المصرية على معطى استراتيجي مبنيّ على عمودين: الأول هو موقفها الوجوديّ المقاوم لإسرائيل، والثاني هو ارتباطها عضويّاً بالجغرافيا المصرية. إضافة لذلك فإن حكم «حماس» لقطاع غزة، وانفصالها السياسيّ القسريّ عن الضفّة الغربية (بسبب وجود الكيان الإسرائيليّ، وداء الخلاف الأيديولوجيّ مع حركة «فتح») لا يسمحان لها بمغاضبة مصر، أيّا من كان الحاكم فيها.
حصار مليوني فلسطيني يقيمون في قطاع غزّة من جهتي إسرائيل ومصر، بهذا المعنى، أكثر من قدرة حركة «حماس» على الاحتمال. لكنّ حصر الحركة في زاوية مميتة، لا يمكن أن يكون في مصلحة مصر أيضاً. ولذلك يشكل هذا الميل المتزايد في القاهرة لخنق الفلسطينيين المقيمين في القطاع وحصارهم أمراً فظيعاً للطرفين.
يأتي الاتهام المصريّ الجديد لحركة «حماس» بتدريب عناصر من جماعة «الإخوان المسلمين» المصريّة عسكرياً للقيام باغتيال النائب العام المصري السابق، هشام بركات، كحلقة جديدة في هذا المسلسل الأسود، وكذلك ما تردّد أمس أيضاً من مطالبة بدعوى قضائية جديدة تعتبر حركة «حماس» إرهابية، وذلك بعد أن سُحبت الدعوى السابقة ضدها في هذا الشهر نفسه من العام الماضي!
الاتهام المصريّ يفكّك نفسه بنفسه. فهو يأتي بعد تصريحات للسلطات الأمنية المصرية قبل إعلانها الأخير هذا، بقتلها من اغتالوا بركات. وقد حصل ذلك أكثر من مرة خلال الأشهر الماضية، وهو ما يرفع ظلال الشكّ حول هذا الاتهام، وكذلك حول عمليات القتل السابقة التي تفاخرت وزارة الداخلية المصرية بإنجازها.
فإذا حلّلنا الاتهام على ضوء عشرات الحوادث المخزية، التي ظهرت للعلن في مصر، كتعذيب وقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، الذي سوّقت السلطات روايات متضاربة عديدة عن سبب مقتله، كان آخرها اتهام تنظيم «الدولة الإسلامية» (وهو تطوير على عادتها المفضلة في نسبة أي عمل إرهابيّ لـ«الإخوان»)، وقبلها قتل سياح مكسيكيين بقصف جوّي على أنهم «إرهابيون»، وما سبقها من إدانة محاكم مصرية لفلسطينيين ثم ثبوت أنهم كانوا موتى أو أسرى في سجون إسرائيل في التواريخ التي زُعم أنهم قاموا فيها بعمليات إرهابية، لأمكننا، بكل بساطة، التشكيك بكل آليات القتل والتعذيب والقمع، وما يسبقها أو يتبعها من أحكام قضائية و«بروباغاندا» إعلامية، منذ استيلاء الجيش على السلطة في تموز /يوليو 2013، وافتتاح موجة كبرى من الاضطهاد.
بهذا المعنى، تصبح الاتهامات التي تفصّلها أجهزة الأمن المصرية، وعمليات القتل والتعذيب، التي تطال حتى السيّاح والطلاب الأجانب، هي الإنجاز الأبرز الذي تقدّمه هذه الأجهزة لإثبات «شرعيّة» النظام.
يتم هنا تعريف «الشرعية» المصريّة الحاليّة تعريفاً سالباً، بكونها عدوّا لـ»الإخوان المسلمين»، الأمر الذي يجعل أي محاولة سياسية للتعامل العقلاني مع هذا التيّار السياسي (الذي يضم «حماس» بالضرورة) تهديداً لشرعية حلف العسكر والأمن الذي يقبض على أركان مصر.
التعريف الثاني لـ«الشرعيّة» يقوم على القوّة. وهو ما يفسّر هذا التملّق المستمرّ لأشكال تموضع القوّة الكاسرة في المنطقة العربية، من روسيا فلاديمير بوتين الضاربة في سوريا وأوكرانيا، وصولا إلى إسرائيل نتنياهو. كما يفسّر أن بعض الموالين للرئيس عبد الفتاح السيسي يحاولون ابتزازه من خلال المبالغة في إظهار هذه العلاقة مع إسرائيل، كما فعل «الإعلاميّ» ـ الفضيحة، توفيق عكاشة، والذي نال جزاءه بسبب تحدّيه للسيسي أكثر مما لتزلّفه لإسرائيل.
استهداف «حماس»، ضمن هذا السياق، هو أيضاً تملّق لإسرائيل القويّة وتغطرس على «حماس» الضعيفة، من خلال حشرها بين عدوّ قاتل، و»صديق» يزاود على العدوّ في شراسته.
لا يستبعد، بهذا المعنى، أن يكون المستهدف لـ«حماس» هو لوبي العلاقة الإسرائيلية ـ المصريّة ضمن «الدولة العميقة»، وهو الجسم الأكثر استفادة من هذا الشرخ الفلسطيني ـ المصري.
رأي القدس
وسوم: العدد 659