هذا ليس وجهي (2) (هجرة)
في الليالي القاسية يعرج الرفاق ببؤس ، اثنان وأحياناً ثلاثة. وبالقرب من مسمعي منهم من يواسي قائلاً (تعال وهاجر معي) واخر يطبطب على كتفي مسهباً في حديثه عن الأوجاع ، وثالث أكثر صدقاً يأتي ويدس ورقه في جيبي و يقول:
" هذا رقمي ... ان احتجت اي شيء اتصل بي"
اما أنا لمعرفتي "الضرورة" فلا أزمّ حقائبي مهاجراً ولا أرفع سماعة هاتفي ولا أتصل أبداً ، لأن خطي مفتوح مع (آخر) ، ودوماً وبدون رصيد أحدّث هذا الآخر مهاجراً اليه أياماً طوال.
وأحيانا بكلمة او كلمتين هما كل هذا الحب في هذا العالم يسمع (الله) نجواي وهجرتي اليه فوق سبع سماوات .. يواسيني مردداً (انا معك) ، وبالفعل في الساعات العصيبة ولحظات الذروة لا أجد سواه يربت على كتفاي. رغم أني كثيراً ما أنسى لعجزٍ مني ان اقول طوال النهار كلمة (يا ألله). ورغم اني وبكفر قد عشعش في نفسي أعلم انه (الله).
فبين كلماته دوماً يمر نورٌ شفيف ، ومن نجواي معه تعلمت انه لا ينبغي لنا ترك الامور للتخمين خصوصاً عندما نتعامل مع قضايا تهم الآخرين ، لكن هذه الحرب شوهت وجهي كما الآخرين.
لذا أنظر معي في المرآة ، وجهينا متعبٌ يا صديقي وعينانا الصغيرتان غائرتان وكل ما كان مخضلاً وزاهياً حولنا قد عراه الذبول . فقطعة اللحم اليابسة أمامك ليست وجهي ، وملامحي سقطت منذ اندلعت هذه الحرب ، وأعتقد أن في وجهي وجه غريب ، فكل ثانية نحن نكبر , وكل ثانية يتضائل النور في داخلي ويهاجر الاصدقاء.
فمن هاجروا .. وغرقوا .. وذبحوا في هذه الحرب أبرياء لعدم وجود أدلة كافية عن إنسانيتهم , لأن شرعة الأمم قالت ذلك ولأننا إبتعدنا عنه فقدنا مشروعنا ودهس الأجانب على شريعتنا.
فأنا أريد أن أفهم كيف سيسوا صوتنا خمس سنوات , وكيف اخذتنا الصيحة وباعوا دمنا للأخبار .. ليتني افهم كيف نخروا رؤوسنا بالحديد والمنشار والآلة و حولوا السلام سلعة تباع بالدولار .. نريد أن نفهم كيف جعلت ايدينا عاليها سافلها وكيف هذا الضمير الميكانيكي المهندس بالشعارات القومية في أضعف اللحظات انهار ..
ساعدني في غربتك الآن حتى أفهم ، لأني أريد أن أفهم ولأني لا اريد ان أكون لعبة في مشروعهم .. ولا أريد ان اكون رأساً مهشمة او خيطاً ملوحاً في أذناب .. لأني أضعت مثلك مشروعي ، و أريد أن تنبش معي "وطن" من كل هذا الخراب ..
وسوم: العدد 660