أميركا والسعودية وأحداث الحادي عشر من سبتمبر
في الغرب الأوروبي والأميركي لا يقولون شيئا أو يفعلون شيئا دون هدف في بالهم . وإذا بدؤوا الحديث السيء عن دولة فعليها أن تتوقع الأسوأ من الأحداث مهما كانت نغمة حديثهم هادئة . إنهم مثل الدبور إذا زن حولك اقتربت لسعته لك . بهذه الرؤية نفهم التوتر الناشب بين أميركا والسعودية منذ مدة ، والذي اتخذ مؤخرا سمة حادة حول أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 التي دمر فيها برجا مركز التجارة العالمي في نيويورك ، واتهمت أميركا في حينه القاعدة بتدميرهما بصدمهما بالطائرات ، فاحتلت أفغانستان مقر القاعدة ، وأتبعت احتلالها باحتلال العراق ضمن حربها بزعمها على الإرهاب ، وإن لم تتهم العراق صراحة بأي دور في تدمير البرجين مركزة عوض ذلك على ملكيته المزعومة لأسلحة الدمار الشامل . وكثيرة هي الأدلة الحاسمة على أن القاعدة والعرب والمسلمين ، وحكما السعودية ، أبرياء من تلك العملية ، وأن اتهامهم بها لا يختلف عن اتهام أميركا لليبيا بإسقاط طائرة لوكربي ، وإلزامها بدفع 2000 مليون دولار تعويضا لذوي ركابها المائتين . والمشهور أن اتهام ليبيا بإسقاط تلك الطائرة بني على أنها اشترت من تشيكوسلوفاكيا مادة تفجير تشبه المادة التي فجرت بها الطائرة ! نقول إن الأدلة على براءة العرب والمسلمين من أحداث البرجين كثيرة ، وكلها تقريبا ، في جانبها المادي والإخباري ، تأتي من الغرب ، ومن أميركا ذاتها ، ويبدو معها غريبا مريبا أن يعترف ابن لادن بأن قاعدته هي التي فجرت البرجين ! ومن الأدلة على براءة العرب والمسلمين :
أولا : اعترف مسئول أميركي في بداية ولاية أوباما بأن أميركا هي التي دمرت البرجين ، ففصل فورا من منصبه .
ثانيا : تتعدد الأدلة على مشاركة الموساد الإسرائيلي فيها ، وأشير في ذلك إلى التحذير المسبق ل 450 إسرائيليا من العاملين في المركز بعدم الذهاب إلى أعمالهم يوم العملية ، ومن ذلك أيضا القبض على 5 إسرائيليين رقصوا بعدها ، وأجابوا حين سئلوا عن سبب رقصهم بأن العملية ستوثق العلاقة بين أميركا وإسرائيل في مواجهة إرهاب العرب والمسلمين !
ثالثا : تأكيدات ضابط الاتصال في الاستخبارات الأميركية سوزان لينداور بأن لضباط الاستخبارات الأميركية الذين يحملون جنسية إسرائيلية دورا في العملية ، وتذكر في تأكيداتها أن تحول بعض حديد البرجين إلى غبار يبين أن مادة تفجير معينة استخدمت في العملية ، وأن الطائرات التي تنسب لها العملية كانت للتمويه فقط .
رابعا : اتهم عسكريون روس كبار أميركا ، وضمنا إسرائيل ، بالعملية ، وفي العام الماضي تحدثت صحيفة "في .تي " الأميركية عن تهديد بوتين لأميركا بكشف ما لدى روسيا من معلومات في شأن العملية ، وسمت تهديده قنبلة بوتين .
خامسا : من الذين اتهمتهم أميركا مواطن سعودي أتذكر أن اسمه الأول عبد العزيز ، وبادر إلى نفي التهمة عن نفسه مؤكدا أنه كان في الرياض عند وقوع العملية. أحسب ما سبق كافيا للتدليل على براءة العرب والمسلمين من حادثة البرجين ، ومؤكدا أنها من صنع اليد الأميركية والإسرائيلية لتبرير العدوان على الدول العربية والإسلامية التي يعادونها . إذن لماذا بحث إمكان اتهام السعودية بها من خلال مشروع قانون في الكونغرس يتيح لأهل الضحايا مقاضاتها وطلب تعويض في حال نجاح المقاضاة التي سيختلقون لها كل منجحاتها ؟! في توقيت البحث بعض الجواب ؛ لماذا يحرك الاتهام الباطل الآن بعد قرابة 15 عاما على تلك الأحداث ؟! وبعض الجواب هو تقلص الاهتمام الأميركي بمنطقة الشرق الأوسط ودولها ، ومنها السعودية ، وحتى إسرائيل ، في الجو لأميركي همهمات تلمح إلى الابتعاد عنها ، وأحدثها ما جاء على لسان كيري وزير الخارجية يوم الاثنين أمام منظمة جي ستريت الأميركية اليهودية اليسارية . لاحظنا أنه لام إسرائيل أكثر مما لام الفلسطينيين على تردي الحال بين الطرفين وتجمد خطوات السلام بينهما . بالتأكيد لن يكون الابتعاد عن إسرائيل وشيكا حاسما ، لكن الملل من إسرائيل موجود بقوة في أميركا ، وإسرائيل تفصح بين وقت وآخر عن تخوفها وقلقها منه ، ويعوق سرعته وحسمه ما لليهود من نفوذ سياسي ومالي وإعلامي في أميركا . السعودية تختلف عن إسرائيل في العين الأميركية في كل شيء ، وفي التقرير السنوي للخارجية الأميركية عن حقوق الإنسان في دول العالم ، ومنها السعودية، في 2015 الذي صدر منذ أيام ؛ وضح خلوه من أي حسنة للسعودية في تلك الحقوق ، ويستحق الانتباه فيه إلى اعتباره " عدم قدرة المواطنين قانونيا على اختيار حكومتهم " أهم مشكلات حقوق الإنسان في السعودية ، مشيرا به إلى انعدام الانتخابات فيها . وكل هذا مستخلصه أن السعودية مرشحة بقوة للابتعاد الأميركي عنها . وتهديدها على لسان وزير خارجيتها عادل الجبير في زيارته في مارس الماضي لواشنطن ؛ ببيع أصولها المالية في أميركا في حال مضي الكونغرس للتصويت على مشروع القانون الخاص بمقاضاتها أمام المحاكم حول دورها المزعوم في أحداث البرجين ؛ قد لا يعينها في مواجهة خطر الابتعاد عنها الذي يجسده مشروع القانون . ومن شهرين نشرت صحيفة " في . تي " الأميركية مقالا مطولا تحدث فيه كاتبه عن ميل أميركا إلى تقطيع السعودية إلى طائفة من الدول لتتمكن من السيطرة على أصولها المالية فيها المقدرة ب 750 مليار دولار . حين ولي بوش الابن الرئاسة ألمح إلى الابتعاد عن السعودية مستنكرا التزام بلاده نحو دولة تختلف كليا في قيمها السياسية والثقافية عن أميركا ، وما لبث أن أحجم عما نواه تحت ضغط حاجته للسعودية في سياسته في الشرق الأوسط . دلائل الرغبة الأميركية في الابتعاد عن السعودية كثيرة لكثرة عواملها . وربما لا يتكرر التراجع الذي حدث في زمن بوش الابن ، واجتماع أوباما القريب في الرياض مع قادة دول الخليج قد يوضح نوع الريح الأميركية التي ستهب على السعودية ، والمؤكد أنها لن تكون في نعومة رياح الماضي الذي دام ثمانية عقود ، وتحسن السعودية صنعا لنفسها بالكف عن حروبها الدونكيشوتية الفاشلة ، وعن عقد التحالفات العسكرية الهلامية كأنها في حرب عالمية . قوة الدول دائما في داخلها مهما كان تأثير الخارج عليها ، وأول أسس تلك القوة إقامة مجتمع المساواة ، وهذا الكلام موجه إلى كل الدول العربية ، وبذلك المجتمع تكتسب الأنظمة شرعيتها وحمايتها ، أما الشرعية والحماية المكتسبتان من الخارج فهما دائما عابرتان لاتصالهما بمصالح ذلك الخارج التي لا تدوم .
وسوم: العدد 664