الذكرى التاسعة والأربعون للخامس من يونيو 1967

49 عاما انقضت هذا الأسبوع على هزيمة العرب الكبرى في الخامس من يونيو / حزيران 1967 . كانت الهزيمة مفاجئة حجما وسرعة حتى لإسرائيل التي كانت تعرف حقيقة الجيوش العربية في مصر وسوريا والأردن التي سيقاتلها جيشها . وقبل الحرب لاحظ العسكريون الإسرائيليون إسراف إسحق رابين رئيس الأركان في التدخين للتغلب على توتره وتخوفه من نتائج سيئة غير متوقعة للحرب التي انتوت إسرائيل المبادرة إليها ، وكشف بعد الحرب أنه اصيب بانهيار عصبي عند بدء الهجوم الذي تقدمته الضربة الجوية الإسرائيلية لقواعد الطيران المصري في الساعة الثامنة إلا ربعا  من صباح ذلك اليوم ، وتلاها الهجوم البري على سيناء بعد نصف ساعة . وفي المجمل كانت القيادة العسكرية الإسرائيلية واثقة بقوة من حتمية حسم المعركة لصالح إسرائيل . وكان دايان  الذي عين وزير دفاع في ذروة الاستعداد للحرب من أكثر القادة ثقة في النصر . وتغلب العسكريون الإسرائيليون على معارضة ليفي أشكول رئيس الوزراء للحرب ، وحصلوا على تأييد أميركا لهم في مواجهة معارضته . وفاقت النتائج أبعد توقعاتهم ، وحسمت الحرب عمليا في الساعات الأولى من ذلك اليوم الأسود بتدمير حوالي 300 طائرة مصرية في قواعدها . وطيرت الوكالات خبرا يحتوي على رأي هو أن إسرائيل صنعت أسرع انتصار في التاريخ . وبعد الحرب قيل إنه ما كان للعرب أن ينتصروا على إسرائيل بالحال التي كانوا عليها : كيف تنتصر الفوضى والارتجال على دقة التنظيم ومهنية الإعداد ؟ ذلك أن إسرائيل دربت جيشها عشر سنوات على خطة  تلك الحرب . ولم يكن معنى ولا رؤية واقعية في دعوة بعض الصحف العربية خاصة في لبنان ؛  العرب لمواصلة القتال . كانوا في أسوأ حال من صعقة أول يوم في الحرب ، ويدل على مدى سوء الحال قرار مصر سحب قواتها من سيناء ثاني يوم للحرب ، ولم يكن انسحابا ، كان انهيارا كاملا مكن القوات الإسرائيلية من اقتراف مجازر رهيبة ضد جنود الجيش المصري . والحقيقة الكبيرة في تلك الحرب أن أحدا لم يحارب فيها إسرائيل . انتصرت على الفراغ . فانتشار القوات المصرية في سيناء قبل الحرب بثلاثة أسابيع كان انتشارا سيئا مهللا ، وكان الضباط والجنود يجهلون جغرافية الأرض ، والفراغات كثيرة بين المواقع المصرية السيئة التجهيز التي أقيمت على عجل . وقال الجنرال الباكستاني تيكا خان بعد الحرب إن القائد الإسرائيلي في سيناء وقع في أخطاء كبيرة لم تجد من يستفيد منها في القيادة المصرية . وفي غزة كان الواقع العسكري سيئا جدا لقلة القوات وضعف تسليحها ، ومع هذا السوء الكبير استطاع الجنود الفلسطينيون  تدمير 12 دبابة إسرائيلية بمدفع مضاد للدبابات شرقي مدينة غزة ، وفي المنطار ، جنوب شرقي المدينة  ، قاتلت سرية فلسطينية ببسالة ، وصدم جنودها من نوعية رشاشاتهم التي سخنت مواسيرها بسرعة ، وصار رصاصها يسقط أمامهم مباشرة ، وفي ذلك توكيد لفساد تلك الرشاشات التي أصابت أيديهم بالتسلخ . ورغم هول الهزيمة ، بادر بعض جنود جيش التحرير الفلسطيني بعد شهر من الهزيمة  للتصدي للقوات المحتلة  في شكل أفراد وجماعات صغيرة . وفي 14 يوليو / تموز أغارت الطائرات المصرية على المواقع الإسرائيلية شرقي القناة ، وفي خبر للإذاعة البريطانية عن الغارة قالت إن الجنود الإسرائيليين كانوا يحاولون دفن أنفسهم في الرمال للنجاة من قذائف الطائرات المغيرة . واشتدت المقاومة في غزة والضفة ، وصنعت المقاومة مع الجيش الأردني انتصار معركة الكرامة في 21 مارس / آذار 1968 الذي رفع المعنويات العربية رفعا واضحا ، وأضيف إلى الإنجاز الكبير الذي صنعته البحرية المصرية في 21 أكتوبر / تشرين الأول  1967 بإغراق المدمرة الإسرائيلية إيلات أمام بور سعيد . أغرب ما قيل عن انتصار إسرائيل السريع الكبير في تلك الحرب جاء من المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي . قال إن هذه بداية نهاية إسرائيل استقراء لأحداث التاريخ التي تثبت أن الدول إذا توسعت تقلصت . وكان ممكنا أن يؤكد العرب صحة هذه الثابتة التاريخية لو كانوا حقيقة لهم أهداف موحدة . أي أمة قد تهزم في تاريخ ما ، والفاعل الحاسم هو قدرتها على الانبعاث بعد الانهزام . وحقق العرب قدرا كبيرا من التوازن مع إسرائيل في حرب 1973 أعاد الصواب والواقعية لرأسها بعد أن أطاشه انتصارها في 1967 ، ولكنهم ما لبثوا أن تفرقوا ، وأهزلوا حصاد توازنهم العسكري في مواجهتها . وحين نرى عظم ما فعلته المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين بإسرائيل نتصور واقعيا عظم ما يمكن أن يفعله العرب مجتمعين بها . في مؤتمر الخرطوم الذي عقد في أغسطس 1967 لتدارس كيفية مواجهة آثار الهزيمة رفع الزعماء العرب ثلاثية " لا صلح ،لا اعتراف ، لا تفاوض " مع إسرائيل . والآن ، بعد نصف قرن ، يتساقط أكثر العرب على أعتابها  ضارعين أن تقبل مصالحة 57 دولة عربية ومسلمة مقابل الانسحاب من الضفة والجولان ، وأستثني غزة ، رغم أنهم يذكرونها في مبادرتهم العربية التي يجب أن يضيفوا لها صفة الإسلامية ما داموا سيشركون الدول الإسلامية في مصالحة إسرائيل . واستثناؤنا لغزة ؛ لأنها حررت بدم الشهداء من أبنائها ، والذي أفسد تحريرها هو نوعية علاقة السلطة الفلسطينية بإسرائيل ، وإغلاق مصر الدائم لمعبر رفح ، وهو ما أعاد ربط غزة تجارة وحركة بإسرائيل . ولا تبدي إسرائيل ليونة صادقة في الاستجابة للضارعين المتذللين من العرب ، وتتمنع عليهم ليضاعفوا ثمن قبولها العلاقات العلنية معهم . لو كان أكثر العرب يعادون إسرائيل عداء حقيقيا ما عاشت حتى الآن ، وعلى الأقل لما نظرت إليهم بهذا الازدراء . هذا ما يتضح يوما بعد يوم منذ ذلك اليوم الأسود ، الخامس من يونيو / حزيران 1967 .

وسوم: العدد 671