البنك الدولي (103)

البنك الدولي (103): الماء حق من حقوق الشركات، وليس حقا من حقوق الإنسان وإن أقرّه ميثاق الأمم المتحدة!! (مؤامرات البنك الدولي لسلب المياه في بوليفيا وتنزانيا وغانا وأوروغواي والبرازيل)

(أصبحت خصخصة الخدمات العامة, بما فيها امدادات المياه, وبصورة متزايدة, شرطا للحصول على المساعدات والغاء الديون. وانتهزت الشركات عابرة القومية الفرصة لتتدخل في الامر. لكن اموال المساعدات والنفوذ السياسي استُغلت لتشجيع سياسات يمكن ان تؤدي الى نتائج معاكسة للغرض الأصلي للمساعدات, أي تحرير الناس من الفقر, وليس ترسيخه.

وقد أعلنت الأمم المتحدة في 2002, "ان حق الانسان في الماء لاغنى عنه اذا اردنا ان نصون للانسان كرامته". إلا ان البلاد الغربية والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية تشجع على تحرير وخصخصة الخدمات, ومن بينها امدادات المياه. وهذا موقف يمكن ان ينتهك هذا الحق الأساسي في العيش الكريم).

 

(وحسب البنك والصندوق, فإن زيادة "تدفق عائدات" استخدام الماء ستجعله أكثر ربحية في السوق العالمي. لكن في غانا, هناك اكثر من 50% من السكان يحصلون على أقل من دولار في اليوم وحوالي 40% يعيشون تحت خط الفقر الوطني. وهناك حاليا حوالي 35% من سكان غانا لا يحصلون على الماء النقي و68% محرومين من خدمات الصرف الصحي. وسجل شركة مياه غانا سيئ؛ ونصف مياه البلاد المعالجة يضيع هدرا)

 

(الهدف من اتفاقية منظمة التجارة العالمية هو تحرير تجارة الخدمات مثل امدادات المياه, والمستفيد من هذا هي الشركات الكبيرة؛ والخاسر الأكبر هم الفقراء, الذين تهددهم الاتفاقية بالاستيلاء على خدماتهم الاساسية.

ونظريا, يمكن للدول الاعضاء بمنظمة التجارة العالمية تحديد الخدمات القابلة للخصخصة, لكن في التطبيق, تمارس الحكومات الغربية بالفعل ضغوطها على البلاد النامية لخصخصة قطاع الخدمات كلّه، وإلا حُرمت من مساعدات التنمية.

يُضاف الى هذا إن الاتفاقية تجعل الخصخصة اجراء لا يمكن الرجوع فيه. وهذا يعني ان الحكومة التي تُخضع قطاعا من قطاعات الخدمة لقواعد منظمة التجارة العالمية, لا يمكنها التراجع عن هذا القرار, وإلا تعرضت للملاحقة القانونية من جانب الشركات).

المحتوى

_____

(تمهيد: البنك الدولي يسحق حق الإنسان في الماء الذي أقرته الأمم المتحدة حقا من حقوق الإنسان - الشركات تسمّي الماء "الذهب الأبيض" وبترول القرن الحادي والعشرين - أكبر الشركات المستغلة للمياه بتسهيلات البنك الدولي - مؤامرة البنك الدولي لخصخصة المياه في بوليفيا وكيف تمّ إفشالها - وهذه مؤامرة البنك الدولي لخصخصة المياه في تنزانيا - وهذه مؤامرته لتعطيش البشر في غانا - وهذه مؤامرة البنك في اوروجواي - المياه المعبّأة : مؤامرة البنك الدولي في البرازيل - الدور التآمري لمنظمة التجارة العالمية لتنظيم التجارة والخدمات (الجات GATT) - الخلاصة: "إنهم يقاتلون من أجل الأرباح, ونحن نقاتل من اجل البقاء" - مصادر حلقات صندوق النقد الدولي).

 

تمهيد: البنك الدولي يسحق حق الإنسان في الماء الذي أقرته الأمم المتحدة حقا من حقوق الإنسان

____________________________________________

يقول الباحث الاقتصادي "جون ميدلي" في كتابه : نهب الفقراء (الشركات عابرة القومية واستنزاف موارد البلاد النامية) (ترجمة بدر الرفاعي – الهيئة المصرية العامة للكتاب – المشروع القومي للترجمة - القاهرة – 2011) :

"إن الخدمات صناعة كبيرة وتهيمن عليها الشركات عابرة القومية بصورة متزايدة. لكن مع سعي الشركات لتحقيق الارباح من خدمات مثل الإمداد بالماء, والرعاية الصحية , والتعليم, وعادة ما تكون الضحية في هذه الأشياء قطاعات السكان التي لا تتمتع بالقوة الشرائية.

وليس هناك خدمة أهم من توفير الماء. فمثل الهواء, لا غنى عن الماء لاستمرار الحياة. وحتى تسعينيات القرن الماضي, كانت امدادات المياه تُعد من السلع العامة في البلاد النامية, وليست سلعة تجارية للتداول في السوق. وكان يتولى أمرها مؤسسات ذات ملكية عامة بالنيابة عن الجمهور. ومنذ ذلك الحين, اصبحت خصخصة الخدمات العامة, بما فيها امدادات المياه, وبصورة متزايدة, شرطا للحصول على المساعدات والغاء الديون. وانتهزت الشركات عابرة القومية الفرصة لتتدخل في الأمر. لكن أموال المساعدات والنفوذ السياسي استُغلت لتشجيع سياسات يمكن ان تؤدي الى نتائج معاكسة للغرض الأصلي للمساعدات, أي تحرير الناس من الفقر, وليس ترسيخه.

وقد أعلنت الأمم المتحدة في 2002, "ان حق الانسان في الماء لاغنى عنه اذا اردنا ان نصون للانسان كرامته". إلا ان البلدان الغربية والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية تشجع على تحرير وخصخصة الخدمات, ومن بينها امدادات المياه. وهذا موقف يمكن ان ينتهك هذا الحق الأساسي في العيش الكريم.

وهناك أزمة مياه عالمية, وهي أزمة حادة حتى بدون استغلال الشركات عابرة القومية لها لتحقيق اغراضها. وحسب أرقام الأمم المتحدة, يعاني 21 بلدا الآن من ندرة المياه، وهناك مليار إنسان لا يحصلون على ماء الشرب النظيف:

"يتضاعف استهلاك المياه كل 20 عاما, أضف الى هذا إن مصادر المياه تتعرض للتلوث, والنضوب, وسوء الاستخدام والاستغلال من جانب الشركات لزيادة عوائد انشطتها في مجالات التصنيع الزراعي وانتاج الكهرباء والتعدين. ويتوقع البنك الدولي ان يعاني ثلثا سكان العالم من نقص المياه النقية والصالحة للشرب بحلول 2025".

الشركات تسمّي الماء "الذهب الأبيض" وبترول القرن الحادي والعشرين

_______________________________________

إن الماء قد يصبح بترول القرن الحادي والعشرين، وهو يُسمّى الآن من قبل الشركات "الذهب الأبيض". وفي ظل اندفاع الشركات نحو"تملّك" المياه, يفقد الناس في البلاد النامية ملكيتهم لواحد من المصادر الحيوية وسيطرتهم عليه. وتتولى الحكومات تسهيل مهمة الشركات. فبدلا من ان تحمي موارد مواطنيها من المياه في وجه الساعين وراء مصالحهم الخاصة، تتخلى الحكومات عن مسئولياتها وتخضع لارادة الشركات متعددة الجنسيات العملاقة, الجاهزة لتحقيق الارباح من وراء نقص المياه. وتندفع الشركات الآن نحو الاستثمار في الاقتصاد الجديد بهدف الاثراء من المياه".

وتريد شركات المياه خصخصة أنظمة المياه العامة, وتشجيع المياه المعبأة, وبيع المياه بالجملة بنقلها من المناطق الغنية بالمياه الى الأسواق التي تعاني من شُحها. ولتحقيق اكبر قدر من الأرباح, تضغط الشركات كذلك من اجل اضعاف معايير جودة المياه, وتدفع من اجل التوصل الى اتفاقيات تجارة, تتسلم الشركات الاجنبية بمقتضاها موارد المياه.

ان السائل الذي يحتاج اليه كل الناس...تتم خصخصته, ما يقدم فرصا كبيرة لشركات العالم... وحيث ان 5% فقط من صناعة الماء بأيدي الشركات الخاصة الآن, فإن إمكانيات النمو كبيرة.

أكبر الشركات المستغلة للمياه بتسهيلات البنك الدولي

______________________________

يحصل 10% من سكان العالم على ما يحتاجونه من المياه عن طريق شركات عابرة القومية. واكبر شركتين في هذا القطاع هما سويز الفرنسية, التي توفر الماء لحوالي 117,4 مليون شخص في العالم, وفواليا (فيفندي سابقا) التي تخدم 108,2 مليون شخص. وقد بلغت عوائد فواليا, التي تستخدم 77,800 موظفا, في عام 2006 حوالي 10,1 مليار يورو.

وترى شركات المياه ان الخصخصة ضرورية لمعالجة اخفاق الحكومات في تقديم الخدمات الأساسية. وحيث ان كثيرا من المشروعات التي تديرها الدولة تقدم خدمات سيئة ولا تتمكن نسبة كبيرة من الناس في كثير من البلاد من الحصول على الماء, فلماذا لا نستعين بخبراء المياه ؟ هكذا تطرح صناعة المياه المسألة . وقد يبدو الأمر معقولا ويمكن ان ينجح في البلاد التي يمكن لأي جهة فيها تقديم المياه والتي تتمتع بسلطات تنظيمية قوية. لكن هناك صعوبات تعترض ذلك في البلاد الاكثر فقراً. فشركات المياه بحاجة لتحقيق الأرباح لتُرضي المساهمين. لكن تحقيق الأرباح من توفير المياه لمن لا يملك مالا غير ممكن, كما تبين الوقائع. من هنا تغفل اتفاقيات الخصخصة أمور أكثر الناس فقرا. وتتطلع الشركات عابرة القومية الى الحصول على أموال محدودي الدخل, لكن الاتفاقيات نادرا ما يتم التوصل اليها بطريقة ديمقراطية , ولم تحسن خصخصة الإمدادات المائية من عملية توزيع المياه. وفي البلاد النامية تعد الخصخصة كارثة بكل المقاييس.

مؤامرة البنك الدولي لخصخصة المياه في بوليفيا وكيف تمّ إفشالها

_____________________________________

كانت بوليفيا من اوائل البلاد التي قامت بخصخصة المياه. ففي 1997, قام البنك الدولي بخصخصة نظام المياه المملوكة للدولة في كوشابامبا, ثالث أكبر مدن بوليفيا, كشرط لتلقي البلد فيما بعد المساعدات لتطوير موارده المائية.

وقد ادى هذا, في سبتمبر 1999, الى منح شركة تابعة لبكتل, وهي شركة عالمية للهندسة والتشييد مقرها سان فرانسيسكو, امتياز استغلال المياه لمدة أربعين عاما. وكانت بكتل المتقدم الوحيد. وخلال اسابيع من استيلائها على مياه المدينة, قامت شركة بكتل البوليفية, اجواس دل توناري, برفع الأسعار بنسبة 50% وبأكثر من هذا في بعض الحالات. وقد قوبلت الزيادة باحتجاجات غاضبة من الجمهور. وفي منطقة يقل فيها الحد الادنى للاجور عن 100 دولار شهريا, فوجيء الناس بزيادة في أسعار المياه تُقدر بأكثر من 20 دولار شهريا. وكان على الناس شراء التصاريح للحصول على مياه الامطار من آبارهم وخزانات الأسقف. ولم يستطع كثير من الناس الحصول على الماء لأكثر من ساعتين يوميا. وكان عليهم تسليم انظمة مياههم المستقلة بلا مقابل.

وقد اغلقت الاضرابات الجماهيرية مدينة كوشابامبا, التي يسكنها حوالي نصف مليون شخص, ثلاث مرات. وفي محاولة لحماية عقد شركة بكتل, أعلنت الحكومة البوليفية حالة الطوارئ وشرعت في القبض على زعماء المحتجين من منازلهم في منتصف الليل. وقد قتل الجيش البوليفي صبيّاً أعزل في السابعة عشر من عمره. وأصيب 175 شخصا على الأقل. وفي ابريل 2000, ألغي الامتياز بسبب الاضطرابات المدنية, ليبدأ النزاع بين بوليفيا واجواز دل توناري. وعادت شركة المياه بالمدينة لتكون مملوكة ملكية عامة مرة أخرى.

وفي نوفمبر 2001, أقامت شركة بكتل دعوى تعويض بمبلغ 50 مليون دولار. وعلى مدى اربع سنوات, شنت مجموعات المواطنين حملة عالمية للضغط على بكتل حتى تتنازل عن دعواها, واغلق المحتجون مقر الشركة في سان فرانسيسكو مرتين. وأمطر موظفي الشركة العديد من الرسائل الالكترونية التي تندد بالشركة. وأخيرا, في يناير 2006 وافقت الشركة على مطلبهم. يقول جيم شولتز, المدير التنفيذي لمركز الديمقراطية بكوشابامبا ومتزعم الحملة, " هذه هي المرة الاولى التي تضطر فيها شركة كبيرة مثل بكتل الى اسقاط دعوى قضائية تجارية نتيجة للضغط العالمي للمواطنين. وهي إشارة موجهة الى الشركات التي تفكر في رفع دعاوى مشابهة بأن تتأهب للدفاع عن تلك التصرفات أمام محكمة الرأي العام العالمي".

يقول اوسكار اوليفيرا, وهو قائد آخر من قادة تمرد المياه في بوليفيا, ان الشركات عابرة القومية تريد تحويل كل شيء الى سلعة. وبالنسبة للسكان الأصليين لا يُعد الماء سلعة, بل منفعة عامة. وبالنسبة لبوليفيا, فإن هذا التراجع من جانب بكتل يعني اعترافا بحقوق الشعب".

وإذا ما تم تشديد اتفاقية منظمة التجارة العالمية الخاصة بالتجارة والخدمات بصورة تحول دون الخصخصة, فلن يكون من الممكن للحكومات ان تعود الى الخصخصة مرة أخرى. ولن يمكن لاحد ان يُضعف قدرة الناس على التعبير عن آرائهم.

وهذه مؤامرة البنك الدولي لخصخصة المياه في تنزانيا

_______________________________

في الفترة من 1996-2003, كانت خصخصة هيئة المياه والصرف الصحي بدار السلام شرطا لتقديم صندوق النقد الدولي المساعدات لتنزانيا. وكانت إعادة الهيكلة والخصخصة المتواصلة للمؤسسات العامة من بين الشروط لتخفيف أعباء الديون عنها. وتُعد تنزانيا من اكثر بلاد العالم فقرا, حيث يعيش حوالي 90% من سكانها على أقل من دولارين يوميا. ولا يتوفر لـ 38% على الاقل من سكانها (14,3 مليون نسمة) ماء الشرب الآمن, حسب تقارير البنك الدولي. ونظرا لعقود من الاهمال وتدني الانفاق على مرافق مياه دار السلام, أكبر مدن البلاد وعاصمتها السابقة, فان نسبة قليلة من سكانها تحصل على الماء.

وفي فبراير 2003, فازت سيتي سيرفيسيز, وهي شركة مشتركة بين شركة بايووتر البريطانية للمياه وهيئة استشارية المانية ومستثمر محلي, بعقد لمدة عشر سنوات بقيمة 102 مليون دولار لإدارة وتشغيل مرفق المياه والصرف الصحي في دار السلام. وتلقى العقد دعما قويا من إدارة التنمية الدولية بالمملكة المتحدة التي قدّمت دعما لآدم سميث انترناشيونال يُقدر بـ 444,000 جنيه استرليني لإعداد مواد علاقات عامة, من بينها أغنية بوب تؤيد الخصخصة لاقناع المترددين من الجمهور بفوائدها.

وقد ارتفعت اسعار المياه بصورة حادة. لكن بدلا من تحسين الخدمات المائية, ازدادت تلك الخدمات سوءا. وفي مايو 2005, أُلغي العقد. وقامت الحكومة التنزانية بطرد سيتي ووتر سيرفيسيز, مبررة ذلك بعجز الشركة عن توفير ولو نصف الاستثمارات المطلوبة وفشلها في تحسين الخدمات. ويتوصل تقرير لم ينشر للبنك الدولي الى انه " كان الافتراض الأساسي من جانب كل المشاركين تقريبا, وخاصة الجهات المانحة, أنه سيكون من الصعب, أن لم يكن من المستحيل, أن يأتي اداء الهيئة الخاصة أسوأ من الهيئة السابقة. لكن هذا ما حدث".

لقد سقط الشعب التنزاني ضحية لسياسة لم يكن يرغب فيها على الاطلاق. وكان التزام سيتي ووتر الاجتماعي يتمثل في الإسهام في تمويل عملية توصيل انابيب المياه للمنازل, وهو ما لم يحدث. ثم طلبت بايووتر من احدى هيئات البنك الدولي, المركز الدولي لتسوية نزاعات الاستثمار, الحكم على تنزانيا بدفع ما بين 20-25 مليون دولار (10-20 مليون استرليني) للشركة كتعويض عن مصادرة استثماراتها, واصولها, وعوائدها في دار السلام.

وقد أثار هذا سخط منظمي الحملة. ورفضت بايووتر مطالب الحكومة التنزانية بتداول القضية علنا وكذلك عقد المحاكمة على أرض افريقية ونشر الوثائق المهمة المتصلة بالقضية:

"إنه لأمرٌ مخزٍ, إننا نعتقد ان الشعب التنزاني يجب ان يكون على دراية بما حدث مع بايووتر. وكذلك يجب ان يعرف الناس في المملكة المتحدة كيف تتصرف الشركات البريطانية في الخارج. كما ان الحكومة البريطانية تتحمل مسؤولية هذا الفشل. فقد استخدمت اموال المعونة البريطانية في انتاج اغنية بوب وشريط فيديو يشجّع على الخصخصة في تنزانيا في محاولة للفوز بدعم سياسة اثبتت فشلها الذريع في البلاد النامية".

لقد كانت خصخصة المياه شرطاً لتخفيف الديون على تنزانيا. وهذا يعني الحد من الفقر وليس تعزيزه. "إن من الظلم ان تحاول شركة بريطانية مثل بايووتر استرداد الأموال بعد فشلها في اداء عملها", كما يقول أندرو موشي, أحد منظمي الحملات التنزانيين ضد خصخصة المياه. وفي يناير 2008, حصلت تنزانها على حكم بمبلغ 3 مليون جتيه استرليني تعويضا عن الاضرار التي سببتها شركة سيتي لخدمات المياه. فبمقتضى قواعد مفوضية الأمم المتحدة للتجارة العالمية, حكمت إحدى محاكم لندن بأن خدمات المياه والصرف الصحي أصابها التدهور في ظل إدارة الشركة.

وهذه مؤامرته لتعطيش البشر في غانا

______________________

في مايو2001 عبّرت قطاعات عريضة من المجتمع المدني الغاني, ومن بينها جماعات النساء, والمعلمين, والنقابات, والعاملين في مجال الصحة العامة، وجماعات حماية البيئة, تحت لواء ائتلاف غانا الوطني المناهض لخصخصة المياه, عن معارضتها لاقتراح خصخصة امدادات المياه الحضرية الذي يدعمه البنك الدولي. وكان البنك قد عرض تقديم قرض بدون فوائد بـ 150 مليون دولار لاعادة تجهيز شركة غانا للمياه التي تديرها الدولة وتعيين إدارة جديدة لها. كما طالب بزيادة رسوم المياه بنسبة 95%.

وتضم كبريات الشركات التي تقدمت بالعروض سويز وفيفندي (فيوليا الآن), وساور وبايووتر, وتكونت الهيئة الوطنية للمياه كرد فعل للقلق الواسع من النتائج السلبية الخطيرة لخصخصة المياه على الصحة العامة، وعلى عمل النساء، وتوفير الماء النقي, والسيطرة المحلية على الشركات واخضاعها للمحاسبة. وجاءت الانشطة الجماهيرية المتصلة بحماية مياه الآبار في 2001 رداعلى شروط قروض صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وحسب البنك والصندوق, فإن زيادة "تدفق عائدات" استخدام الماء ستجعله أكثر ربحية في السوق العالمي. لكن في غانا, هناك اكثر من 50% من السكان يحصلون على أقل من دولار في اليوم وحوالي 40% يعيشون تحت خط الفقر الوطني. وهناك حاليا حوالي 35% من سكان غانا لا يحصلون على الماء النقي و68% محرومين من خدمات الصرف الصحي. وسجل شركة مياه غانا سيئ؛ ونصف مياه البلاد المعالجة يضيع هدرا.

ويبين مسح أجراه مركز التنمية الاجتماعية المتكاملة في غانا ان الأسر الفقيرة في خمسة من تجمعات أكرا تنفق ما بين 18-25% من دخلها على الماء وحده. "وعلى ضوء هذه الحقائق, فإن تشجيع البنك والصندوق على زيادة تكلفة التعافي وآليات تعديل التعريفة، دفعتا هاتين المؤسستين لرفع اسعار استهلاك المياه, بمثابة تمهيد للخصخصة". ومن غير الممكن خصخصة شيء كالماء والهواء, وإطلاق قوى السوق والسعي وراء الأرباح لتقرير مَنْ يشرب الماء ومن لا يشربه".

وهذه مؤامرة البنك في اوروجواي

___________________

من خلال استفتاء أُجري في أكتوبر 2004, اصبحت اوروجواي أول من يحظر خصخصة المياه عبر الديمقراطية المباشرة وإعلان الماء"حقا دستوريا". وقد أيّد 64% من شعب اوروجواي -1440000 ناخب – الإصلاح الدستوري للدفاع عن الحق في المياه. وقد أضاف التصويت التاريخي الماء كحق من حقوق الانسان وأوجد الاساس لإدارة المياه كمرفق عام بطريقة مشتركة ومستدامة.

وكانت حكومة اروجواي وصندوق النقد الدولي قد وقعا خطاب نوايا يرمي الى مد الخصخصة لتشمل المياه الصالحة للشرب والصرف الصحي في البلاد ككل. وبدأت الخصخصة بمنطقة مالدونادو بقدوم شركة سويز الفرنسية عابرة القومية, ثم تبعتها شركة أجواس دو بلباو الاسبانية, وقد كان لهذا نتائجه السلبية الكثيرة.

فقد حرمت الخصخصة كثيرا من الناس من الحصول على الماء الصالح للشرب لأنهم لا يملكون المال اللازم. وقلت جودة خدمات المياه مقارنة بما كانت عليه عندما كانت خاضعة للشركة المملوكة للدولة. وقد حذرت وكالة مراقبة الجودة من شرب المياه من الصنابير مباشرة لعدم مطابقتها لشروط المياه الصالحة للشرب.

وفي 2002, قامت المفوضية الوطنية للدفاع عن المياه والحياة للتصدي لتسويق المياه. وتضم المفوضية نقابة الشركة العامة للمياه واصدقاء الارض في اوروجواي.

المياه المعبّأة : مؤامرة البنك الدولي في البرازيل

____________________________

تثير شركة نسله (أو نستله) , إحدى كبرى شركات الأغذية وتعبئة المياه في العالم, الجدل بشأن انشطتها في ولاية ميناس جيرياس البرازيلية. ونسله واحدة من الشركات الأربع الأكثر تعرّضا للمقاطعة بسبب "اسلوبها الشرس" في تسويق اغذية الأطفال.

وفي 1992, استولت نسله على شركة برييه, لتفوز بالسيطرة على حديقة المياه التاريخية في ساو لورنسو, بولاية ميناس جيرياس. وفي 1996, حفرت الشركة بئرين بعمق 162 مترا, تعرف ببئر بريمفيرا, "بدون الحصول على الترخيص اللازم" وبدأت في تنقية المياه من المعادن لانتاج عبوة مياه تُعرف ببيور لايف. وتنقية المياه من المعادن يعتبر غير قانوني بمقتضى القانون الفدرالي البرازيلي.

لكن نسله لم توقف عملياتها, وفي 2003 أقرّت الادارة الوطنية للموارد المعدنية رأيا قانونيا يُظهر الطبيعة غير القانونية لانشطة نسله ويوصي بـ "تجميد" الانشطة الجارية في بئر بريمفيرا. وفي مارس 2004, نُشر أمرٌ في الوقائع الرسمية يعطي نسله مهلة 30 يوما لانهاء انشطتها في بئر بريمفيرا. ورفضت نسله القرار ولجأت الى المحكمة العليا, التي مدّدت مهلة الثلاثين يوما حتى اكتوبر 2004.

وتزعم نسله ان الادعاءات الخاصة بحفر البئرين في حديقة مياه البلدة غير صحيحة. وأن "مكتب محاسبة بيرو فريتاس المستقل يؤكد على اننا نعمل وفق القانون البرازيلي", و" أننا نسحب كميات من المياه اقل كثيرا من المُصرح لنا بها قانونا". لكن مكتب فريتاس ابلغ مجموعة العمل لحماية حليب الأطفال أن عمله " لا يُعد مراجعة قانونية بالمعنى الحقيقي, ولا يشمل متابعة الأعمال المدنية الجارية. وقال خبير مياه محلي أن شركة نسله "إما انها تسيء قراءة ما توصلت اليه هذه التحقيقات أو انها تعمل بطريقة ناقصة أو غير أمينة. ومن المؤكد ان المستندات التي قدمتها نسله ردا على ما توصلت اليه التحقيقات لم تكن صحيحة". وفي 2001, قدم ثلاثة آلاف شخص من ساو لورنسو عريضة الى المدعي العام للبلدة بيدرو باولو آينا, تعبّر عن قلقهم من التغيير الذي لاحظه السائحون على نسبة المعادن في مياه ينابيع الحديقة. كما كان هناك أيضا هبوط ملحوظ, تعزوه نسله الى الفيضان, في حين يعزوه الخبير المحلي الى سحب المياه. وقد باشر النائب العام القضية وأجرى التحقيقات اللازمة وأقام دعوى تعويض لصالح البلدة.

وقد شهد الكونغرس البرازيلي في يوليو 2004 جلسة علنية كتبت عنها إحدى الصحف الرسمية : "أدان ممثل مجلس الوزراء الفدرالي عن ميناس جيرياس افرانيو أنشطة شركة نسله في ينابيع ساو لورنسو بوصفها غير سليمة وتتنافي مع المباديء الأساسية لقانون المياه المعدنية".

وقد توقفت نسله عن معالجة المياه المعدنية في اكتوبر 2004 ولكنها واصلت ضخ المياه لسحب غاز ثاني اوكسيد الكربون. ويطارد منظمو الحملات نسله في المحاكم للمطالبة بدفع تعويضات لساو لورنسو.

الدور التآمري لمنظمة التجارة العالمية لتنظيم التجارة والخدمات (الجات GATT)

________________________________________

الهدف من هذه الاتفاقية هو تحرير تجارة الخدمات مثل امدادات المياه, والمستفيد من هذا هي الشركات الكبيرة؛ والخاسر الأكبر هم الفقراء, الذين تهددهم الاتفاقية بالاستيلاء على خدماتهم الاساسية. وكما سبق واوضحنا, تبين محاولة خصخصة المياه في بوليفيا ان نظاما مرهونا بقدرة الناس على الدفع يحرم الفقراء من الخدمات.

وكانت الشركات هي القوة الدافعة لظهور الاتفاقية - هناك 160 خدمة يجري تسويقها على مستوى العالم. وتعد الاتفاقية السلاح الاساسي في ترسانة  الشركات. وهي تهدف الى ازالة أي قيود وكذلك تنظيمات الحكومة الداخلية في مجال الخدمات التي تعتبر عائقا أمام التجارة.

ونظريا, يمكن للدول الاعضاء بمنظمة التجارة العالمية تحديد الخدمات القابلة للخصخصة, لكن في التطبيق, تمارس الحكومات الغربية بالفعل ضغوطها على البلاد النامية لخصخصة قطاع الخدمات كلّه – وإلا حُرمت من مساعدات التنمية. وتزعم وكالة المساعدة المسيحية ان حكومة المملكة المتحدة, على سبيل المثال, ضغطت على غانا لتأجير امدادات المياه لشركات اجنبية, كشرط لحصولها على معونة قدرها 10 مليون استرليني. وتعد تنزانيا, التي سبق وتحدثنا عنها, مثالا آخر.

وتتوق الشركات عابرة القومية الى نشر الاتفاقية وتغيير بنيتها بحيث يسمح تطبيقها على قطاع بسريانها على القطاعات المتصلة بهذا القطاع. وحينها, ستتعرض حكومات البلاد النامية للمزيد من الضغوط لإعادة تنظيم ملكية وتوزيع الخدمات, وتقديمها قربانا على مذبح "التجارة الحرة". ومفاوضات الاتفاقية مُعقدة وتقنية, وتُضعف الموقف التفاوضي لكثير من البلاد النامية. يُضاف الى هذا إن الاتفاقية تجعل الخصخصة اجراء لا يمكن الرجوع فيه. وهذا يعني ان الحكومة التي تُخضع قطاعا من قطاعات الخدمة لقواعد منظمة التجارة العالمية, لا يمكنها التراجع عن هذا القرار, وإلا تعرضت للملاحقة القانونية من جانب الشركات.

"إن عوائد تحرير تجارة الخدمات تفوق كثيرا تلك الناجمة عن تحرير تجارة غيرها من السلع الأخرى". كما قال المدير العام لمنظمة التجارة العالمية, باسكال لامي, في اكتوبر2007, لكن يظل السؤال هو : من الذي يجني الثمار ؟

إنها الشركات متعددة الجنسيات بالفعل. وتوسيع العمل بالاتفاقية لن يخدم إلا المصالح الضيقة  للشركات عابرة القومية. وتقول سارة اندرسون, من معهد الدراسات السياسية بواشنطن, والتي ساعدت في تنسيق ضغوط المجتمع المدني الامريكي على شركة بكتل لتسوية القضية, انه لكي نحول دون مواجهات مثيلة في المستقبل, فإن التحدي الآن يتمثل في مواصلة هذا الزخم للضغط من اجل وضع قواعد جديدة للتجارة والاستثمار تدعم الديمقراطية والتنمية المستدامة وليس المصالح الضيقة للشركات الكبرى". الخلاصة: "إنهم يقاتلون من أجل الأرباح, ونحن نقاتل من اجل البقاء"

________________________________________

امام اتساع نطاق المعارضة المحلية, تتلمّس شركات المياه خطواتها بمزيد من الحذر. ومنذ 2003, هناك بالفعل علامات على اعادة التفكير. وفي المنتدى العالمي للمياه الذي عُقد في كيوتو في 2003, اعلنت شركة تيمز ووتر الانجليزية أن " من الخطأ من حيث المبدأ ومن السلبي على الانتاجية اجبار الكيانات العامة على اي مستوى من مستويات الحكومة على الحصول على الخدمات العامة من الشركات الخاصة".

وقد اثبتت الشركات عابرة القومية عدم اهليتها لتوزيع الماء النظيف وتوفير الياه لفقراء البلاد النامية. كما ان استثماراتها لم تقدم التمويل المتوقع لتوفير المياه وخدمات الصرف الصحي للفقراء. وبدلا من طرح سياسات جديدة تستفيد من هذه التجربة، تبتكر الحكومات الأوروبية والمؤسسات المالية الدولية آليات جديدة لجذب القطاع الخاص الى مجال المياه والصرف الصحي, ومن بينها العديد من الوسائل المالية التي تضمن تحقيق الارباح للشركات. وهذا يتجاهل فشل القطاع الخاص في توفيرالمياه للغالبية العظمى من البشر المحتاجين الى الماء في البلاد النامية.

وقد حدثت تحسينات كبيرة في مجال توفير المياه النظيف والصرف الصحي في بعض مدن البلاد النامية باشكال مختلفة ومبتكرة لادارة المياه العامة. وتتراوح خيارات توزيع المياه العامة بين إصلاح مرافق المياه العامة القائمة واقامة مشروعات تُدار على اساس مجتمعي. وقد واجهت هذه التحسينات في المياه العامة في البلاد النامية خلافات حادة. وكانت إحدى العقبات الرئيسة موقف عدد من المؤسسات المالية الدولية والحكومات المانحة الرافض لتوزيع المياه من قبل القطاع العام, والتي اشترطت الخصخصة مقابل تقديم  القروض والمِنَح للتوسع وادخال التحسينات, واستخدام المساعدات في تمويل اللاعبين الرئيسيين في صناعة الخصخصة العالمية.

وتتجاهل الحكومات الغربية نجاحات التنظيمات القائمة على اساس مجتمعي في البلاد النامية, حيث اصبحت المجتمعات المحلية مسؤولة عن امدادات المياه الخاصة بها. فالمجتمعات في البرازيل وبنجلاديش وغانا وبوليفيا تنجز ما يمكن عمله. ويتعلم الناشطون في البلاد النامية الاخرى من هذه النجاحات. ويعرف الناس انهم يحاربون من أجل أكثر الحاجات الأساسية الحاحا. وكما يعبر ناشط غاني في مجال المياه, "إنهم يقاتلون من أجل الأرباح, ونحن نقاتل من اجل البقاء".

وقد دعت وكالات المعونة الاتحاد الاوروبي الى عدم الانصياع لمصالح القطاع الخاص:

"هناك حاجة للتمويل دون شروط سياسية مجحفة. وللاتحاد الاوروبي دوره الواضح في ضمان ألّا تنحاز برامج دعم المياه والصرف الصحي في البلاد النامية (ان مبادرة الاتحاد الاوروبي للمياه مشغولة بتوسيع نطاق القطاع الخاص)..".

وفي مايو 2004, وافق مجلس الوزراء الافريقي والكاريبي والباسفيكي والاتحاد الاوروبي على تخصيص مبلغ 500 مليون يورو لتشكيل هيئة مياه مشتركة من هذه الدول. ويمكن لهذه الهيئة أن توقف الاندفاع نحو تحرير تجارة وخصخصة الخدمات, لو انها أولت الفقراء جلّ اهتمامها, وبشرط ان ينهج الاتحاد الاوروبي سياسة تتحلى بقدر من التماسك. وينظم اعضاء من منظمات افريقيا والكاريبي والباسفيكي ورش عمل للمساعدة في وضع المقترحات السليمة امام الهيئة.

وبالنسبة للناس في كل البلاد, يجب ان يظل الماء منفعة عامة وفي متناول يد كل مواطن, بغض النظر عن دخله والا تتحول الى مصدر ثراء للقطاع الخاص".

مصادر حلقات صندوق النقد الدولي

____________________

مصادر حلقات صندوق النقد الدولي سوف تُذكر في الحلقة الأخيرة من هذه السلسلة

وسوم: العدد 675