خطوة نحو تحقيق الاسمى
سأل احدهم زارا: ماذا يريد الحكماء عندما يضعون الفضلية فوق الناس ؟ رد: استمع اليهم يقولون : لاينبغي اكثر من طمأنينة الروح لاولئك الذين اتموا واجبهم على اكمل وجه، وأيعنوا كلمة السر المقدسة(ينبغي عليك) فعلى المرء ان يتحلى بالفضيلة كي يحلم ثانية بالمثل العليا التي حققها حسبما يقتضي الواجب هربا من عضة الضمير.
ينبغي عليك.. تلك هي المعضلة التي يرفضها الانسان حيثما كان وحيثما فكر، وحيثما انتمى.. لانه يريد دائما ان يفرض وجوده عبر ما ينبغي للاخرين فعله تجاه ما يريد هو.. وبذلك تتحول الامور عن مساراتها العادية لتصبح فيما بعد معضلات تهدد استقراره ونموه ووجوده البشري الانساني السياسي الاقتصادي الاجتماعي النفسي والايديولوجي.. فعلى الرغم من ادراك الانسان ان الامور حين تخرج عن مساراتها تشكل على جميع الاصعدة عقبات لاستمراريته الا انه مازال يبحث عن ماهية ما ينبغي للاخرين فعله تجاه وجوده الاناني.. ولايمكن ابعاد هذه الفرضية على الواقع السياسي العام في كوردستان، بحيث نجد بان كل الاطراف المتصارعة والتي شكلت عقبة كبيرة بصراعاتها امام الحركة التحررية الكوردية في الانتقال الى مرحلة مابعد المطالبة بالاعتراف بها، لم تزل تعيش وقع ما ينبغي للاخر فعله.. ولم تتطور ذاتياً وفكرياً وتؤمن بالفضيلة التي تقول ماينبغي عليَّ فعله.. ولعل الامر يحتاج الى وقفة جدية من اصحاب القرار السياسي في كوردستان .. فلكي يتم طوي الصفحة الحالية الممتلئة بالصراعات والاحقاد والاتهامات والتشهير.. عليهم ان يتحولوا الى فلسفة زارا في الفضيلة كي يؤثثوا عالماً اخراً اكثر انتماءَ للقضية، واكثر تمازجاً للروح، واكثر تناغماً في الرؤى والافكار والاهداف، فعلى الرغم من ان الهدف المعلن للجميع هو كوردستان والكورد اولاً ، الا انهم في الاقوال يجتمعون وفي الافعال يختلفون لان رفض الاخر والتشهير بالقيادات ومحاولة المس بالمقدسات والتحالفات المشينة التي تهدد الاستقرار الداخلي وكذلك العنصرية الانتمائية الحزبية الرافضة لوجود الاخر وتبني فكرة ال" أنا " الفوقية كل ذلك يقتل بقايا الفضيلة وتعيق المسيرة نحو الهدف الاسمى.. كوردستان مستقلة.
وعودةً الى الفضيلة لقد لامسنا مؤخراً التطور الاعلامي الحاصل الامر الذي يدعوا الى الطمأنية حيث وكأن الساسة عاد اليهم رشدهم الغائب منذ اشهر" تأنيب الضمير".. فاصبحوا على بوابة الفضيلة التي تجعلهم يقولون ما ينبغي علينا فعله الان.. وليس ماينبغي ان تفعله لي.. وهذا بالذات نقطة اساسية وجوهرية في التحول نحو افاق ابعد سواء على المستوى الدولي او الاقليمي او الداخلي، لاسيما ان الانشطار الحاصل في البنية الداخلية هي نفسها التي ساهمت في التلكؤ الحاصل من قبل المنظومة الدولية تجاه القضية الكوردية.. مما يعني ان التطور هذا سيساهم وبشكل فعال في تحريك الافق الدولي للضغط على الاقليمي وبالتالي سيكون منعطفاً تاريخياً للبدء بالمسيرة نحو الكيان الاستقلالي ونحو تحقيق الحلم الكوردي في كوردستان وعلم مستقل.
ان قيام الاحزاب المتناحرة سياسيا واعلامياً داخل كوردستان بالاتفاق على خارطة طريق للتقريب بين الافكار والاتجاهات والاهداف لهو اكبر تطور ديمقراطي يمكن ان يجعل من القضية الكوردية مرة اخرى انموذجاً يقتدى بها في المحافل الدولية والاقليمية لاسيما ان الجوار اغلبه مشتعل سياسياً وطائفياً وعرقياً ودينياً وعسكرياً.. مما يعني ان النموذج الكوردي حتى في الفوضى الخلاقة سيكون النموذج الاكثر ديمقراطياً لكونه لم يتحول في قمة الصراع السياسي والاعلامي الى تجربة دموية.. انما حافظ على نمطه التصعيدي اعلامياً.. وهذا مقارنة بالجوار يعد تحولاً نوعياً للوعي والرؤية الكوردية للمفاهيم السياسية والحوارية الدولية القائمة في وقتنا الحاضر.
لقد لفت انظاري التحركات السياسية التي تقوم بها بعض الجهات داخل كوردستان محاولة منها لفك الازمة السياسية بين الاطراف المتنازعة والمتناحرة منذ اشهر طويلة، والتي اثرت اقتصاديا وسياسا واجتماعيا ونفسيا على الواقع الكوردي لاسيما ان الكورد الان يخوضون اكثر من معركة وعلى اكثر من جبهة، فالحرب مع الارهاب واقع فرض على الكورد قسراً، ومن ثم الحرب الاقليمية ضد الاحقاد القومية والدينية للاخرين تجاه الكورد امر لايمكن انكاره الا من قبل حاملي شعلة الفتن، ومن ثم الحرب الاقتصادية التي لم تزل تحتاج الى وقفة اكثر جدية من قبل الساسة الكورد امر اخر لامفر منه، لاسيما ان الاقتصاد هو كان ولم يزل المحرك الاساس لاية تغيرات جغرافية او سياسية او اثنية عرقية قد تحدث في اي مكان.
كل هذه الازمات هي فعالة واقع لايمكن التنصص منه ، لذا لابد من الخطوة الجبارة التي قد تكون المدخل لفك المعضلات المتتالية والمتوالية على الكورد، وهذه الخطوة تبدأ بالعمل بفلسفة زارا في الفضيلة.. ما ينبغي فعله الان.. والابتعاد عن الانانية الحزبية التي اعاقت تطور الحركة التحررية الكوردية.. وبهذا تصبح الفضيلة هي التي تقود الناس الى حيث يجب ان يكونوا .. المنزلة المرتفعة.. والافق المستنير.. والعالم الاستقلالي الموحد.. ولن يتم ذلك الا اذا اتم الساسة ما يجب عليهم فعله تجاه الناس والقضية والوطن معاً.
وسوم: العدد 678