تركيا إذْ تستدعي فصائلَ من الجيش الحر في معارك جرابلس
بعد أنْ قررَتْ تركيا أن يكون تحرُّكها في الشمال السوريّ استراتيجيًا أكثرَ منه تكتيكيًا، رأت من الضرورة بمكان، أن تخلو صورةُ هذا التحرّك من أيّة عناصر، تجلب لها إشكالات هي بغنى عنها، ولاسيّما أنها تُقدِم على هذه الخطوة المتأخرة في ظرف حرج، و ترمي من خلالها أكثر من هدف.
فلا يفتأ مسؤولوها يذكرون في كلّ مناسبة، أنّ مَنْ يقاتل إلى جانب قواتهم في معارك جرابلس هي فصائل من الجيش الحر دونما سواه، فمنذُ اليوم الأول لعملية ( درع الفرات ) في: 24/ 8، ما برحت وكالات الأنباء تنقل عن الرئيس أردوغان، و عن رئيس وزرائه، و وزير خارجيته أن القوات التركية قد دخلت لمؤازرة فصائل الجيش الحر، لمقاتلة عناصر الإرهاب بلونيها: الداعشي، و العمالي الكردي.
لدرجة أنّ الأمر استدعى وقفة من المراقبين، حول هذا التأكيد التركي على نوعية المقاتلين السوريين إلى جانب قواتهم في الشمال السوريّ.
إنّ الأمر بالنسبة إلى تركيا لا يحتمل أيّة تفسيرات تحرف هذه العملية عن مسارها المحدّد، فهي كدولة ليست معنية كثيرًا بالتجييش العاطفي لدى السوريين، إنّها تنظر إلى مصالحها بعين استراتيجية بحتة، بعدما تأخرت كثيرًا في هذه الخطوة؛ و عليها فإنّها ستحتاط كثيرًا لفشلها من خلال التسويق الدعائي الناجح لها.
إنّها تدرك أنّ الموقف الغربي من الثورات العربية، يأتي انطلاقًا من كونها ذات طابع إسلامي؛ و أنّهم مستعدون لأن يدعموا نظام الأسد حتى لو لم يدمر سورية فقط، بل المنطقة بأكملها لمجرد أنّه يقاتل فصائل إسلامية.
و من هنا تأتي تصريحات الرئيس أردوغان عن أنّ العمليات العسكرية بمنطقة جرابلس، قد قامتْ بها فصائلُ من الجيش السوري الحر، و أنّهم يدعمونها بكل قوة؛ و بذلك تكون تركيا قد نأت بنفسها عن جملة الاعتراضات التي ستنطلق من حلفائها، قبل خصومها ( داخلَ تركيا، و خارجها )، لمجرد ظهور رايات فصائلية إسلامية إلى جانب العلم التركي، ولاسيّما أنّ بعضًا منها مختلَفٌ في تصنيفه في قائمة الإرهاب الدولية، و هي ما تزال في خطواتها الأولى لتطبيع العلاقات مع روسيا، التي ترى هذا الرأي تجاه عدد منها، و في مقدمتها: أحرار الشام، و جيش الإسلام، ناهيك عن جبهة فتح الشام، المتفق على تصنيفها من الروس و الأمريكان دونما تردّد.
صحيحٌ أنّ كلاًّ من روسيا وأمريكا لم تعطيا الضوء الأخضر لحلحلة الملف السوري، لكن الثابت أنهما لا يمكن لهما أنْ تباشرا ذلك من دون التعامل مع الأطراف الإقليمية في المنطقة، و في مقدمتها تركيا، التي أعربتْ عن نيتها المصالحة مع كل مَنْ يرغب في محاربة المنظمات الإرهابية، من أجل ضمان الاستقرار و السلام في المنطقة، و هي تعيش على أعتاب مرحلة حساسة.
الأمرُ الذي يستوجب منها مراعاة المواقف الدولية، و في مقدمتها روسيا وأمريكا، اللتان من المحتمل أنْ تتفقا على توسيع استخدام وصف الإرهاب، بحيث يطلق على كل مجموعة إسلامية لا تروق لهما، و بذلك يكون تأثير الفصائل الإسلامية ضعيفًا في المشهد السوري المستقبلي.
و يبدو أن هذا السيناريو حاضرٌ أمام القيادة التركية، و هي تسعى جاهدة لتجنبه ما أمكن الأمر، ولاسيّما أن بعضًا من هذه الفصائل غير متفق معها في بعض خطواتها حيال الملف السوري، لا بلْ إنّ إحداها ليتباين معها فيها إلى درجة القطيعة، و كان يتمنّى نجاح الانقلاب، على المضي فيها.
إنّ تركيا ( الدولة ) لتنظر إلى بعضٍ من هذه الفصائل، على أنها ما تزال تغلّب النزعة الفصائلية على مركزية القضية، و هي بذلك تتناغم مع الطروحات الانفصالية، للمجموعات التي ستحاربها غرب الفرات.
إنّها ـ كما يرى عدد من المراقبين ـ لسعيدةٌ في رؤية علم الاستقلال يرفرف مقابل علمها في معبر باب السلامة، و تتمنّى أن يكون ذلك من هذه الفصائل، فضلاً على إقدامها على خطوات ملموسة على مستوى التفكير الاستراتيجي، تزيلُ عنها و عن الداعمين الآخرين كثيرًا من الحرج.
وسوم: العدد 684