نتنياهو يسعي لتغيير حقائق الصراع
ليست كل التصريحات التي تحتاج الى رد سياسي بمستوي معين وليس كل المواقف تحتاج ان نرسل فيها تصريحات ما ,لكن ما قاله نتنياهو يتطلب دراسة هذا التصريح بعمق للتعرف على طبيعة المرحلة التي تتعامل فيها اسرائيل مع الصراع ومعرفة النوايا الاسرائيلية من وراء ذلك وبالتالي نحدد الاساليب والاليات التي يمكن على اساساها التعامل مع المرحلة , وقد يعتقد البعض ان اسرائيل تعيش حالة غيبوبة فلم يعد يتذكر نتنياهو ان والده قدم من بولندا بعدما تزوج والدته الامريكية وان أجداده لم يسكنوا هذه الارض بل جاءوا اليها كمهاجرين تاركين موطنهم الاصلي وثقافتهم بل وتركوا دينهم اليهودي ليعيشوا على قواعد الصهيونية المزيفة التي بناها المفكرون اليهود على القتل والدم والحرب وسرقة الارض باسم اسرائيل التي شَرع قادتها كل اساليب الاحتلال من الابادة والقتل والهدم والحرق لكي تنزع الارض من اصحابها وتسرق منهم احلامهم وتطردهم خارج ارضهم , نعم يعرف نتنياهو وغيره انهم جاءوا من اصقاع الارض حرقوا الحقول التي منها اكلوا وهدموا البيوت التي آوتهم وقتلوا الرجال وبقروا بطون النساء واعدموا الاطفال والرضع وعاثوا في الارض فسادا مارسوا كل اشكال التطهر العرقي والديني بعدما زودتهم تلك الدول التي خرجوا منها بالسلاح حتى لا يعودا اليها ويفسدوا فيها من جديد .
اسرائيل لا تعيش حالة غيبوبة عميقة كما يعتقد البعض بل تعيش حالة تغيير مقصود لحقائق الصراع على انه صراع غير قائم بسبب الاحتلال بل قائم على اساس ان اليهود هم اصحاب الارض و يملكوا الحق في الاقامة والتنقل بحرية في ارجاء تلك البقعة المحتلة التي تشغل العالم كله وفلسطين ملك لهم والفلسطينيين سكان متطفلون سمح لهم اليهود بالإقامة في تلك القري والبلدات والمدن , وما جاء به تصريح نتنياهو بان عدم قبول الفلسطينيين باي من اليهود المستوطنين في اراضي العام 1967 هو تطهير عرقي وبالتالي فان بقاء المستوطنين بالضفة الغربية وربطها بخطوط من الطرق البرية والحديدية والمطارات هي من ثوابت الحكومة الاسرائيلية التي يقودها نتنياهو وعصابة المستوطنين امثال يوفال شتاينتس وليبرمان ولبيد ونفتالى بينت و زئيف الكين ويؤاف غالنت و يسرائيل كاتس وداني دانون وجميعهم , وهنا يريد ان يصور نتنياهو الصراع على انه غير قائم بسبب الاحتلال والاستيطان بل قائم بسبب رفض الفلسطينيين الاستيطان وسعيهم لطرد اليهود من فلسطين والعيش فيها لوحدهم ,وقائم على ان الدولة الوحيدة التي يجب ان تكون قائمة في تلك الارض هي اسرائيل دولة اليهود وعلى الفلسطينيين والعرب الاعتراف بها والا فان الفلسطينيين يمارسوا سياسة التطهير العرقي .
الحقيقة ان هذا امر خطير جدا و قد يكون من اخطر ما يتعرض له الصراع من تذويب للقضايا الكبرى كاللاجئين والقدس والحدود على اعتبار ان النكبة الفلسطينية والتهجير الكبير و المتواصل للفلسطينيين من ارضهم لم يكن تطهيرا عرقيا وان لا لاجئين هجروا من تلك الاض ولا حدود لتلك الارض ولا حدود لدولة اليهود في تلك الارض , كل هذا يعتبر من اهم مخططات اسرائيل للتعامل مع الصراع بالطريقة التي تريدها وتريد العالم ان يفهمها و يتعامل معها على هذا الاساس و بالتالي لا يحق للفلسطيني المطالبة باي حلول نهائية للصراع ولا يحق للفلسطينيين المطالبة بدولة بل قد تكون اسرائيل تفكر في مزيدا من التهجير للفلسطينيين وخاصة فلسطينيي الداخل والتخلص منهم والحاقهم بخارطة الحكم الذاتي وخاصة المثلث و ام الفحم التي تشكل قنبلة موقوته لإسرائيل وهذا ما جاء به تصريح ليبرمان قبل اسبوع عندما قال خلال جلسة أسئلة واجوبة في جامعة ارئيل المقامة على اراض الفلسطينيين بالضفة بانه " لا يري سببا لان تكون ام الفحم والمثلث التي تشكل اغلبية عربية جزءا من اسرائيل " , لعل محاولات اسرائيل هذه هي محاولات لتشريع الاستيطان وتشريع البقاء في اراضي الضفة الغربية و القدس مع اي حلول بل وضم تلك المستوطنات الكبيرة والتي اصبحت بالفعل عائق كبير امام قيام الدولة الفلسطينية المستقلة متواصلة الجغرافيا.
ان المرحلة لا تتطلب الادانات لكل ممارسات الاحتلال من اعدامات وهدم بيوت واعتقال ة استيطان متواصل و تجاهل تام لحقائق الصراع ولا تتطلب تحميل المجتمع الدولي المسؤولية فقط وانما تتطلب تحرك واسع امام كل مؤسسات المجتمع الدولي وخاصة مجلس الامن لاستصدار قرار يعتبر الاستيطان غير شرعي وباطل وبالتي يصدر قرار بوقفه وازالة كل تلك المستوطنات من الارض الفلسطينية ليستطيع الفلسطينيين العيش بأمان بعيدا عن بزور الحقد والكراهية التي يزرعها قادة اسرائيل , واصبح هاما تفعيل كل اشكال مقاومة الاستيطان على الارض من مقاومة شعبية وانتفاضة تستخدم فيها كل وسائل واساليب مقاومة المحتل و وجوده على الارض الفلسطينية ,و اصبح هاما مواصلة الجهود ومضاعفتها مع كل الدول العربية و الاوربية والصديقة بالعالم لإنجاح مؤتمر باريس الدولي الذي سيقر ايضا بعدم شرعية الاستيطان الاسرائيلي في اراض العام 1967, هكذا تبقي حالة تعريف الصراع على انه صراع قائم بسبب الاحتلال والاستيطان وسرقة الارض وتهويد المقدسات وتغير خارطة الصراع بالكامل من حدود العام 1967 و تطبيق حل الدولتين الى احقية الاستعمار الاسرائيلي في اي مكان في فلسطين وضرورة قبول الفلسطينيين ذلك والتعايش مع هذا وبهذا نكون قد احبطنا مخطط اسرائيلي يهودي يميني كبير لتغيير حقائق الصراع , على انه صراع قائم بسبب الاحتلال العسكري للأرض الفلسطينية وسرقة الارض والاستيطان والبناء على هذه الارض واستجلاب اليهود من اسرائيل ومناطق مختلفة بالعالم و توزيعهم في مستوطنات تقع بين المدن والقري الفلسطينية.
وسوم: العدد 686