توشح داكن الألوان....
شكت إحباطاتها و حزناً اعترى قلبها وضيق. وصفت عالماً خلع رداء الفرح و توشح داكن الألوان. تحدثت عن تغيّر الأحوال و عن أصدقاء تبدلوا و صاروا كالوحوش، عن وطنٍ تخلى عن حميميته و أضحى غريباً و كئيب .
حدثتني عن أحلام مجهضة و عن روحٍ فقدت القدرة على إنجاب الفرح، وآمال ضاعت وخيبات و عن دنيا كشفت عن وجه مكفهر و دميم. أسهبت كثيراً في شكواها، قاطعتُها بتوسلٍ فبعض المشاعر أكثر قتامة من إحتمالاتنا ومن ترديدها كالأناشيد.
قلت لها: لا تبتئسي فكلنا في "الدنيا" سواء!
هذه مشاعر تعتري إي إنسان في لحظات عرضية أو ربما تمتد إن وجدت مداخلها الى الإنسان.
نحن يا سيدتي ننتمي للارض لا للجنة أو لسماءٍ ترفل في الأنوار وفي القدسية. نحن معفرون بالتراب و بالصدمات والإبتلاءات. تتأرجح أحوالنا ما بين حزنٍ، فرحٍ و حيرة. نحيا حياة أدق أوصافها أنها دنيا يتدنى فيها مستوى الكمال و تمام الأمنيات فخلف كل أمنية ، أمنية جديدة و خلف كل طموح، طموح أصعب و خلف كل حدث، مكابدات و عقبات نتخطاها فنفرح ثم نواجه بما يستجد من صعوبات. إن إمتلكنا شيئاً إفتقدنا الآخر. ندمن حال البحث ومشاعر الفقد والرفض و عدم التصالح مع الواقع حتي أننا نبحث عن أشياء غير مفقودة و ربما أشياء غير موجودة أصلاً.
الإنسان كائن ملول متقلب الأحوال والناس مهما علا شأنهم و كثرت أموالهم و تمددت إنجازاتهم هم في الحيرة والملل سواء فهذا الكون مصنوع من اللامنتهى من الرغبات. نشكو و نتبرم من الدنيا وأحوالها ومن الناس و الحياة و نجزم أن الأمس كان أفضل وهكذا الإنسان و هذا ديدنه في كل العصور و الأزمان.
"الأمس كان أفضل" عبارة رددها الإنسان على مر السنين وتوارثتها الأجيال وسيعيد ترديدها اطفال اليوم لأجيال لاحقة و هكذا طبع الحنين و الإستكانة للماضي و محطة الذكريات.
نعم تغيرت أحوال الدنيا وتبدلت ولكن التغيير سنة الحياة و طبعها المهم أن يتغير ويتطور وعي الإنسان و عمق نظرته للدنيا وطبيعة البشر. و أن يتوافق مع الواقع بما يلائم مبادئه و إعتقاداته فالتبرم لن يعيد ما كان و الإصلاح لا يتأتى بالشكوى و الإحباط.
في الحياة طريقان لا ثَالِث لَهُمَا اما السوداوية فالخيبة و اما التفاؤل واليقين بأن ما وراء الأحداث أحداثاً أخرى تستحق السعي نحوها حتى الوصول.
ما بالقلب ينعكس على صاحبه و على رؤيته و مشاعره و إحساسه بالآخر و بالحياة فمثلما يزرع الإنسان بداخله ينمو و يصير أمامه.
الذكريات الجميلة معين للسعادة و معبر لغد أجمل و ليست مدخلاً للحسرة و السوداوية. لن تضن الحياة في أي زمان بأناس طيبين يشعلون طاقات إيجابية أو قيمة خير ترافق الإنسان في سعيه فيجدها معه و حوله و أمامه ساعة إحتياج.
و خلاصة الأمر أن هذه الحياة طريق نسلكه لنهايات محتومة. ساعاتنا في السير محدودة و غير متكررة و ما يمضي لا يعود. تتغير الأحداث وتتبدل المناظر و مع قصر الحياة لا وقت للإحباط و للتلذذ بالخيبات و سرد الهزائم.
عجلة الحياة لا تتوقف لحزنٍ أو غضب فمثلما تتبدل الحياة حيناً نحو الأسوء تتبدل حيناً آخر نحو الأفضل ومثلما تصبح موحشة يتغير حالها لسببٍ غير متوقع فتصبح باسمة وسعيدة فبعد كل خيبةٍ فرحة كما بعد كل ليلٍ فجر و إشراق.