لا تجتمع الديمقراطية مع الفكر الإقصائي والاستئصالي
يبدو أن الأحزاب المغربية لم تتشرب بعد الديمقراطية التي جاء بها دستور 2011 ، وأنها ترفع الديمقراطية شعارا فقط ،ولا تفعلها على أرض الواقع بالملموس والدليل على ذلك هو الأفكار الإقصائية والاستئصالية التي تصرح بها بعض الأحزاب جهارا دون أدنى شعور بالحرج أو الخجل . وإذا كانت الديمقراطية هي حكم الشعب لنفسه بنفسه انطلاقا من لعبة الأغلبية ، فإن الأحزاب المغربية تغيب دلالة الديمقراطية التي تعني بالنسبة لها حكم الأحزاب للشعب والذي يقف دوره عن حد التصويت حيث تركب ظهره الأحزاب لتصل إلى مراكز القرار والسلطة . ومعلوم أن الأحزاب في البلاد الراسخة القدم في الديمقراطية تتعامل بمنطق التنافس النظيف أو الشريف الذي يقوم أساسا على تدافع البرامج الانتخابية ،بينما الأحزاب عندنا تتعامل بمنطق التخوين والتجريم والإقصاء والاستئصال. ومن انحدار ونكوص الممارسة السياسية لأحزابنا أنها تقيم وجودها على أساس شطب غيرها من الواقع . ولما كان منطق التجريم والتخوين والإقصاء والاستئصال هو العلاقة التي تحكم هذه الأحزاب ، فإن وجودها بات رهينا بنقض بعضها البعض وليس بنقد بعضها البعض . ومن أجل تحقيق هذا النقض تنهج هذه الأحزاب أساليب منحطة من التلاسن الفج والممجوج . وحين يسأل حزب ما عن برنامجه الانتخابي، وتحديدا عن طريقة علاجه لمشكل من المشاكل الاجتماعية أو الاقتصاية.... يكون الجواب للتو : " إن حزبنا ليس كالحزب الفلاني ، فنحن نملك العصا السحرية التي لا يملكها لحل هذا المشكل " وهذا منطق جميع الأحزاب دون استثناء . ولا نسمع أبدا بمقولة :" نحن نشاطر الحزب الفلاني في مقاربته بخصوص حل المشكل الفلاني " ولا نجد حزبا يذكر حسنات أو إيجابيات غيره بل ينحصر همه في سرد سلبيات وعيوب غيره بعد النفخ فيها بغرض التهويل ،وذلك بسبب تجذر الذهنية الإقصائية والاستئصالية في الممارسة السياسية للأحزاب في بلادنا . ومما ألفناه في أحزابنا أنه مباشرة بعد معارك الحملات الانتخابية الحامية الوطيس ، وخلال عملية التصويت ،وقبل انتهائها ينطلق زواج المتعة أو المصلحة بينها ، وتعقد اللقاءات في الكواليس لعقد القران بين هذا الحزب وذاك . ويبدو زواج المتعة أو المصلحة بين الأحزاب غير متكافىء تماما كزواج الشيخ بالمراهقة أو العانس بالمراهق ، بل يحصل حتى ما يسمى الزواج المثلي بين بعض الأحزاب. والذي يفضح هذا الزواج المغرض هو تحالف حزب بمرجعية يمينية أو دينية مع حزب بمرجعية يسارية أوعلمانية . وإذا كانت المتناقضات لا تجتمع منطقيا ،فإنها تجتمع في منطق أحزابنا . ولسنا ندري كيف يمكن التوفيق بين برنامجين انتخابيين على طلرفي نقيض يتوقف إنجاز الواحد على إلغاء أو إقصاء الآخر . وبعد عملية التصويت، وتشكيل الحكومات ينطبق عليها قول الله عز وجل : (( كلما دخلت أمة لعنت أختها )) ويقع بين الحكومات طلاق اللعان ، ولا تراعي حكومة لاحقة لحكومة سابقة إلا ولا ذمة ، ولا تعترف لها بفضل مع أن اللاحقة تستفيد مما أنجزته السابقة ،فتأكل هذه الأخيرة التمر وترمي الأولى بالنوى متنكرة لها بل تجازيها جزاء سنمار . ومما اعتدناه أن كل حكومة سابقة تكون بالضرورة في نظر اللاحقة فاسدة وخائنة تتحمل مسؤولية خراب البلاد ، وتخلفها وهلاك العباد. ومن المثير للسخرية أن يكون عندنا دائما وبالضرورة كبش فداء أو قربان تأكله نيران الصراع الحزبي ، وهذا القربان يكون في الغالب رئيس الحكومة الذي تسمى باسمه بالضرورة أيضا لا باسم حزبه لوجود زواج المتعة والمصلحة بين الأحزاب داخل الحكومة الواحدة ، تماما كما تسمى الضيعة باسم مالكها . وعندنا أن الحكومة إذا ما أخطأت كان مصدر خطئها هو رئيسها الذي يتحمل وزره، ووزر من معه من وزراء . ومن المخجل أن يكون وزير ضمن الحكومة وفي نفس الوقت مع المعارضة يقوم بدور مزدوج ، ولا يوجد مثل هذا إلا عندنا . وعندما نتابع إعلامنا الرسمي لا يكاد يوم يمر دون انطلاق مشاريع وتدشينات ومبادرات ، أما حين نتابع الإعلام غير الرسمي فلا يمر يوم دون انتقاد الحكومة وعلى وجه الخصوص رئيسها . ويبدو لمن يتابع إعلامنا الرسمي وغير الرسمي أن بلدنا فيه مؤسسة ملكية تشتغل لوحدها في حين تشتغل المؤسسة الحكومية لوحدها .وأخيرا نقول بكل شجاعة أدبية أنه ما زالت بيننا وبين الديقراطية الحقة أشواط طويلة ، ونبدو ونحن نتعاطى الديمقراطية على طريقتنا كالصغار الذين يقلدون الكبار باللعب
وسوم: العدد 687