«مكملين» وما أصاب «أخوة يوسف»!
أصابهم ما أصاب «أخوة يوسف»، فانطلقوا يقولون إن تسريب قناة «مكملين» الأخير، ليس له أي «معنى»، دون أن يوضحوا ما هو مفهوم «المعنى» لديهم!
«مكملين» التي أذاعت من قبل تسريبات مهمة، بعد إغلاق «الجزيرة مباشر مصر»، قامت الأسبوع الماضي ببث تسريب مهم، لمسؤول الملف الفلسطيني في المخابرات المصرية، والذي كان في حوار هاتفي مع محمد دحلان، رئيس الأمن الوقائي الفلسطيني السابق، والمندوب الدائم للثورة المضادة في المنطقة، والذي يريد عبد الفتاح السيسي أن يدفع به لسدة القيادة في الدولة الفلسطينية، وقد حاول من قبل ولا يزال يحاول من أجل تحقيق هذه الهدف، لكن من الواضح أن التسريب سيعرقل التصعيد، الذي يجري التخطيط له على قدم وساق!
لم يكن صوت دحلان في التسريب واضحاً، ولم نكن نعلم ما هي النكات التي يطلقها وتدفع رجل الأمن المصري، أن يضحك بابتذال، وكانت ضحكاته المفتعلة تنم عن شعور بالدونية مع من يهاتفه، وهي دونية لا نعرف الأسباب التي أدت للشعور بها، لولا ما أحطنا به علماً، بأن ترقية الرجل في موقعه المخابراتي منحها له عبد الفتاح السيسي، وهو بدوره ينتابه الإحساس بالدونية عندما يلتقي القادة في الخارج، ووقوفه في انتظار أن يصافح الرئيس الأمريكي أوباما في نيويورك، كاشف عن أن هذا من ذاك، ولا ننسى كذلك صعوده للطائرة التي حطت في مطار القاهرة، ليجلس ذليلاً في حضرة العاهل السعودي الراحل!
في التسريب كان المسؤول الأمني المصري يتقرب إلى دحلان بالنوافل بهجومه على محمود عباس «أبو مازن» والتأكيد على أنه فقد صلاحيته، وكذلك بالضحكات المبتذلة سالفة الوصف، وكأنه يدير حواراً مع المونولوجست الراحل حمادة سلطان!
في الشكل، فإن التسريب كاشف عن حالة ترهل أمني تمثلت في القدرة على اختراق مكتب مسؤول مخابراتي رفيع المستوى والتجسس على مكالمات مسؤول في واحد من أهم الأجهزة المصرية الأمنية!
وفي الموضوع، فإن التسريب كشف عن نفوذ محمد دحلان المخترق لأجهزة الأمن في مصر، وكنت أظن أن هذا النفوذ هو في المحيط الإعلامي والسياسي فقط، فكثير من الصحف والفضائيات المصرية، يمثل هو «ولي الأمر» لها، باعتباره مندوب «الولي الفقيه» في أبو ظبي، وهناك قصص متداولة في الوسط الصحافي تؤهل محمد دحلان لرئاسة المجلس الأعلى للصحافة، أو المجلس الأعلى للإعلام الذي سيخلفه، بعد إقرار قانون الإعلام الجديد.
الجهل النشط
وفي الموضوع أيضاً، فقد وقفنا على حالة الجهل النشط، التي يتمتع بها قيادة أمنية في هذا المنصب الرفيع، عندما يجتر عبارة السادات: «ينبغي أن يحاكموا بتهمة الغباء السياسي»، ويقول إن الرئيس الراحل قالها في وصف الإخوان المسلمين، مع أن الجنين في بطن أمنه يعلم أنها وصف من السادات لمن تأمروا عليه ممن أطلق عليهم مراكز القوى، وهم يشكلون معظم قيادات الدولة، ومن وزير الحربية إلى وزير الداخلية، ومن رئيس البرلمان إلى وزير الإعلام، والذي كانوا يخططون لعزل السادات واعتقاله، ثم قدموا استقالاتهم من مناصبهم لإحداث فراغ دستوري، وعندما علم السادات بهذه الاستقالات التي لم تقدم له، وإنما أعلنت عبر وسائل الإعلام الرسمية، قال: وأنا قبلتها. ومن ثم فقد اتهمهم بالغباء السياسي لأنهم فقدوا شرعيتهم بإعلانها!
ولم يكن الأمر في حاجة إلى مهتم بتاريخ السادات ليقف على من وصفهم بـ «الغباء السياسي»، فربات البيوت يعلمن على من أطلق الوصف، لأنه ورد على لسان الفنان أحمد زكي في فيلمه «أيام السادات»، الذي تم إنتاجه في سنة 2001!
وهذا الجهل النشط، هو عنوان المرحلة، حيث كانت البداية بعلاج الإيدز بالكفتة، من قبل اللواء أركان حرب «عبد العاطي»، وهو الاختراع الذي تبناه الجيش بقيادة عبد الفتاح السيسي، وبشر به جنرالات آخرون، ويكفي أن نعلم أن جنرالاً أعلن في برنامج تلفزيوني أن الاختراع قد يتم استعماله في مستشفيات القوات المسلحة فعلاً، وأن من استنكروه محرمون من العلاج هم وأهلهم وجيرانهم، قبل أن تعلن الهيئة الهندسية في القوات المسلحة أنه لا يزال قيد الاختبار، بعد السخرية التي عمت الكون من هذا الاختراع.
وهذا المرحلة هي التي دفعت بجنرال، للتوصل إلى اختراع لمواجهة نقص المياه يتمثل في زراعة الموز، كما توصل غيره إلى أن الرياح الشمالية الغربية تحمي مصر من الصواريخ الإسرائيلية، فلو أطلقت إسرائيل صاروخاً على مصر، فسوف يرتد إليها بفضل الرياح الشمالية الغربية، وهو نفسه صاحب اختراع التصدي للفئران بالبراغيت، جمع برغوت!
انتصار الجيش المصري في «حطين»
ولن يكن آخر هذه التجليات حديث مدير المتاحف العسكرية، وهو ليس مجرد لواء ولكنه لواء أركان حرب، من أن رمسيس الثالث انتصر في معركة حطين وأن موقعة عين جالوت انتصر فيها صلاح الدين الأيوبي!
الأصل في مدير المتاحف العسكرية أنه أذكى إخوته، والمثقف الموسوعي من بين ضباط الجيش، وقد سأله المذيع على القناة الأولى المصرية عن انتصارات الجيش المصري؟ فكان جوابه أن انتصاراته بدأت بانتصار رمسيس الثالث في معركة حطين، وقال إن من انتصارات الجيش المصري أيضاً انتصاره في موقعة «عين جالوت» برئاسة صلاح الدين الأيوبي، وأوشك أن يمنحه رتبة المشير، ليصبح المشير صلاح الدين الأيوبي، دفعة المشير عبد الفتاح السيسي في الكلية الحربية بمنطقة ألماظة، بضاحية مصر الجديدة!
اللافت أن هذا العار كان على القناة الأولى المصرية، وفي حضور مذيع كان يحاور الجنرال الجاهل، وينصت له باهتمام بالغ، وفي حالة إعجاب فطري بهذه الفتوحات العسكرية، وأكثر غرابة أن يذاع هذا الجهل على الناس، وإذا كان ليس مطلوباً من المذيع أن يكون دارساً للتاريخ فإن من المعلومات البديهية التي لو سئل فيها تلميذ في المرحلة الابتدائية لعرفها بسهولة. هي أن صلاح الدين الأيوبي انتصر في موقعة «حطين»، وليس في «عين جالوت»، وأنه لم يكن مصرياً حتى ينسب انتصاره للجيش المصري؛ خير أجناد الأرض.
لقد كانت هذه التسريبات مناسبة لكشف حقيقة محمد دحلان، وتعاونه مع إسرائيل، وكان في الأستوديو مع محمد ناصر، الدكتور إبراهيم حمامي، الذي كان ملماً بهذا التاريخ، وكلنا نذكر عندما قررت حكومة حماس مواجهته بعد الكثير من المؤامرات، فر وقواته إلى الداخل المصري، وسيطرت حماس على مبنى الأمن الوقائي، كيف أن إسرائيل اهتزت، وخشيت من تسريب هذه الوثائق، وتصرف قيادات حماس بمنطق رجال الدولة، عندما لم يسمحوا بنشرها، كأنها رسائل بين «دحلان» ومسؤوله الحزبي، أو أنها رسائل شخصية، وهو تصرف شبيه بطلب الدكتور محمد مرسي من قاضيه جلسة خاصة، خوفاً على أسرار الدولة!
وكان التسريب مناسبة، للتذكير بالجنود المصريين الذين قتلوا في رفح، في أول قضية استخدمت للإساءة لحكم الرئيس مرسي، وكانت بداية المؤامرة عليه وردد إعلام الثورة المضادة، بقيادة «الشاويس» لميس الحديدي أن مرسي يغل يد الجيش عن القبض على الجناة، لأنهم من أهله وعشيرته.. لقد تم عزل مرسي، والصمت التام على واقعة قتل هؤلاء الجنود، فلا حس ولا خبر، مع أن يد الجيش لم تعد مغلولة، وأهل مرسي وعشيرته إما أنهم في السجن، أو مطاردون في الخارج والداخل.
بالمناسبة من قتل الجنود؟ ولماذا يتم الصمت على الحادث الآن؟ وأين ذهب رجال الأمن الوقائي الذي هربوا إلى سيناء؟ هل لا يزالون هناك؟ وماذا يفعلون؟!
وبعيداً عن كل هذا، فهذا التسريب كاشف عن صراع الأجهزة الأمنية، وهو صراع يساء تأويله، إذ يعتبره البعض صراعا على الحكم، بيد أنه صراع على النفوذ، بدأ بانهيار جهاز الشرطة، والصراع على من يستحوذ على نفوذ جهاز مباحث أمن الدولة، صاحب اليد العليا في عهد مبارك، ويأخذ هذا الصراع أشكالاً مختلفة مثل أن يتفق مراسل الجزيرة الانجليزية مع جهاز للعمل من القاهرة، فيحصل على الأمان فيعلم جهاز آخر فيلقي القبض عليه وزملائه، ويفقد الفتى توازنه في السجن، لأنه كان يظن أنه ابن الأجهزة الأمنية!
والمثير أن السيسي في هذا الصراع لا يتعامل بمنطق رئيس الدولة، ولكنه يتصرف على أنه لا يزال مدير المخابرات الحربية ولا بد من أن ينتصر لها، فتدخل بعزل كثير من قيادات المخابرات العامة!
وعندما نتوصل لمن قام بالتسجيل والتسريب يمكننا أن نحدد هدف المصدر من التسريب، الذي يعد سبقاً إعلامياً بامتياز ينسب لقناة «مكملين».
ومهما يكن، فإنني لم أهضم حملة التهوين من التسريب، ومن أناس محسوبين على تيار رفض الانقلاب العسكري، وقد اعتبروا أن التسريب يهدف لشغل الأنظار عن حادث غرق مركب الهجرة غير القانونية في رشيد، وهو ما أفرد له محمد ناصر حلقة كاملة في اليوم السابق، كما أن «أصحاب نظرية التهوين» سعوا للإساءة لناصر و«مكملين» فقدموا القناة على أنها الوحيدة بلا منافس، وأن «مع ناصر» ليس مجرد برنامج في قناة، فإذا كانت «مكملين» وبرنامجها، عمدوا الى التغطية على حادث رشيد، فأين دور البرامج والقنوات الأخرى؟!
لقد أصابهم ما أصاب أخوة يوسف!
وسوم: العدد 688