السّكاكين تُسنّ في واشنطن، والذبيحة هي السّعوديّة

أسبابٌ كثيرة ومساراتٌ طويلة انتهت إلى هذه النتيجة .. تراجع قيمة النفط بالنسبة لاقتصاد الولايات المتحدة، ورئيسٌ يكرّر منذ زمن أن أوروبا مهمة ولكنّها مكلفة، وأنّنا -الأمريكيين- نهتم بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأمريكا اللاتينيّة أكثر من اللازم، وأنّ هذا الزمن زمنُ آسيا، وتصاعدٌ مطّردٌ وملحوظ لتيّار لم يعد مستعدّا لسماع توضيحٍ مملّ للفرق بين الوهابيّة وداعش، وحكمة مفادُها أنّ عدوّا قويّا -إيران- إذا ما أمكن تقليم أظافره وإعادتَه لدور شرطيّ المنطقة خيرٌ من الاعتماد على صديق بليد بطيء التفكير والحركة -السعوديّة طبعا- يُصدّر الفكر المنتج للجهاديّين، ويصدّر نفطا تقلّ قيمتُه مع الوقت، ويثبتُ يوما بعدَ يوم عجزه عن استيعاب توابع الربيع العربي والأخطار المحتملة التي قد يترتّب عليها امتلاك العرب السّنّة لتمثيل سياسيّ حقيقي يليق بهم، تاريخا وموارد وتعدادا ..

إحدى مصائب السعوديّة أنّها أرادت أن يكون جميع السنّة في المنطقة نسخا من "رفيق الحريري"، الذي جاء على مقاس أحلامِ السّعوديّة وأوهامها: سنّي، بالمعنى الطائفيّ السياسيّ لا بمعنى التعبير عن تطلّعات السنّة باعتبارهم مكوّن الأمّة الأكبر .. علمانيّ، لا يشغلُه ما يشغل جماعات الإسلام السياسيّ، أو قل ليس إخوانيّا ببساطة .. ثريّ، يفهم دبلوماسيّة ضخّ المال/قطع المال .. وعلاء إسرائيل ليس أولوية عنده .. كلّ من حاولت السعوديّة إقامة تحالف معهم خيّبوا أملها وخيّبت أملَهم، لأنهم ليسوا رفيق الحريري .. فقدت عمقَها في العراق وسوريّا واليمن ومصر، وفضّلت أن تخسر دولا وعمقا استراتيجيّا ومساحات مناورة على أن ترى الإخوان يحكمون في أي مكان .. جاء العهدُ الجديد وظهرت بعضُ بوادر قليلة وضعيفة لانتباه ما لعمق الورطة وفداحة الكارثة، لكن "فاتكم القطار" على حدّ تعبير علي عبد الله صالح، الذي -للمفارقة- دعمته السعوديّة لتضرب به الثورة اليمنيّة، ثم حالف الحوثيّ ضد السعوديّة ..

يبدو أنّ الستار سيُسدَل قريبا، بطريقة أو بأخرى، على إحدى أهمّ القوى التي تمثّل السنّة سياسيّا، أو التي تمنعهم من تمثيل أنفسهم سياسيّا بالأحرى .. السعودية ألحقت ضربة قاصمة بأحد خصومِها الكبار على هذا التمثيل، الإخوان، وحان وقتُ أن تخسرَ هي بدورها وتدفع ثمن البلادة وقصر النّظر ..

مرحليّا، سيتأثّر العرب السنّة سلبا في أكثر من موقع وسيتغوّل المشروع الإيراني .. هذا ليس مدحا للسعوديّة ولا إعجابا بها، لكنّ  البوادر القليلة لوعي السعوديّة بالورطة، خصوصا محاربة الحوثي والدعم الخجول لثوار سوريّا، ستضعف أو تتلاشى .. لكنّ هذه الخسارة المرحليّة، والتغوّل الإيراني المحتمَل، كلاهما مفيدان بل ضروريان على المدى البعيد، إذ سيوضعُ العرب السنّة أمام استحقاق تمثيل أنفسهم سياسيّا، بعد أن ضعف كثيرا الخصمان الأهمّ على هذا التمثيل: الإخوان المسلمون، والنّظام السعودي (لا بنفسه فحسب بل بما يمثله من مزيج القبيلة/العسكرة/التدين المعطِّل) .. سينشأ فراغ سياسيّ محسوس، وسيشعر العرب السنّة في أكثر من موقع بالانكشاف، لكنّه انكشاف سيضعُ العربَ السنّة أمام حقيقة فشل المشروعين الكبيرين لتمثيلهم سياسيّا .. أما ما سيفعلُه العرب السنّة لاستعادة هذا التمثيل وبلورة أشكاله، نجاحا وفشلا، فسيكون أحد أهمّ فصول تاريخ هذه المنطقة .. هذه المنطقة على أعتاب تاريخ جديد ..

وسوم: العدد 688