دعواتنا غير المستجابة

نسمع في خطب صلاة الجمعة، وخطب العيدين "الفطر والأضحى" الدّعاء على اليهود والنّصارى، والشّيعة والعلمانيين، والحداثيّين، وكلّ من يخالف أو يختلف مع الخطيب الامام، وغالبيّة المصلين إن لم يكونوا جميعهم يؤمّنون عليه بقولهم "آمين"،

ويقول في الدّعاء:

"اللهم احصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تغادر منهم أحدا، اللهم اجعلهم عبرة للمعتبرين،وحصيدا خامدين،وشماتة للشامتين، اللهم جمّد الدّم في عروقهم، ويبّس أطفالهم، وأوصالهم، ويتّم أطفالهم، ورمّل نساءهم، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، وهيب سلطانك، وعظيم قوّتك، وأنزل بهم عاجل نقمتك، فإنّهم لا يعجزونك يا ربّ العالمين."

 وقد يزيد أو ينقص هذا الدّعاء حسب انفعال خطيب المسجد.

علما أنّنا كعرب وكمسلمين لا نعادي اليهود لأنّهم يهود من أتباع الدّيانة اليهوديّة، بل نعادي الصّهاينة الذين استوطنوا بلادنا فلسطين، وقتلوا وشرّدوا شعبنا الفلسطيني.

ولا عداء بيننا وبين المسيحيّة كديانة، وقد أقرّ الاسلام الدّيانتين السّماويّتين اليهوديّة والمسيحيّة، وعاش أتباعهما في الدولة الاسلامية كمواطنين، مع التّنويه أنّ مسيحيّي الشّرق مواطنون كاملو المواطنة، لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، واليهود العرب أيضا، فلا خلاف مع اليهود الفلسطينيّين العرب، الذين عاشوا في فلسطين قبل الغزو الصّهيوني، وإنما الخلاف مع الحركة الصّهيونيّة وأتباعها ومؤيّديها ومناصريها، كونها حركة كولونيالية استعمارية.

والخلاف أيضا ليس مع المسيجيّة كديانة سماويّة، ولا مع أتباعها، وإنّما الخلاف مع القوى الامبرياليّة التي تطمع في بلداننا، وتنهب خيراتنا، وتعتبر بلداننا سوقا رائجا لمنتوجاتها الزّراعيّة والصّناعية. إذن فصراعنا مع الدّول الامبرياليّة ليس دينيّا، وإنّما صراع اقتصاديّ.

وبالتّأكيد فإنّ المسيحيّ العربيّ يشعر بغصّة وصوت خطيب المسجد يخترق بيته داعيا الله بموته وموت أبنائه وأقاربه.  خصوصا وأنّه شريك لنا في الوطن، ويقاتل مع من يقاتلون الامبرياليّة من  شعوبنا.

أمّا في بلاد الغرب الامبريالي، فهم دول علمانيّة، تفصل الدّين عن الدّولة، وتعطي حرّية المعتقد لمواطنيها، ولمن يزورونها، وقد شاهدت مساجد في أمريكا وبعض الدّول الأوروبّيّة التي أتيحت لي زيارتها. بل إنّني شاهدت الشّرطة تنظّم السّير أيّام الجمعة في حيّ "بردج فيو"في شيكاغو، وتسمح بوقوف السّيّارت في الأماكن التي يمنع فيها الوقوف في الأيام الأخرى، كي تتيح للمسلمين تأدية صلاة الجمعة  في مسجد جمعيّة الأقصى في الحيّ، كما أنّ المسلمين يستطيعون بناء مسجد في أيّ حيّ يريدونه. ولا قيود على المسلمين ولا على غيرهم بسبب معتقدهم.

ولا يمكنني تصوّر ردود فعل  المتأسلمين الجدد، لو كانت هناك كنائس تدعو في الصّلوات لإبادة المسلمين، كما يحصل العكس في بلداننا.

كما أنّني أرفع قبّعتي احتراما للدّول الأوروبّيّة في كيفيّة استيعابها للاجئين الهاربين من بلدانهم المسلمة؛ لينجوا بحياتهم من سيوف "مجاهدي" آخر الزّمان،  الذين ضلوا طريق الجهاد، ولم يروها إلا في قتل شعوبهم وتدمير أوطانهم. والويل لمن يخالفهم الرّأي. فهل حاول "مجاهدو آخر الزّمان" استعمال عقولهم؟ وهل فكّروا بالفهم الصحيح للدّين.

وفي تقديري أنّه لو اجتمعت كلّ قوى "الكفر" في العالم لمحاربة الاسلام، لما نجحت في ذلك كما نجح المتأسلمون الجدد من الدّواعش وقوى التّكفير الأخرى في ذلك.

وسوم: العدد 689