معرض الأوهام الفلسطيني
منذ إعلان إطار اتفاق أوسلو في 13 سبتمبر / أيلول 1993والقضية الفلسطينية عمليا في انحدار من سيء إلى أسوأ ، وما لم يخطر على بال قبل ذلك الاتفاق ، حدث بكل فظاعاته بعده ، وصارت رام الله في مواجهة غزة ، وغزة في مواجهة رام الله واقعا ذا ديمومة لا أمل في زوالها ، وصارت القيادة في كل مدينة لاهم ولا مطمح لها إلا أن تكيد للأخرى ، وتحصي عيوبها . ولأن قيادة رام الله الفتحاوية أقدر على الحركة والمناورة بحكم الاعتراف العربي والإسرائيلي والدولي بها ؛ فإنها أقدر على إيذاء قيادة غزة الحمساوية ومعها أهل غزة . والذين لا ينجزون شيئا ملموسا محددا قد يستعيضون عنه بالأوهام ، وينفسح المجال أمامهم على رحابته إذا لم يخافوا محاسبا . وهكذا انقلب الواقع الفلسطيني معرض أوهام مفتوحا بإنجازات وانفراجات وهمية . تتساقط على أهل غزة يوميا أخبار بقرب حل هذه المشكلة أو تلك ، وفي سرعة ينكشف كذب ما بشروا به ، وتشتد مشكلاتهم سوءا وغلوا في تعقدها . وفي المستوى السياسي الفلسطيني انهيار مطلق ، وانغلاق مستعصٍ ، تحاول السلطة الفلسطينية أن تخفيه ، وأي عقل بسيط يعي استحالة إخفائه ، بإطلاق أوهام مؤجلة ؛ فيعلن أبو مازن في حفل إحياء الذكرى الثانية عشرة لرحيل عرفات أن 2017 الذي تفصلنا عنه ستة أسابيع سيكون عام الانعتاق من الاحتلال الإسرائيلي ، وهو ما أعلنه قبله بأسبوعين وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي ! كيف سينتهي الاحتلال الإسرائيلي ، على خطأ الاصطلاح ، في 2017 ؟! ما الوسيلة التي يملكها أبو مازن ولا نعلمهما لإنهائه ؟! هل يكفي أن تتقدم بعض الدول العربية ، مثلما يشاع ، بطلب إلى مجلس الأمن ، فيأمر إسرائيل ، فتنسحب صاغرة معتذرة ؟! وفي نفس الاحتفال أكد أبو مازن بقوة أنه يعرف قاتل عرفات ، ولكن شهادته لا تكفي لو باح باسمه ! وأن التحقيق جارٍ في القضية ، وأن النتائج ستكشف قريبا ! كيف عرف القاتل ، أو واضع السم أو البولونيوم المشع لعرفات ، مادام التحقيق لم ينته ؟! وتساؤلنا مجاراة فقط لما قال . وقبل ذلك أعلنت مصادر فتحاوية أن الكشف عن ذلك القاتل سيتم في مؤتمر فتح السابع في 29 من الشهر الحالي ، وبادر مصدر فتحاوي إلى نفي ما قيل .
وأبعد من كل ذلك : ألم تكفِ 12 عاما لكشف هوية القاتل ؟! استخلاصا مما سبق خلال تلك الأعوام لن تجرؤ السلطة على كشف القاتل المعروف لها من البداية ، وكل ما يقال في القضية ، والتحقيق نفسه ، جزء من الأوهام التي تعرض في معرض الأوهام الفلسطيني لشغل الناس عن مأساوية واقعهم وعدميته اللامتناهية . وفي 15 الحالي سيحتفل الفلسطينيون ب" الاستقلال " الذي أعلنت وثيقته في الجزائر في 15 نوفمبر / تشرين الثاني 1988 ، أي قبل 28 عاما ، وتلح السلطة منذ أيام على الناس للاحتفال بالاستقلال الوهمي ، وسيكون يومه ، مثل كل عام ، إجازة رسمية . كل شعوب العالم تحتفل بيوم استقلالها بعد تحقيقه إلا الفلسطينيين الذين أخرجتهم منظمة التحرير ومولودتها السلطة عن هذه المألوفة البشرية السوية . ولنضع الاحتفال بهذه المناسبة إزاء الوعد بإنهاء الاحتلال في 2017 الذي يقترب حثيثا لنستبين هول هذه المفارقة : مستقلون يتحدثون عن إنهاء احتلالهم بعد أسابيع ! أو محتلون يحتفلون بذكرى استقلالهم ! إنه معرض الأوهام الفلسطيني . كان مفهوما وقت إعلان وثيقة الاستقلال أن منظمة التحرير أرادت منها استثمار الاهتمام العالمي بالشأن الفلسطيني الذي ولدته الانتفاضة الأولى ، أما الآن ، وبعد الفشل في تحويله واقعا وحقيقة ، فلا تسويغ لشغل الناس به إلا كونه جزءا من محتويات معرض الأوهام الفلسطيني . وفي النهاية الأوهام لا تصنع حقائق ، والخطأ لا يصنع صوابا ، والكارثة أن السلطة الفلسطينية ترفض أن تقر بهذه البديهيات ، ومن ثم فلا أمل في تخلص قريب من معرض الأوهام الفلسطيني الذي يوازيه في ذات الواقع نقيضه الإسرائيلي الذي يتعامل مع الحقائق الماثلة ، ويصنع الحقائق التي تلائم مشروعه ، ويحقق النجاح الكبير تلو النجاح .
وسوم: العدد 694