«ترامب» يعبر.. والجنون يتمكن من إعلام السيسي!
كأن لوثة عقلية أصابت القوم، فجعلتهم يتصرفون كالذي يتخبطه الشيطان من المس، وكأن من فاز في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية، هو أخو عبد الفتاح السيسي من الرضاعة، فقد تحزم الإعلام المصري، ورقص على «واحدة ونص»، ابتهاجاً بهذا الحدث التاريخي، حتى صرنا أمام حالة سكر بين، ولا بأس فالليلة عيد!
بدا احتفال الإعلام المصري (السيساوي أدق) بفوز «ترامب»، أقرب ما يكون إلى «دقة الزار»، عندما ترتفع أصوات الطبول والزمر بهدف إخراج العفريت من «الملبوس»، مع فارق بسيط أن «حفلة الزار» تأتي تعبيراً عن عملية ركوب الجن للقوم، ولم يكن الهدف إخراجه أو إبعاده، لدرجة أنني أعتقد أن المنطق كان ضحية هذه الليلة، التي قيل فيها كلاماً بثقة يخجل أي كائن حي من ذكره، لكنه قيل، ولم يهتز للقائل رمش، أما السامع والذي يعمل مذيعا، فقد كان يسمع باهتمام وبإنصات بالغين!
أحدهم استدعي ضيفاً على برنامج «هوى مصر» على قناة «النهار»، فقال إن الحملة الانتخابية للرئيس «ترامب»، أخبرته أن المرشح الأمريكي سأل حملته، «إحكوا لي عن الجنرال السيسي».
ولم ينس ضيف البرنامج أن يخبرنا، أن «دونالد ترامب» شخص عاطفي. فقد «عشنا وشفنا»، العاطفيين وقد أصبحوا رؤساء دول، وعهدنا بالقوم أنهم كانوا مطربين أو ممثلين، ويمثل «عبد الحليم حافظ» رمزاً لهم!
لا نعرف ماذا قال أفراد الحملة، في «حدوتة» ما قبل النوم عن «الجنرال السيسي»، والذي حرك العواطف الجياشة لترامب، فتصرف كما لو كان أرخميدس، عندما خرج من الحمام عارياً، وهو يقول: «وجدتها وجدتها»، فبدا واضحاً أن مرشح الانتخابات الرئاسية الأمريكية، صار في هذه اللحظة «برميل عواطف»، فقد ضرب بيده. ولم يقل ضيف برنامج قناة «النهار»، إن كان ضرب بيده على المكتب، أم على مائدة الطعام، أم أنه ضرب الهواء بيده، وإذا كنا في مرحلة «ركوب الهواء»، فليس غريباً أن يضرب المذكور الهواء في مقتل!
لقد بدا أن ترامب يعاني من الفراغ العاطفي، يبدو أنه يتيم، وقد عاني من قسوة زوجة الأب، وكان طيلة السبعين عاماً من عمره في رحلة بحث عن مثل أعلى له، وقدوة يقتدي بها، فلما أضناه البحث، وأعياه النبش، واستبد به اليأس، كانت «حدوتة» حملته عن «الجنرال السيسي»، فلما استمع لها ضرب بيده وهو يهتف: «الجنرال الرئيس عبد الفتاح السيسي مثلي الأعلى»!
الامتلاء العاطفي
لاحظ أنه في الأولى قال لهم «احكوا لي عن الجنرال السيسي» لكنه بعد أن استمع إلى «الحدوتة» وشعر بالامتلاء العاطفي، زاد في وصف السيسي مفردة لم يذكرها أول مرة فبدلا من «الجنرال السيسي» فقد أصبح «الجنرال الرئيس السيسي»، ومن المؤكد أن حالة الحماس التي كان عليها منعت من أن يذكر أن باقي الأوصاف مثل «الأستاذ الطبيب عبد الفتاح السيسي طبيب الفلاسفة ومكتشف نترات الماغنسيوم»، يقولون إن الماغنسيوم مفيد للمرأة الحامل!
على قناة «صدي البلد»، وفي برنامج «أحمد موسى» كان الحب العذري قد بلغ مداه، إذ كان هناك من تم تقديمه على أنه مستشار الرئيس الأمريكي «دونالد ترمب» ويدعى وليد فارس، الذي تحدث بلكنة شامية، يقولون إنه من أصل لبناني، وهذه اللكنة تعطي للأمر بعده العالمي، فليس من المصريين المخطوفين ذهنيا، ومن بينهم من طلبت من السيسي أن يتخذها جارية، ليقضي منها وطراً. ولكنه باللكنة وبالوظيفة شخصية عالمية!
وليد فارس، الذي جرى تقديمه على أنه مستشار الرئيس الأمريكي، أفاد في مداخلته أن تصريحات السيسي عن دونالد ترامب جذبت الأمريكيين لانتخابه. وهكذا انتقل السيسي من كونه جاذبا للنساء إلى مؤثر في حركة الكون وجاذب للأمريكيين، الذين احتشدوا بعد استماعهم لتصريحاته إلى انتخاب ترامب.
وبالمناسبة فلعلكم تذكرون شاعر الغبراء، الذي كتب قصيدة «نساؤنا حبلى بنجمك»، ونشرتها له صحيفة مصرية، لم يجد القائمون عليها مانعاً من نشر هذا الهراء، تماماً كما لم تجد الفضائيات ما يمنع من نشر كلام وليد فارس!
فهل كان كلام صاحب اللكنة الشامية هراء، وطلباً للقرب من جناب الجنرال وحكمه؟ ليمكن القول له مرحباً بكم في بلدكم الثالث مصر، ونتذكر في هذه المناسبة مقولة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سليم الحص لرؤساء تحرير الصحف اللبنانية: «مرحبا بكم في بلدكم الثاني لبنان»، في إشارة لا تخطىء العين دلالتها!
في تقديري أن وليد لم يقل هراء، فلا أستبعد أن يقول ترام» أي شيء، فترامب ليس كائناً طبيعياً، ومن قبل وصف الرئيس السيسي بأنه «رجل رائع». مما يؤكد أنه وقع في غرامه من أول نظرة، إلى درجة قوله بوجود كيمياء بينهما، ولم يحدد ما إذا كانت كيمياء عضوية أم لا عضوية، كما لم يحدد ما إذا كانت كيمياء فيزيائية أم حيوية!
انشطار القذافي
فنحن أمام لحظة جنون، تبدو فيها الخلية المكونة للكائن القذافي قد انشطرت، فأنتجت السيسي في مصر، وترامب في الولايات المتحدة الأمريكية، وإذا كانت الحالة القذافية للسيسي صارت بادية للعنان، فإن نظرة إلى هيئة ترامب ستنتهي بالناظر إلى التسليم بأن المجانين في السلطة قد زادوا واحداً، وأمام حالة الجنون هذه، يمكن أن نلتمس العذر للأذرع الإعلامية للانقلاب العسكري في مصر، إن تلبسها عفريت من الجن، وتعاملت مع نجاح ترامب كما لو كان السيسي قد فتح عكا، وهي في حالة الجنون هذه لم تجد حرجاً أن تنقل للمشاهدين كلاماً ينبغي الشعور بالحرج من ترديده مثل اعتبار ترامب أن السيسي مثله الأعلى، أو القول إن تصريحات السيسي جذبت الأمريكيين لانتخاب «ترامب»، حتى وإن قيل هذا الكلام فعلاً!
في لحظة الانفلات العقلي بدا الإعلام المصري في فرحه بفوز «ترامب»، يتعامل كما لو كان فعلاً في حالة عداء مع أوباما، فقد كذبوا وصدقوا أنفسهم في إدعائهم بأن أوباما اخوان، مع أن سلطته هي التي منحت الشرعية للانقلاب، وهي التي وافقت عليه، وهي التي رعته دولياً مع الاتحاد الأوربي وعبر مخططة المجازر التي ارتكبها السيسي «كاثرين أشتون»، وفي عهد أوباما أعلن وزير خارجية السيسي إن ما بين مصر وواشنطن علاقة زواج كاثوليكي دون أن يسمي الزوج والزوجة في هذه العلاقة، ودون مراعاة لمشاعر تواضروس بابا الأقباط الأرثوذكس الذي كان ممن يملكون «عقدة النكاح» في مشهد الانقلاب. فما هي مشاعره عندما يستدعي الزواج الكاثوليكي في مشهد أرثوذكسي؟!
ومن الواضح أيضاً أن الإعلام المصري قد صدق رواية سامية زين العابدين في قناة «الحدث اليوم» والتي رددها محمد الغيطي، عن أن «هيلاري كلينتون» كان لها دور في محاولة فرض محمد مرسي بعد الانقلاب عليه رئيسا بقوة الأسطول السادس الأمريكي ومن موقعها كوزيرة للخارجية الأمريكية وأنها كتبت عن هذا الدور في مذكراتها، ولم يكن الكلام صحيحاً ولم تكن «كلينتون» وزيرة للخارجية عندما حدث الانقلاب وإنما كان جون كيري الذي قال السيسي نفسه أنه على اتصال يومي به، بيد أن القوم كذبوا حتى صدقوا أنفسهم!
وهم في مرحلة تصديق النفس، فقد كانت ليلة فوز ترامب ليلاء والإعلام السيساوي يقوم بعملية تبكيت ضد الآخرين، فقد سقطت مرشحتهم هيلاري كلينتون، وتم وصفهم بأنهم أرامل كلينتون، وكانت فرصة مواتية للهجوم على قطر والشماتة فيها، ومما قيل إن القوم في الدوحة ساندوا كلينتون بالمال ومع ذلك سقطت، ولهذا فقد كان الوقت مناسباً لإقامة الأفراح والليالي الملاح نكاية في قطر!
هنأ وله الحلاوة
ليست عندي معلومات بشأن المساهمة المالية لقطر في حملة «كلينتون»، لكن ظني أن المعارك الانتخابية المكشوفة، لا يمكن أن تترك شاردة أو واردة، ولا يمكن أن تترك مالاً يتدفق في اتجاه مرشح دون كشف حركة سيره، ومهما يكن، فجماعة السيسي لم يجدون حرجاً في اتهام قطر بأنها تعمل على التأثير في شأن خاص بدولة عظمى سواء نجحت المحاولة أم فشلت، في حين من يرأس أكبر دولة عربية كل ما فعله أنه ظل ليلة الفرز يشاهد «الجزيرة» القطرية، وهي تنقل وقائع الانتخابات الأمريكية لحظة بلحظة، فلما تم الإعلان غير الرسمي عن فوز ترمب لم ينتظر النتيجة الرسمية وبادر بالاتصال مهنئاً ومبايعا ليكون أول رئيس على كوكب الأرض يتصل بترامب، يقولون في الأوساط الشعبية في مصر إن أول المهنئين له «الحلاوة»!
لقد كان إعلام أكبر دولة عربية في المنطقة غائباً، وكانت «الجزيرة» القطرية متفوقة على نفسها، والشهادة لله فقد كانت المنافسة على أشدها عربياً بين «الجزيرة» و»سكاي نيوز عربي» في تغطية الانتخابات الأمريكية، والذي جعلني أوقن أن السيسي كان مشاهداً لـ»الحزيرة» أنه في اللحظة التي أعلنت هي عن فوز ترامب كان يتصل به مهنئاً ومبايعاً وطالباً «الحلاوة»! شعبياً أيضاً في أن أول المهنئين بعد إتمام المهمة في «ليلة الدخلة» له نصيب في «الونسة»، التي هي «حمامة» محشوة بالفريك! وكمقطوعة انثروبولوجية، فإن إتمام المهمة في صعيد مصر يطلق عليها «العبور»، فيقال: هل عبرت؟!
لقد عبر ترامب وكان السيسي أول المهنئين، في يوم غاب إعلامه، لكنه حضر ليلاً ليقوم بالزفة، وينصب الأفراح والليالي الملاح، فاتهم أن مبارك سقط بينما كلينتون تعلن يوم 25 يناير/كانون الثاني مساندتها له، وبينما السفارة الأمريكية في القاهرة تمنح وزارة الخارجية سبعة عشرة سيارة لسحق المتظاهرين، وبينما إسرائيل تقول إن مبارك هو كنزها الاستراتيجي!
يقولون: العروس للعريس والجري للمتاعيس!
وسوم: العدد 694