ما هكذا يكون الحوار يا جمعية مدرسي الفلسفة
من الأمثال السائرة في ثقافتنا العربية قولهم : " ما هكذا تورد الإبل يا عمرو" ويقال هذا لمن يجانب الصواب ، وهو يعتقد أنه محق . وهذا المثل ينطبق على الجمعية المغربية لمدرسي مادة الفلسفة على ما يبدو ،والتي أصدرت بيان إدانة ضد مقررات مادة التربية الإسلامية الجديدة حسب مقال نشره موقع هسبريس لصاحبته ماجدة آيت لكتاوي تحت عنوان :" أساتذة الفلسفة يدينون التربية الإسلامية والوزارة تتمسك بالوسطية " ، وحصيلته أن هذه الجمعية ذات الفروع الثلاثين في تراب الوطن أدانت بشدة مقررات مادة التربية الإسلامية في مستوى التعليم الثانوي التأهيلي لأنها تضمنت دروسا في مجزوئتين هما : " الإيمان والعلم " و " الإيمان والفلسفة " مسيئة ومحرفة لمقاصد الفلسفة والعلوم الإنسانية والطبيعية النبيلة ، ولأن الكتب الجديدة المقررة متزمتة ، وتدعو إلى التطرف والتعصب والجمود، والتراجع عن المكاسب الديمقراطية والحقوقية والحداثية . وأدانت هذه الجمعية الدولة من خلال إدانة وزارة التربية الوطنية لأنها أشّرت على كتب مدرسية متزمتة ، ورهنت بذلك الأجيال الحالية والقادمة في شرنقة التطرف ، وهي تعدهم بذلك ليكونوا لقمة سائغة للإرهابيين ، كما طالبت الجمعية بالتراجع عن كتب التربية الإسلامية الجديدة وسحبها ، بل ذهبت بعيدا من خلال المطالبة بمتابعة ومحاسبة الذين أشّروا عليها .
وتعقيبا على هذا المقال المشير لبيان الجمعية المغربية لمدرسي مادة الفلسفة نقول كما يقال لهذه الجمعية ما هكذا تورد الإبل ياعمرو ، ولا هكذا يكون حوار مادة الفلسفة مع مادة التربية الإسلامية . ونستغرب من منتسبين لمادة الفلسفة التي تحمل شعار التنوير أن يصدروا في بيانهم عن عقلية إقصائية واستئصالية من خلال المطالبة بسحب مقررات مادة التربية الإسلامية ، وكان الأولى بهم أن يلتزموا أسلوب الحوار الموضوعي الذي يسلم بوجود الخلاف بين المتحاورين ولا يقر بعقلية الإقصاء والرفض لأنها عقلية تجني على صاحبها قبل أن تجني على غيره ذلك أن من يقر بإقصاء غيره إذا اختلف معه تعين عليه أن يقبل إقصاء غيره له . وكان من المفروض أن تجتمع جمعية مدرسي مادة الفلسفة بجمعية مدرسي مادة التربية الإسلامية في حوار هادىء بعيد عن التشنجات الإيديولوجية لمناقشة تقاطع وتكامل المادتين لفائدة المتعلمين . ولا يوجد ما يبرر طعن جمعية مدرسي مادة الفلسفة في لجان تأليف مادة التربية الإسلامية والمزايدة عليهم والتشكيك في خلفيتهم . والسؤال المطروح هل يملك أساتذة مادة الفلسفة الاختصاص والأهلية والكفاءة لتقويم مقررات مادة في غير تخصصهم ؟ وإذا جاز لهم ذلك، جاز لمدرسي مادة التربية الإسلامية أيضا تقويم مقررات مادة الفلسفة . وإذا سمح مدرسو الفلسفة لأنفسهم مطالبة الوزارة بسحب الكتب المدرسية لمادة التربية الإسلامية ،فعليهم أن يتقبلوا أيضا مطالبة مدرسي مادة التربية الإسلامية بسحب الكتب المدرسية لمادة الفلسفة . وإذا عملت الوزارة بتنفيذ ما يطالب به هؤلاء وهؤلاء، فلن تستطيع إخراج كتاب واحد في المادتين بل في كل المواد الدراسية لأن المدرسين تختلف قناعاتهم وتوجهاتهم الفكرية والإيديولوجيا الخاصة . والوزارة حين تضع منهاجا دراسيا لا تنطلق من قناعات خاصة بل تنطلق من قناعة عامة تجتمع حولها الأمة على اختلاف شرائحها . ولا تبالي الوزارة بما يتبادله مختلفو القناعات من المدرسين فيما بينهم من تهم ونقد . ولا يمكن أن يقبل من مدرسي مادة الفلسفة اتهام زملائهم من مدرسي مادة التربية الإسلامية بالتزمت والتعصب والجمود والتطرف والتحريض على الإرهاب ... كما أنه لا يمكن أن يقبل من مدرسي مادة التربية الإسلامية اتهام زملائهم من مدرسي مادة الفلسفة بالإلحاد والزندقة والتحريض على ذلك . والمفروض في هؤلاء وهؤلاء أن يقدموا للمتعلمين مضامين المواد التي يدرسونها كما وضعتها الوزارة الوصية التي تسطّر غايات وأهداف لتكوين نوع المتعلمين المرغوب فيهم .والميثاق الوطني للتربية والتكوين ينص على أن الغايات من المنهاج الدراسي المغربي هو تكوين المتعلم المغربي المتشبث بدينه الإسلامي وعقيدته السنية الأشعرية ومذهبه الفقهي المالكي ، وطريقته الصوفية الجنيدية ، و المعتز بوطنيته ووحدة وطنه الترابية ، والمنفتح على الحضارات والثقافات الإنسانية ، والمتسامح ، والحداثي والديمقراطي . وإن هذه الغايات تتحقق من خلال مقررات مواد دراسية ، والتي من المفروض أن تتنوع حسب تنوع الغايات . ولا يحق للمدرسين عرقلة تحقيق هذه الغايات بشكل أو بآخر ، ولا يحق لهم تقديم مضامين المقررات الدراسية وفق أمزجتهم ، أووجهات نظرهم الخاصة أو وفق قناعاتهم الإيديولوجية الشخصية بل عليهم أن يحتفظوا بقناعاتهم لأنفسهم ، ويلتزموا التوجيهات التربوية الرسمية التي وقع عليها إجماع الأمة. فلا مدرس مادة التربية الإسلامية ولا مدرس مادة الفلسفة لهما الحق في تقديم المادة للمتعلمين بشكل ينحرف بهما عن الغاية المسطرة في المنهاج العام. والمطلوب منهما التجرد من الذاتية في ممارسة مهامهما . ووفقا لقاعدة : " حاكي الكفر ليس بكافر " لا يمكن أن يظهر هذا المدرس أو ذاك تعاطفه مع ما يقدمه للمتعلمين من أفكار ووجهات نظر مفكرين تمت برمجتهم في الكتب المدرسية . فإذا تناول مقرر مادة الفلسفة على سبيل المثال فلسفة فيلسوف ملحد، فلا يعني ذلك إقناع المتعلمين بتبني الإلحاد أوتقديم وجهة نظره على أنها بمنزلة الوحي المنزل من السماء . وإذا تناول مقرر مادة التربية الإسلامية على سبيل المثال فكر مفكر مخالف لفكر الفيلسوف الملحد ، فلا يعني ذلك أنه وحي أيضا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . والنصان والوحيدان اللذان لا جدال في مصداقيتهما هما القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وما سواهما يأخذ منه ويرد كما جاء في المقولة المنسوبة للإمام مالك رحمه الله . وفي المقابل لا يجب أن يحمّل المدرسون مسؤولية ما يقدمونه للمتعلمين مما قررته الوزارة الوصية وتتحمل مسؤوليته . ولا يمكن على سبيل المثال أن يقال لمن يدرّس فكر فيلسوف ملحد أنت ملحد ، ولا يقال لمن يدرس فكر سلفي أنت سلفي أو أصولي ما لم يصرح كل منهما بذلك أو يلمح بطريقة أو بأخرى ، وليس ذلك من حقه وما ينبغي له مراعاة للمسؤولية التي ألقيت على عاتقه ، والأمانة التي تقلّدها أمام الله عز وجل وأمام الأمة وأمام التاريخ. وفي الأخير نأمل أن تكون المقررات الدراسية بمنأى عن المزايدات الإيديولوجية والحزبية والطائفية والمزاجية ، وألا تنقل الصراعات السياسية والحزبية إلى الفصول الدراسية ، وألا تسود عقلية الإقصاء والاستئصال على حساب الحوار البناء والهادف ، وألا يزايد طرف على آخر في الدين والوطنية وغيرهما. فهل سيتدارك عقلاء جمعيتي مدرسي مادتي الفلسفة والتربية الإسلامية ما نشأ من خلاف بينهما عن طريق مؤتمر وطني تحت عنوان : " حوار المواد الدراسية في المنهاج الدراسي المغربي " سواء بمبادرة منهم أو بمبادرة من وزارة التربية الوطنية أووزارة الشؤون الإسلامية أو بمبادرة جهات جمعوية أخرى تأسيسا و تكريسا لعقلية الحوار بين مختلف الفاعلين التربويين ؟
وسوم: العدد 699