على هامش لقاءات أطراف الملف السوريّ في الأستانة
غيرُ خافٍ على المراقبين أنّ الأطراف المنخرطة في الملف السوريّ، ليستْ في سعةٍ من أمرها، فكلُّ منها مشغولٌ بالهمّ الذي يلفّه، و ليس بمقدوره أن يمدّ يده حتى إلى حليفه، ليكون عونًا له على الخروج من وهدة هذا المستنقع الذي علق فيه؛ فتراضَوا على عجلٍ لتكون الأستانة ( العَتَبَة ) التي يُمكن أن يتمّ تخطيها للتخفّف من أزماتهم.
فروسيا الساعيةُ للعودة إلى المشهد الدولي بثوب القطبية الثنائية، لا يسعفُها سلوكها الذي ظهرت فيه في حلب، صحيح أنّ بوتين قد كسب بعض النقاط في مقامرته بدخول حلب، و لكنّه لا يريد أن يذهب بعيدًا في جولات الرهان على الفوز مستقبلاً، فلقد بان له خبثُ الأمريكان، فقد جعلوا منه العصا الغليظة التي يؤدّبون بها الفصائل التي لم تناغم مع مشروعهم الذي يسعون إليه بعد الأسد، و اتضح لديه جليًّا أنّ شريكيه على الأرض السورية، ليسا بوارد الغنى عنه مهما فصلَتْ بينهما المسافة في رحلة البحث عن مصالحه مع الأتراك.
فأراد أن يظهر في صورة الشرطيّ الطيب، و يفرض أشكالاً من الحلّ في المشهد السوريّ قبل العشرين من الشهر الحالي، تكون على طاولة الرئيس ترامب حين جلوسه على المكتب البيضاوي.
و تركيا قد اتضح لديها حجم النفاق الأوروبي في تنفيذ بنود اتفاقية اللاجئين، و ما تزال تعيش حالة من الاضطراب الأمني و الاقتصادي نتيجة ارتدادات المحاولة الانقلابية في 15/ تموز الفائت، و الحال مع عملية درع الفرات ليست كما وُعِدَت حين زيارة جوبايدن.
و هي تطمع في أن تعي الفصائل تداعيات تعاطيها الإيجابي مع قضيتهم على ساحتها الداخلية ( أمنيًّا، و اقتصاديًّا )، فيلبّوا رغبتها في الذهاب إلى الأستانة، لتظهر كضامن موثوق به لديهم، و تعزّز بذلك علاقتها مع الروس، لتكون أحد الأطراف المؤثرة في الملف السوريّ، و تري الأوربيين و الأمريكان خطورة العبث بالملف الاقتصادي معها.
و هي الرسالة التي نقلها إليهم دونما مواربة أكثر من مسؤول اِلتقى بهم، في سلسلة الاجتماعات التي عقدوها في اسطنبول عشية تشكيل وفدهم إلى الأستانة.
و إيران التي باتت تشعر أنها قد لبسَتْ ثوبًا فضفاضًا، بان فيه هُزالُها بعد تمددها في أربعة دول، قد أُرهِقَتْ اقتصاديًا، و استُزِفَتْ عسكريًا، و تشوَّه مشروعُها في تصدير ثورتها، و باتتْ تدرك هي و ميليشياتها المتعددة الجنسيات أنّ التدخل الروسي قد حدّ كثيرًا من طموحاتها في سورية، و حتى النظام لم يعد في مقدروه أن يفي بسداد فاتورة تدخّلها، على الرغم من سخائه في منحها مزيدًا من الاتفاقيات الاقتصادية، فهي غير مطمئنة إلى نفادها في قابل الأيام؛ و لاسيّما إذا أصرّت المعارضة على عدم الالتزام بأيّة مذكرات تفاهم أو اتفاقيات أبرمها النظام خلال سنوات الصراع معه.
و النظام لم يعُد يملك حرية التصرّف في أوراق الحل بعدما صار أحد أطراف الأزمة في بلده، منذُ أن خرجت عن إطار ثنائية ( النظام، و المعارضة )، فقرارُه لم يعُد ملك يديه: سياسيًّا، و ميدانيًّا، بل هو رهن الأطراف التي تُمسك الأرض من الميليشيات المتعدّدة الجنسيات، و هو، و هم طوعُ بنان سلاح الجو الروسيّ، الذين نزلوا مؤخرًا بأنفسهم إلى الأرض في حلب.
و قد بُلِّغ بذلك في أكثر من رسالة، و كان آخرها اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرم برعاية ( تركية ـ روسية )، و أُبلِغ بمضمونه هو حليفتُه إيران إبلاغًا، ناهيك عن منعه من إلقاء خطاب النصر في حلب عشية أعياد الميلاد و رأس السنة.
لقد كان واضحًا حجم التحركات التركية نحو الروس، لإعاقة اندفاعته مع حلفائه نحو إدلب، و الغوطتين، و ريف حماة، و اللاذقية بعد معركة حلب، و هو ما جعلهم يسعون جاهدين لإفشال التفاهمات ( التركية ـ الروسية ) لوقف إطلاق النار، و الشروع بالتفكير في حلّ سياسيّ تكون ( الأستانة ) منطلقًا له.
و أمّا الفصائل فإنّها بعد نكسة حلب لم يعُد في يديها كثيرًا من أوراق الضغط، و فقدت ثقةَ تركيا بها بعدما تبيّن لها سوء التقديرات التي بنوا عليها مواقفهم في معركة حلب، و أصبحت موازين القوى تميل لصالح النظام و حلفائها بشكل غير خاف، و لم يجدها نفعًا الخطوة الأخيرة التي أقدم عليها أوباما في تخفيف القيود على تزويدها بالأسلحة النوعية المضادة للطائرات؛ لأنّ الأمور رهنٌ بطريقة تعاطي إدارة ترامب القادمة، التي لن تبدأ بالتحرّك الجادّ نحو المنطقة قبل ستة أشهر.
و لم تستطع ترجمة تداعيات نكسة حلب إلى مشاريع مستقبلية، تصبّ في مصلحة الثورة بشكل عام، فما زلت متمحورة حول الفصائليّة، و حتى ما طُرح من مشاريع اندماجية، غلبَ عليها التفكير اللحظي، و الاصطفاف الآيديولوجيّ، و كان مأمولاً منها أن تمضي قدمًا في مشروع التكتل الجبهويّ مع الفصائل ذات البعد المحليّ، و يبدو أنّ هذه الآمال قد تبخّرت في ظلّ حالة الانقسام الحادّة التي تعيشها حركة أحرار الشام، بين مشدود منها إلى المنطلقات الآيديولوجية التي تجمعه مع إخوة المنهج، و بين من هو متطلّع إلى واقع الحركة بخصوصيتها المحليّة.
يرى كثيرٌ من المراقبين أنّ تعاطي بعض هذه الفصائل مع المساعي التركيّة الأخيرة في الملف السوري، و لاسيّما ( أحرار الشام )، سيكون موضع تقييم، و إعادة نظر من المسؤولين الأتراك في قادم الأيام.
صحيفة الأيام السورية.
وسوم: العدد 704