الهبل والاستهبال باسم الدّين

من حقّ كلّ إنسان أن تكون له معتقداته وإيمانه ودينه الذي يرى نجاته فيه، لكن ليس من حقّه أن يحرم الآخرين من حرّيّتهم في معتقداتهم. ونحن في البلدان التي كانت عربيّة، وترسم ضياعها وخرابها بأيدي أبنائها في غالبيّتنا من أتباع الدّيانة الاسلاميّة، التي لا مقدّس فيها لفهم الدّين بطريقة صحيحة غير القرآن والسّنّة الصّحيحة، يرفض الغالبيّة العظمى منّا الفهم المتجدّد للدّين، مع أنّ الجميع يؤمنون بأنّ هذا الدّين يصلح لكلّ زمان ومكان، والسّبب هو تقديس كلّ ما هو قديم دون تفكير، علما أنّ هذا القديم هو من أفعال أو أقوال بشر يخطئون ويصيبون مثلنا تماما، وهذا بسبب ثقافة القبيلة الصّحراوية الوحشيّة كما وصفها ابن خلدون في مقدّمته الشّهيرة، فمثلا هناك من يرفضون إعادة تفسير القرآن الكريم بناء على العلوم التي استجدّت بعد المفسّرين القدامى. وتهمة الكفر جاهزة لمن يحاول التّجديد والاصلاح من منطلقات إيمانيّة خالصة.

 قبل سنوات قليلة صدر في الأردنّ وفلسطين كتاب "الدّراية- الشفاعة نموذجا" للمفكّر الاسلاميّ عثمان صالحيّة، الذي أفنى عمره ناشطا في حزب التّحرير الاسلاميّ، أعاد فيه النّظر بتفاسير وفتاوي واجتهادات سابقة، ومع أنّ الرّجل من بداية كتابه يوضّح "أنّ ما يتعارض مع القرآن الكريم فهو باطل ومردود" إلا أنّ كثيرين من المنغلقين فكريّا، -ومنهم ناشطون في حزب التّحرير الذي ينتمي إليه الرّجل- اتهمّوه بالرّدة والكفر وهو في منتصف الثّمانينات من العمر، مع أنّ كتابه توعويّ فكريّ ويشكلّ ثورة على الخرافة والتّخلف الفكريّ في فهم الدّين بطريقة صحيحة.

وفي مصر صدر حكم بالسّجن ثلاث سنوات على المفكّر الاسلاميّ إسلام بحيري لمحاربته ومن منطلقات دينيّة للخرافات التي صاحبت تفسير بعض النّصوص الدّينيّة.

ومن الأمور اللافتة هو اعتبار الدّين علما، فنجد هناك "علوم القرآن"، "علوم الحديث" علوم الفقه" إلخ، وهناك من يعتبرون "هذه العلوم أساسا للعلوم كافّة، في حين يعتبر العالم جميعه الرّياضيّات أساسا لكلّ العلوم، ، حتّى بات من يرتدي الجبّة والعمامة ويطلق لحيته "عالما" ولو كان أمّيّا أو شبه أمّيّ، علما أنّ الدّين عقيدة وليس علما، والعقيدة ثابتة لا يمكن خرقها، في حين العلوم تخضع للتّجريب، لكنّ المتعصّبين يكفّرون من يقول بهذا؛ لأنّ الأقدمين هم من أطلقوا "العلم" على الدّين.

وقد استغلّ ذلك جيّدا بعض المحتالين والنّصّابين جيّدا، فتلفّعوا بعباءة الدّين، فضلّوا وأضلّوا واحتالوا على ملايين البشر من عامّة المسلمين.

ومن المؤسف أنّ هناك من أخرج نصوصا دينيّة عن مساقها التّاريخي والزّمني، فأساؤوا للاسلام والمسلمين، فمثلا الدّين الاسلاميّ أقر الرّق؛ لأنّه كان معمولا به فترة نزول الرّسالة عند البشر جميعهم، لكنّه أوّل من دعا إلى تحرير الرّق، وجعل "تحرير رقبة" واحدة من التّكفير عن مخالفات وأخطاء وخطايا كثيرة، لكنّ "الدّواعش" عادوا إلى الرّقّ، فاسترقّوا نساء غير مسلمات في العراق وسوريا في أيّامنا هذه، معتمدين على نصوص من زمن الرّقّ، واستهبلوا ملايين ممّن يعانون من الكبت الجنسيّ يؤيّدونهم، ويقاتل الآلاف منهم معهم طمعا في الحصول على أّمَة لتفريغ شهواتهم الجنسيّة. والأدهى أنّهم أباحوا قتل المسلم للمسلم وغير المسلم من أبناء شعوبهم وأمّتهم، متّكئين على "معركتي "الجمل وصفّين." فالمسلم" إذا قاتل معتقدا أنّه على حقّ فلا إثم عليه إذا قَتَل، وهو شهيد إذا قُتِل!"

وكذلك بالنّسبة للآثار ومعظمها موجودة قبل الاسلام، وأقرّتها الدّولة الاسلاميّة عبر عصورها، لأنّها تمثّل حضارة شعوبها، وجاء الدّواعش فهدموها معتمدين على نصوص وردت في كتب الأقدمين، وهي تتمحور على هدم الرّسول –عليه الصّلاة والسّلام للأصنام التي كان العرب يهدمونها، فهل كان أحد يعبد مثلا آثار تدمر أو بابل حتّى يهدمها الدّواعش، كما هدموا غيرها كالمقامات الاسلاميّة التي بنيت في عصور الخلافة الاسلاميّة المختلفة، فهل كان المسلمون لا يفهمون دينهم وجاء الدّواعش لنشر الفهم الصّحيح للدّين؟

ووصل استهبال بعض "المشايخ" ومنهم دعاة يشار إليهم بالبنان للمسلمين، بأن يوردوا احصائيّات لعدد الحوريّات التي سينعم بهنّ المسلم المؤمن في الجنّة، حتّى زادت أعداد المخصّصات للرجل الواحد عن تسعة عشر ألف حوريّة! أليس هذا "الاستهبال" يعبّر عن عقليّة الذّكورة المكبوتة لهؤلاء"العلماء"؟ ولماذا لم يفّكروا بحقوق المرأة المسلمة في الجنّة، وهل من العدالة أن تكون ضرّة لهذا العدد الهائل من الحوريّات؟ ومن أين أتوا بهذه الاحصائيّة العجيبة الغريبة؟ والحديث يطول في هذا المجال.

وسوم: العدد 704