الاستهبال تحت غطاء دينيّ
نظرا لجهل كثيرين بأمور دينهم ودنياهم، فإنّ سوق الخرافة والدّجل والنصب والاحتيال يلقى رواجا بين العامّة، فيستغلّ البعض تلك الأمور متدثّرين بعباءة الدّين، مستغلّين الإيمان الفطريّ للنّاس، والغريب أنّهم يجدون أتباعا يدافعون عنهم، ويسلّمونهم لحاهم وما يملكون، ولعلّ شركة استثمار "اسلامية"! في مصر خير مثال على ذلك، عندما طرحت استثمار أموال المسلمين –حسب الشّريعة- فنهبوا مليارات الجنيهات وهربوا بها خارج البلاد، ورغم أنّ القائمين على الشّركة مطلوبون للقضاء إلا أنّ بعض ضحاياهم لا يزالون يدافعون عمّن أطلقوا لحاهم، وحملوا المسابح وارتادوا المساجد متظاهرين بالتّقوى.
ومن "المعجزات" التي تروى عن أحد المشايخ الذي كان يعتبر زاهدا تقيّا ورعا و"صاحب طريقة دينيّة"!واقتدى به عشرات الآلاف أن هذا "التّقيّ الورع" ادّعى بعلم الغيب وبمعجزات لم يحظ بها الأنبياء! منها زعمه أنّ رجلا اغتابه سوءا في أفغانستان، فقذف حذاءه على الرّجل من مدينة الخليل في فلسطين، وبقي الحذاء طائرا حتى اصطدم بوجه الرّجل في لعاصمة الأفغانية كابول، وعاد إلى قدم صاحبه، فهلّل مريدوه وكبّروا لقدرات الرّجل الخارقة!
ومن الأمثلة التي يجري استهبال واستغفال النّاس بها ما حصل قبل سنوات قليلة من
منحرف لصّ، يطلق ذقنه في الأربعينات من عمره، متزوّج وعنده أبناء تركهم عالة على اخوانه، وكان مع اثنين من أقرانه اللصوص في إحدى قرى نابلس للسّرقة، فقصدوا بيتا عند ساعات العصر، طلبا للغداء بعد أن أنهكهم الجوع، ولما اقترب من البيت نادت ربّة البيت على ابنتها، التي كانت تملأ وعاء ماء من البئر المجاور، والبنت طفلة حسناء في الرّابعة عشرة من عمرها، فرآها اللص المحتال، واستحسن جمالها وحفظ اسمها، ولمّا دخلوا البيت كان ربّ البيت يصلّي، فاستقبلهم وأحسن ضيافتهم، فاستند المحتال على الحائط وتظاهر بالنّوم، وعندما حضر الطّعام، هزّ صاحب البيت كتف المحتال؛ ليوقظه كي يتناول الطّعام معهم، فجفل الرّجل وأخذ يهلّل ويكبّر، ويسبّح بحمد الله، فسألوه عمّا به، فقال: أثناء غفوتي هذه، جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقال لي:
"في بيت هذا الرّجل الطّيب فتاة اسمها (...) وهي مكتوبة كزوجة لك في اللوح المحفوظ". فهلّل صحبه اللصوص وكبّروا، وهم يثنون على تقواه وكراماته التي لا تنتهي! فقال له والد البنت، ما دامت الكرامة قد أتتك في بيتي، فالبنت لك بقراءة الفاتحة، وسنزوّجك إيّاها بعد أسبوعين بعد أن ننتهي من موسم قطف الزّيتون، وفي اليوم التّالي أخبر والد الفتاة أخاه بالذي جرى، فأخذ الأخ اسم المحتال وذهب إلى بلدته ليسأل عنه، وبالصّدفة التقى بشقيق المحتال، وهو رجل طيّب مستقيم، فأخبره بحقيقة شقيقه، وقام بشتم وتوبيخ أخيه أمام عمّ الفتاة، ممّا حال دون الزّواج.
وسوم: العدد 704