يحيى جامع وباراك أوباما وبينهما صندوق الذخيرة!
سلم باراك أوباما الحكم إلى دونالد ترامب الفائز في الانتخابات الأميركية التي جرت في نوفمبر 2016، ورفض يحيى جامع أن يسلم الحكم إلى منافسه الفائز آداما بارو في انتخابات رئاسة جامبيا ديسمبر الماضي إلا بعد تدخل مجموعة غرب إفريقية (منظمة إيكواس) عسكريا بقيادة السنغال ووساطة رئيسي موريتانيا وغينيا حيث أعلن تخليه عن المنصب ، وخروجه مع أسرته إلى دولة إفريقية مقابل عدم ملاحقته أو محاكمته عما ارتكبه من جرائم وتجاوزات!
باراك أوباما قضى فترتين من الحكم كان صندوق الاقتراع هو الفيصل في وصوله إلى الكرسي، ومن خلال القوانين المنظمة والمؤسسات عبر عن شعبه وأمته، لم يكن هناك مجال للارتجال أو التزييف أو العمل خارج نطاق القانون أو الدستور، وحقق لبلاده أهدافها في السيطرة والهيمنة والنهب المنظم للعرب وحماية قاعدتها اليهودية الإرهابية المتقدمة في فلسطين، وسواء اختلفنا أو اتفقنا مع سلوكه الإنساني أو الدولي فهو بمقاييس بلاده قد أدى واجبه وأنهى فترة حكمه وفقا للقانون والدستور، وكان مع ثلاثة رؤساء سابقين للولايات المتحدة هم جيمي كارتر وبيل كلينتون وجورج بوش الابن، ومنافسة دونالد ترامب المهزومة – أقصد هيلاري كلينتون - في مقدمة الحاضرين حفل تنصيب الرئيس الجديد، مع أن معظم الأعضاء الديمقراطيين وبعض النخب قاطعت الحفل احتجاجا على آراء الرئيس الجديد التي تحمل عنصرية وابتعادا عن القيم الأميركية كما يعتقدون.
مع أن الرئيس الجديد معروف بحبه للمليارات التي يجمعها من تجارته الواسعة وصفقاته المتنوعة ، وعشقه للنساء الجميلات من كل جنس ولون؛ فقد أدى القسم على نسختين من الكتاب المقدس أهدته إحداهما والدته منذ ثلاثين عاما، وحضر قسمه لفيف من القساوسة والحاخامات رتلوا أدعية , وأدوا صلوات وحولوا المناسبة عند القسم إلى مناسبة دينية ترد على المرتزقة والأوغاد الذين عندنا ويشوهون أسماعنا وأبصارنا بالحديث عن الفصل بين الدين والدولة. علما أن المسيحية تجعل ما لقيصر لقيصر ، والإسلام يجعل المحيا والممات لله رب العالمين!
شهد العالم حفل التسليم والتسليم في مهرجان ضخم أضفى عليه منظموه لمسات جمالية وفنية جعلته مناسبة للبهجة والسعادة للشعب الأميركي، مع أن المدن الأميركية كانت تشهد في الوقت نفسه مظاهرات رافضة للرئيس الجديد وتندد بتصريحاته وآرائه حول المرأة والمهاجرين والمسلمين.
الأخ يحيى جامع اعترف عقب الانتخابات مباشرة بفوز منافسه، ولكنه فكر وقدر فرأى أنه وصل إلى الحكم بانقلاب عسكري وقضى فيه ما يقرب من 22 عاما بانتخابات صورية مزورة؛ حفلت بالظلم والطغيان والقتل خارج القانون والقمع والاختفاء القسري والفساد الشنيع فضلا عن تقمصه لدور الفيلسوف والطبيب الذي يعالج الإيدز وأمراضا أخرى بالأعشاب، على طريقة عبعاطي كفتة. لقد عاش في الوهم والخيال مما دفعه إلى الإعلان أنه سيحكم طوال مليار سنة قادمة! وعرف أنه لو تنازل عن الحكم وسلمه لمنافسه الفائز سيحاكم على جرائمه التي اقترفها، وسيفقد كل ما نهبه من أموال شعب بائس فقير. ولهذا قرر العدول عن كلامه السابق والاستمرار في الحكم ولو سالت دماء الشعب كله، ولكن دخول القوات السنغالية والوساطة الإفريقية التي أمّنته على نفسه وأسرته جعلته يقبل الخروج الآمن، وحفظا لماء وجهه أتيحت له فرصة الإعلان أنه يترك الحكم حرصا على دماء المواطنين! ونسي أن الشعوب لا تنسى ، وأن غيره سبقوه إلى المحاكم الدولية والإفريقية، وأن حسين حبري وجباجبو وتشارلز تيلور وغيرهم لم يفلتوا من العقاب !
المفارقة أن يحيى جامع هذا كان رئيسا لوفد الاتحاد الإفريقي الذي أرسله الاتحاد إلى مصر عقب الانقلاب العسكري الدموي الفاشي، وأوصى بإيقاف عضوية مصر في الاتحاد حتى ينتهي الانقلاب، ولكنه كما أذاعت بعض الأنباء قبل رشوة من بعض الدول الخليجية ليقرر عودة مصر إلى العضوية العاملة في الاتحاد!
يحيى جامع مثال للحاكم الانقلابي الذي يحكم بصندوق الذخيرة وباراك أوباما مثال للحاكم الديمقراطي الذي يحكم بصندوق الاقتراع ، والفارق بين الصندوقين معروف. الأول تعبير عن السلوك الوحشي الذي لا يعرف التمدن والتحضر، والآخر ينتمي إلى سلوك متمدن متحضر في التعامل مع شعبه ، مهما كان رأينا فيه وفي سياسته الانتهازية الدموية تجاه العرب والمسلمين. أوباما يعمل لصالح شعبه ويحافظ على دمائه، ولكن يحيى جامع لا يعنيه في جامبيا إلا نفسه وليذهب الشعب بحاضره ومستقبله إلى الجحيم، ولا مانع لديه أن يغلف تصرفاته باسم الإسلام ، والإسلام منه ومن أفعاله براء. ومثله مثل عيدي أمين الذي أعلن إسلامه، ولكنه كان يذبح خصومه ويشويهم ويأكلهم في وحشية بغيضة نادرة! صار عبئا على الإسلام والمسلمين ، وأمثاله كثيرون وإن كانوا لا يتذوقون ذبائحهم بعد استمتاعهم بعملية الذبح.
لو كان أوباما حاكما عربيا من إياهم لتوقف عند تصريحات خلفه المثيرة التي يؤمن بها في أعماقه ويخالفها في الظاهر وفقا لنهج المدرسة الصليبية التي ينتهجها رعاة البقر ضد الهنود الحمر، وقال لن أسلم السلطة لمغامر مجنون، واستدعى الجيش للقبض عليه ومنعه من الوصول إلى سدة الحكم. ومحاكمة أتباعه ووصمهم بالإرهاب والتطرف والسعي لإقامة الخلافة. ولكن أوباما المتحضر مع شعبه المتوحش مع العرب والمسلمين لم يفعل وسلم الإدارة لخلفه المغامر المجنون!
ومن العجيب الذي ليس عجيبا أن يكون حكامنا العرب إياهم أول من يهنئ الخلف المغامر المجنون ، ويهلل لصيحته الصليبية الشريرة بسحق الإسلام والمسلمين ، مستعيدا سيرة بطرس الحافي الذي أعلن في عام 1095م وهو يقود الهمج الهامج من الصليبيين ويهتف : إنها إرادة الله لتحرير القدس العتيقة من المسلمين الكفرة. إن ترامب يصف الإسلام بالدين الإرهابي، ويصف المسلمين بالتطرف، ويعلن عن نقل السفارة الأميركية إلى القدس أي تحريرها من المسلمين الكفرة كما قال بطرس الحافي ، وفخامة الرئيس عباس مشغول بمنح وسام فلسطيني لطبّال عربي! بينما تؤكد قيادة الانقلاب في مصر حرصها على توطيد أواصر الصداقة وتعزيز العلاقة الاستراتيجية الخاصة التي تجمع بين البلدين على المستويات كافة.
كان من حسن حظ الشعب الجامبي قبل استسلام يحيى جامع أن رئيس الأركان في جيش غامبيا قال إنه لن تحدث أي حرب في البلاد، ثم تخلت نائبة الرئيس عنه وأظهرت دول إيكواس العين الحمراء فاضطر صاغرا أن يقبل الاستسلام ويرحل لتثبت إفريقية أنها تودع عصر الانقلابات التي ندعو الله أن تودعها أمتنا العربية ليسود صندوق الاقتراع بدلا من صندوق الذخيرة !
الله مولانا. اللهم فرّج كرب المظلومين. اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم!
وسوم: العدد 704