تقرير مراقب الدولة ونجاحات القسام في المواجهة الأخيرة
هزت المعطيات التي سربت عن تقرير مراقب الدولة حول حرب غزة الأخيرة، الصورة النمطية للمنظومة الأمنية والسياسية الإسرائيلية، وأشارت بشكل واضح للعوار الذي شابها من الجانب المهني، والعجز في مجارات المقاومة الفلسطينية من الناحية العملياتية والفيزيائيه.
الحديث هذا ليس فلسطينيا، بل أكده ما سرب من معطيات وصفت بالأخطر في تقرير مراقب الدولة، والتي ارتفعت في مستوياتها عما استنتجته لجان التحقيق في حروب (إسرائيل) في لبنان، والحرب مع مصر وسوريا.
مواطن الخلل التي وثقها التسريب تعرضت لجملة ملفات مهمة منها:
أولا: الفشل الاستخباري: كشفت ظاهرة الأنفاق عوار المنظومة الأمنية الصهونية، وضعف حركتها ورصدها للمقاومة الفلسطينية، حيث تبين أن المعلومات المتوفرة عن امتداد الانفاق وعددها يساوي صفرا، برغم أن حجم العمل والترسانه المستخدمة والآليات للنقل لم تكن قليلة، إلا أن قدرة التضليل التي استخدمها القسام والبيئة التي رافقت العمل وضعت الاستخبارات العسكرية والشاباك، وتقنيات المراقبة في أزمة فشل لم تسجل عليها منذ قيامها، الأمر الذي ورط الكابينت والمنظومة السياسية الصهونية.
ثانيا: الفشل العملياتي: سجل القسام وفصائل المقاومة خلال المعركة الأخيرة ما يعرف (بالصدمة) للمنظومة العسكرية بعد قيامه بجملة عمليات ما وراء الخطوط عبر خلال الانفاق وغيرها، ثم نجاحه في الاستحكام على المناطق الحدودية الأمر الذي جعل القيادة السياسية تحجم عن قرارات التوسع في الحرب بريا وهذا كان واضحا من جلسة التصويت التي حدثت في الكنيست في اليوم 20 للحرب مما وضع الجيش تحت نيران المقاومة الفلسطينية.
ثالثا: ضعف الثقة بين المؤسسات العسكرية المختلفة: لم تكن الهرمية الإدارية لانسياب المعلومات بين المؤسسات الأمنية المختلفة مهنيا، الأمر الذي ورط الجيش ميدنيا في أزمات كبيرة منها حادثة الشجاعية، من ناجية تقدير قوة المقاومة في مكان تحرك الجيش، الأمر الذي تسبب بحسب التقديرات العسكرية الإسرائيلية الإسرائيلية بكارثة، كادت تفضي لأسر عشرات الجنود وقتلهم، الأمر الذي كان سيحقق للمقاومة ضربه من شأنها التأثير على صورة الجيش في العالم.
رابعا: الكابينت وغيابه عن المعركه: يشير ما سرب من التقرير إلى عجز المؤسسة السياسية من إدارة عمل الكابينت، فالمعلومة كانت تنحصر في يد نتنياهو يعالون، وطريقة اتخاذ القرار لم تكن استراتيجية، الأمر الذي جعل صورة المؤسسة ضعيفة، بل حدث أن سرب الضعف أثناء المعركة، الأمر الذي أربك قدرة الحكومة على اشهار أهدافها، وحركتها، واستغلال الوقت لتحقيق ضربه قوية للمقاومة الفلسطينية، الأمر الذي انعكس على حسن تقدير المقاومة لمستوى تحرك الجيش الإسرائيلي ومدى استعداده للمواصلة.
خامسا: العقيدة القتالية: كان واضحا ما أثاره التسريب وما سبقه من تقيمات للجيش، عودة الحديث عن أزمة الحافزية للقتال لدى الجنود خاصة في وحدات الاحتياط ثم الكفاءة في التعاطي مع الميدان من النخبة التي شاركت، وكان دائما الحديث أن هناك مشكله يجب التغلب عليها، من خلال رفع الكفاءة والجاهزية، والإشارات دائما تتحدث عن عملية ناحال عوز التي ظهر فيها الجيش أدنى مستويات الأداء والخيبة.
سادسا: نوعية القيادة: تناول التسريب هذا الموضوع أشار إلى تدني المسؤولية، في إدارة الحرب، ثم التصرفات التي ظهرت من القيادات السياسية التي دخلت في مناكفات أثناء الحرب، بالإضافة إلى القيادات العسكرية التي ظهرت بذات المستوى من هذا الارباك.
في المقابل ظهرت المقاومة الفلسطينية على النقيض من خلال ما يعرف بالإدارة المتفاعلة والحكيمة من خلال جملة من الصور المهمة:
أولا: توزيع عمليات الميدان بما يخدم الصورة اليومية للمقاومة الأمر الذي جعل معنويات الجبهة الداخلية متماسكة إلى محد ما.
ثانيا: العقيدة القتالية: كان للعنصر المقاتل حضور يفوق القدرات التي يمتلكها العدو الأمر الذي وفر حالة تفوق حين المواجهة المباشرة.
ثالثا: شكل الاعلام المقاوم المحور الرئيس في المعركة الامر الذي تسبب في انتكاسة كبيرة لاعلام الجيش والاعلام الموجه.
رابعا: كفاءة الاطلاق الصاروخي من حيث السعه، والاستخدام، والحجم، والتغيير في الاشكال والحفاظ على أهمية هذا النوع في المواجهة.
خامسا: إدارة العمليات الآمنة والاتصال الهرمي هذا موضوع يعلم القسام وحده وفصائل المقاومة كم النجاح فيه، لكن من الواضح أن هذا الملف من مواطن الضعف الذي نجح الاحتلال عبره تصفية قيادات وازنه في المعركة.
حديثنا هذا لا يعني أننا أمام مقاومة قادرة على هزيمة الاحتلال من خلال الضربة القاضية، ولا أمام مقاومة تملك ترسانة الاحتلال، لكن كل المعطيات تشير إلى أن الحرب الأخيرة ومشاركة المقاومة فيها، أصابت الاحتلال في مآزق استراتيجية وليست تكتيكيه، وكشفت الحرب الأخيرة عن حجم الضعف الذي عليه الاحتلال برغم امتلاكه أدوات الدمار الكبيرة.
الاحتلال وفق هذه المعايير وضع لذاته سلم من العمل لتصويب الأداء وايجاد حلول لمواطن الضعف التي عانها، لذلك باتت تدريباته تعالج النقص وتتوقع شكل التطور الذي ستدخله المقاومة على آليات عملها، وهذا أيضا بالموازاة يتوقع أن المقاومة تقوم بذات السلوك العام الذي عليه الاحتلال.
وفي سياق هذا الحديث لن نؤكد فرضية أن الاحتلال سيتوقف عن شن حرب أخرى باتجاه غزة، ولن يكون هذا الامر حاضرا، ففي كل حين يمكن تدهور الحالة واندثارها خاصة في ظل سياقات الارباك السياسي الصهوني الداخلي وملفات الفساد الحقيقية التي تعصف بنتياهو.
في الخاتمه على أصحاب الرؤية والقرار والمخافلين للمقاومة النظر بجدية لما انجز، والتفكير في الكيفية التي وصلت لها نخبة محاصرة مطارده من هز عرش الاحتلال بقوة.
وسوم: العدد 705