تودد عصيد إلى الصوفية على حساب السلفية والإخوانية

طلع علينا أحمد عصيد  كعادته بمقال في عمود كتاب وأراء بموقع هسبريس تحت عنوان : " بين الصوفية والسلفية والإخوانية "  وقد صرح فيه بهويته حيث قال بالحرف : " إننا نحن العلمانيون الحداثيون الديمقراطيون  نشهد أننا لم ينلنا من الصوفيين بلاء ولا براء ، وأننا لم نر منهم إلا كل لطف وسماحة وحسن معاملة، وجوه بشوشة ،وطلائع نيرة ، وأننا لم نر من السلفيين والإخوان إلا كل نظر شزر، ونفور وغلظة ، مع شتم وسب ، وقذف لا مبرر له أحيانا سوى الرغبة في الاستفراد بالميدان لإثارة الفتنة وإشاعة الكراهية من أجل خنق أصوات من يخالفهم الرأي حين تعوزهم الحجة،  ويخونهم الفكر، وتجفوهم الحكمة"

ففي هذا المقال يزعم عصيد أن الصوفية في المغرب تعرضت مؤخرا لهجمات تشهير قاسية بسبب انفلات غريزة العنف والتطرف الأعمى من عقالها لدى الذين يعتبرون الدين مرجعا وحيدا لهم .  واسترسل في الثناء على الصوفية مع أنه تبرأ منها بالقول : " لست من أتباع الزوايا  ولا أومن بالروحانيات " مقابل القدح والتجريح في السلفية وفيما سماها الإخوانية ، علما بأن المغرب لا يوجد فيه تنظيم على شاكلة تنظيم الإخوان المسلمين في مصر، بل حين يعوز العلمانيين النعت المناسب للمتدينين الذين لا ينضوون تحت مسمى من مسميات الجماعات الإسلامية  المعروفة في المغرب ينعتونهم بالإخوان ، وفي ذلك اتهام مبطن لهم بالتبعية للخارج قصد استعداء النظام عليهم . ويصف العلمانيون كل متدين مثقف بالإخواني لأنه ليس مجرد لقمة سائغة ، ولأنه الأقدر على تسفيه علمانيتهم وتهافتها بالحجة الدامغة من غيره ممن تغلب عليهم العاطفة والاندفاع في الجدال والمناقشة . وإلحاق العلمانيين المتدين المثقف بالمتدين السلفي عبارة عن تعريض به ،ونعته بالتزمت والتشدد لصرف الأنظار عن نقده المتزن والدقيق والذي يصيب محز العلمانية  .  ومع براءة عصيد من الطرقية والصوفية ،فإنه أثناء حديثه عنها حاول الظهور بمظهر العارف بدروبها وأغوارها من خلال استعمال عبارات تصيدها من الخطاب الطرقي تصيدا من قبيل : " الحلول ، والاتحاد ، والمواجد، والأحوال ، والمتع الروحية ، وتأويلات النصوص الدينية المفضية إلى مشارف الروح ،والفناء في عشق المطلق بالجدبة والذكر... ". وفي خضم ثنائه على الطرقية مقابل ذم السلفية والإخوانية صرح بسر ثنائه على الأولى وذمه للثانية، وهذا السر يكمن في قوله : "  انشغال الصوفية بمتعهم الروحية الشخصية  التي لا يسعون من ورائها لا إلى سلطة أو منصب ولا ترأس أو غلبة، واحتراق الإخوان والسلفيين وعجلتهم من أجل بلوغ مناصب الترأس والسلطة والغلبة  لإحكام قبضتهم على الدولة وممارسة الوصاية على عقول الناس وإحكام الطوق على رقابهم " وهكذا يكشف العلماني الحداثي الديمقراطي عن سر تعاطفه مع الطرقية التي تخلي له ميدان  السياسة ليصول ويجول فيه  بينما ينافسه الإخوان والسلفيون في ذلك . ومشكلته أن ما ينكره على الإخوان والسلفيين يرغب فيه،  ذلك أن العلمانية  بدورها يحترق ويتعجل أصحابها  من أجل بلوغ مناصب الترأس والسلطة والغلبة لإحكام قبضتهم على الدولة وممارسة الوصاية على عقول الناس وإحكام الطوق على رقابهم . إن العلمانية كما صنّعت في بلادها تسقط الدين من حساباتها ، وتستأثر بالحياة دونه ، وهذا ما جعل عصيد يمدح التدين الطرقي الذي لا ينافسه في الاستئثار بالحياة حيث ينصرف المتدين الطرقي إلى الجدبة والذكر والمتع الروحية ليخلو الجو للعلماني للمتع المادية لأنه لا يؤمن بالروحانيات التي لا تغير شيئا من أمر الماديات وهي همه الوحيد . وعندما تنافسه السلفية والإخوانية في الماديات يستشيط غضبا، وينعتها بكل نعت مشين لأنه يعتبرها مصدر تهديد له . ولفهم تودد عصيد للصوفية أو الطرقية  في هذا الظرف بالذات لا بد من استحضار الجو السياسي الذي يمر به المغرب حيث تعذر على رئيس حكومة محسوب على الإخوانية بتعبير عصيد تشكيل الحكومة بسبب توجس ما يسمى بالدولة العميقة من حزبه في ظل توجس قوى غربية مما تسميه الإسلام السياسي . ولا تريد  لا تلك القوى ولا الدولة العميقة أن يكون لهذا الحزب دور بارز في قيادة البلاد. وفي ظل هذا الوضع يغتنم العلمانيون الفرصة لتكريس فكرة التوجس من حزب ذي مرجعية إسلامية أفرزته اللعبة الديمقراطية التي أحرجت الدولة العميقة أشد الحرج ،فصارت تبحث عن أسلوب لتغيير نتائج الانتخابات بشكل مثير للسخرية حيث صار الطرف الأقل أصواتا يتحكم في موضوع تشكيل الحكومة خلافا لما درجت عليه ديمقراطيات العالم . ولا شك أن عصيد حين يتودد إلى الصوفية الطرقية إنما يتخذ ذلك  مطية للتودد إلى الدولة العميقة التي تحتضن بحرارة الطرقية المتبرئة من السياسة ، والدفع في اتجاه إقصاء الإسلام الإخواني المنافس الأول للعلمانية التي تفتقر إلى  القاعدة الشعبية التي يحظى بها الإخوان كما ينعتهم عصيد . ولا شك أن رهان العلمانيين على الدولة العميقة رهان خاسر لأن الدولة العميقة لا يمكن أن تصمد أمام الإرادة الشعبية . 

وسوم: العدد 705