فشل تشكيل الحكومة مسؤولية جميع الأطراف دون استثناء أفلا يوجد فيهم رجل رشيد ؟
إذا ما تتبعنا ما ينشر إعلاميا يوميا عن فشل تشكيل الحكومة طيلة ما يقارب خمسة أشهر، نلاحظ غالبا حصر مسؤولية هذا الفشل في طرف واحد هو رئيس الحكومة المكلف بتشكيلها ، وقليلا ما تحمّل أطراف أخرى تلك المسؤولية. وليس من الموضوعية ولا من العدل و لا من الإنصاف حصر المسؤولية في فشل تشكيل الحكومة في طرف واحد أو في شخص واحد . ومعلوم أن الأطراف التي بيدها مهمة تشكيل الحكومة ملزمة بتبرئة ذمتها من فشل هذه المهمة، وتبرير عدم مسؤوليتها عن ذلك أمام الشعب . وعملية التبرير تقتضي بالضرورة الكشف عن الأسباب المقنعة وبالأدلة والحجج الدامغة بحيث توضح للشعب بشكل واضح الأضرار المحتملة التي قد تلحق الوطن والمواطنين في حال تشكيل هذه الحكومة أو عدمه ، ولا اعتبار لما قد تخسره جميع الأطراف من امتيازات أو مصالح حزبية في الحالتين معا . ومن المؤكد أن جميع الأطراف إذا ما وضعت مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، فإن تشكيل الحكومة الذي تأخر للشهر الخامس على التوالي سيتم خلال خمس دقائق . ومن المؤكد أيضا أن مسؤولية فشل تشكيل الحكومة يتحملها جميع الأطراف ،والذين ليس فيهم هذا محق و ذاك على خطإ ، لأن الفشل لا يصنعه طرف واحد كما تسوق لذلك بعض المنابر الإعلامية التي غالبا ما تصدر عن قناعات وتوجهات حزبية صريحة أو مقنعة تدخل ضمن الصراع السياسي بين الأطراف المسؤولة عن تشكيل الحكومة . ومن المؤكد أيضا أن فشل هذا الطرف أو ذاك لا يعفي الأطراف الأخرى من الفشل . ومن المؤكد أيضا أن الفشل مرده تصلب كل الأطراف في مواقفها ،علما بأن التصلب لا يقتصر على طرف دون آخر ، ذلك أن تمسك هذا الطرف بموقفه هو في نفس الوقت تمسك الطرف الآخر بموقفه الرافض له ، ولا يوجد موقف ألين من موقف ، ولا موقف قد يحوز البراءة أكثر من موقف آخر حتى يقوم الدليل على ذلك بالحجة الدامغة المقنعة . ومعلوم أن مربط الفرس في عملية تشكيل الحكومة هو عبارة "لا أشارك حتى ..." وهي عبارة متضمنة للشرط ، و معلوم أن الشرط قد يكون مستحيل التحقق كما هو الشأن في قول الله عز وجل : (( إن الذين كذّبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط)). ولما كان دخول الجمل سواء الحيوان المعروف أو الحبل حسب قول المفسرين في ثقب الإبرة أمرا مستحيلا، فإن هذا الشرط يفيد مطلق الاستحالة . وعليه إذا كان شرط الأطراف المسؤولة عن تشكيل الحكومة من هذا النوع، فاستحالة هذا التشكيل أمر واقع وههنا ينتهي الكلام . وكما أن استحالة دخول المكذبين بآيات الله عز وجل الجنة لا تزول إلا بتصديقهم بها ، فكذلك لا تزول استحالة تشكيل الحكومة عندنا إلا بتخلى الأطراف المعنية عن شروطهم التعجيزية . ويستبعد كثير من الملاحظين فرضية إعادة الانتخابات بذريعة جسامة تكلفتها المادية ، وهو ما يعتبر خسارة مادية ، علما بأن هذه الخسارة المادية لن تكون أفدح من خسارة الشعب التجربة الديمقراطية التي لا زالت في بداية طورها . فإذا ما اعتمدت الفرضيات الأخرى من قبيل تكليف الحزب الحائز على الرتبة الثانية بتشكيل الحكومة ، أو من قبيل تكليف رئيس حكومة من التكنوقراط ، فإن ذلك سيكون ضربة موجعة للتجربة الديمقراطية في بلادنا ، وسيفرغ العملية الانتخابية من دلالتها ، وسيزداد الشعب نفورا وإعراضا من المشاركة في الانتخابات اقتداء بشريحة عريضة منه لا ترى طائلا من وراء الانتخابات . وخير للشعب المغربي أن تعاد الانتخابات أكثر من مرة من أن يتذرع المتذرعون بتكلفتها المادية لتجنبها ، وتعتمد عوضا عنها الحلول المنافية للمسار الديمقراطي الحقيقي . ومن الملاحظ أن التكتلات الحزبية عندنا، وهي سبب تعثر تشكيل الحكومة لا مثيل لها في دول العالم ، ذلك أن تكتلات الأحزاب في كل بقاع العالم خصوصا في البلدان الديمقراطية تكون باعتبار تقارب المنظورات الإيديولوجية ، فاليسار في تلك البلدان يسار، واليمين يمين إلا أن الشأن عندنا مختلف حيث يتحالف الحزب اليميني مع الحزب اليساري على بعد ما بينهما من اختلاف إيديولوجي دون أن يشعر هذا أو ذاك بحرج أمام قناعته الإيديولوجية وأمام مناضليه أو أتباعه . ومعلوم أنه حين يقبل حزب يميني التكتل مع حزب يساري ، فذلك يعني تغليبهما المصلحة على المبدأ ،وهذا ما هو واقع عندنا بشكل واضح إن لم نقل بشكل فاضح . ولقد تحولت اللعبة السياسية عندنا إلى لعبة قذرة بسبب تغليب المصلحة الحزبية على المبدإ وعلى المصلحة العامة للوطن . ولقد كان من المفروض أن تصرح الأطراف المعنية بتشكيل الحكومة للشعب ببرامجها التي تزمع تنزيلها ، وتبين كيف أن تنزيلها سيكون أمرا مستحيلا إذا ما وقع تشكيل حكومة بين أطراف تختلف برامجها اختلافا كبيرا يحول دون عملية التنزيل . ولا شك أن تشكيل حكومة فيها نشاز حزبي وإيديولوجي والذي يترتب عنه انعدام التناغم بين أطرافه سيكون محض عبث من الأحسن تنكبه من أجل المصلحة العليا للوطن . وليس من مصلحة الوطن أن تقوده حكومة لا تناغم بين الأطراف المشكلة لها خصوصا في هذا الظرف بالذات، وقد صار أمر قيادة دول عظمى إلى ساسة تحيط بنواياهم شكوك تجاه الوطن العربي والإسلامي ، والمغرب له خصوم يتربصون به وبوحدته الترابية وهي أقدس قضية عند الشعب المغربي ، ويشهد تحركات داخلية مشبوهة تغذيها النوازع الطائفية التي تتحين الفرص لشق صف الشعب وتأليب بعضه على بعض ، ومع هذا وذاك لا زال تهديد ما يسمى بالفوضى الخلاقة قائما وهو ورقة بيد قوى عظمى لخلخلة أوضاع الأقطار العربية وخلق أوضاع تخدم مصالحها . وما يخشاه الشعب المغربي هو أن تكون بعض الأطراف المسؤولة عن تشكيل الحكومة قد تورطت بشكل أو بآخر في مؤامرة الدفع في اتجاه هذه الفوضى الخلاقة. ولقد شهد التاريخ الإسلامي نازلة نكران الذات عند بضع الساسة كما هو شأن سبط النبي الكريم الحسن بن علي رضي الله عنهما والذي آثر المصلحة العامة للأمة على القيادة، فأصلح الله عز وجل على يديه بين فئتين عظيمتين كما بشّر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم . أفلا تجد الأطراف المختلفة في تشكيل الحكومة عندنا في موقف سبط النبي الكريم ما يغنيها عن جر البلاد إلى ما لا تحمد عقباه من خلال تصلب المواقف، والذي لن يكون أبدا لصالح أحد، ولا لصالح الوطن، ولا لصالح الشعب ؟ أليس بين هذه الأطراف رجل رشيد ؟
وسوم: العدد 707