وقفة مع قضية إعفاء بعض موظفي وزارة التربية الوطنية من مهامهم
تناقلت وسائل الإعلام في الداخل والخارج نبأ إقدام بعض الوزارات على إعفاء بعض الموظفين المنتمين إلى جماعة العدل والإحسان التي توصف رسميا بالمحظورة من مهامهم. وكانت وزارة التربية الوطنية من ضمن هذه الوزارات حيث أعفت أطرا تابعين لها من مهام تدبير المديريات الإقليمية والمؤسسات التربوية، فضلا عن أطر للمراقبة التربوية وغيرهم من مستشارين وإداريين. ومن المعلوم أن إعفاء الموظفين العاملين بالوظيفة العمومية له ضوابط منصوص عليها في قانون هذه الوظيفة ، ويكون هذا الإجراء بعد ارتكاب الموظفين متعمدين مخالفات أو تقصير في أداء المهام الموكولة إليهم . وحين يعفى الموظفون من مهامهم أو يتم عزلهم يبلغون عن ذلك من خلال مراسلات تتضمن قرار إنهاء المهام أو العزل أو التوقيف لمدد معينة مع ذكر الأسباب . ويعطي القانون للإدارات العمومية الحق في اتخاذ إجراءات الإعفاء من المهام أو غير ذلك من الإجراءات ، كما أن القانون يعطي للموظفين حق مقاضاة الإدارات أمام المحاكم الإدارية المختصة في البث في النزاعات بين الموظفين وإدارتهم ، وهي محاكم انبثقت عن تبني المغرب المسار الديمقراطي . وليست الإدارات منزهة عن الشطط في استعمال السلطة ، كما أن الموظفين ليسوا معصومين من الوقوع في الأخطاء ، ولهذا وجدت المحاكم الإدارية . والقانون يسدد الإدارات إذا شطت ، ويقوّم الموظفين إذا أذنبوا . ولم يتضح لحد الساعة ما أقدمت عليه وزارة التربية الوطنية من إعفاء لبعض أطرها من مهامهم ، فهل يتعلق الأمر بمخالفات وقع فيها هؤلاء من قبيل استغلال مناصبهم ومهامهم لصالح الجماعات التي ينتمون إليها أو من قبيل رفض تنفيذ قرارات الوزارة أو التقصير في أداء الواجبات ... إلى غير ذلك مما يكون قد حذا بالوزارة إلى اتخاذ مثل هذا القرار . وكان من المفروض أن يتم تداول هذا القرار بالبرلمان مع حكومة تصريف الأعمال ، وأن يصدر عن الوزارة بلاغ رسمي تنقله وسائل الإعلام الرسمية ويتلوه الناطق الرسمي للحكومة إلا أن ما حدث عبارة عن أخبار تناقلتها بعض وسائل الإعلام غير الرسمية ، وعنها نقلتها بعض وسائل الإعلام الخارجية . ويتساءل الرأي العام الوطني عن السبب الحقيقي لهذا الإجراء ، وعن مشروعيته . ولقد نشرت بعض المواقع الإعلامية خبرا مفاده تسريب وثيقة سرية بإحدى عمالات المملكة تتضمن أمرا بجمع معلومات وإعداد ملفات عن موظفين بمختلف القطاعات ينتمون إلى جماعات دينية مثل جماعة العدل والإحسان وجماعة الإصلاح والتوحيد حسب تلك المصادر الإعلامية التي صرحت بأنها لم تتأكد من حقيقة هذه الوثيقة . ولئن صح هذا الخبر فإن في الأمر سرا ما لم يكشف عنه . ومن حق الرأي العام أن يطلع على الحقيقة . فإذا كانت هذه الجماعات لا تحترم ثوابت الوطن، فمن حق الدولة أن تتخذ ضدها الإجراءات القانونية المناسبة، ذلك أن الثوابت الوطنية تعتبر موضوع اجماع الشعب المغربي ، وعدم احترامها يعتبر استخفافا بإرادة هذا الشعب . وإذا ما ثبت أن هذه الجماعات قد يصدر عنها ما يهدد وحدة واستقرار وأمن وسلامة الوطن، فمن حق الدولة أن تتصدى لها بما يخوله لها القانون ، ولا يعاب عليها ذلك ، أما إذا كانت هذه الجماعات تحترم ثوابت الوطن المجمع عليها ، وتعمل في إطار القانون وليس خارجه، فليس من حق الدولة أن تتخذ في حق المنتمين إليها قرارات غير خاضعة للمسطرة القانونية. و في المقابل لا يحق لجماعة أو تيار أن يتأسس أو يمارس أنشطته خارج إطار القانون، لأن ما بني على باطل فهو باطل .والمطلوب من جميع المغاربة سلطة وأفرادا وجماعات وأحزابا وهيئات وجمعيات أن يعملوا جميعا على احتضان وصيانة التجربة الديمقراطية الفتية التي يفخر بها المغرب وهي تجربة قوامها احتكام الجميع إلى القانون الذي يعلو على الجميع ولا يعلى عليه ، وهو صمام الأمان للجميع . ونأمل أن تتم تسوية وضعية موظفي وزارة التربية الوطنية وغيرهم من موظفي الوزارات الأخرى الذين تم إعفاؤهم من مهامهم عاجلا ، وأن تسود الحكمة بين الجميع صيانة لأمن واستقرار الوطن الذي يستحق من الجميع التضحيات والإخلاص في العمل.
وسوم: العدد 708