حبيبتي حلب
حبيبتي
حين أجلس وحيداً في زاوية هجرها الأحبة كلُّهم أذكرك يا حبيبتي.
أمسك قلمي بيد ترتعد وتصطكّ أناملها خوفاً من أن يطول البعاد، أو يحدثَ ما لا يُحمد عقباه، حينها لا جدوى من الحبّ الذي وهبتك إياه، ولا نفع إن لم أكحّل عينيّ كلّ هنيهة بمرود الشوق للحظك.
لقد كسرتُ قيثارات الملائكة كلَّها ؛ لأعزف لحن اسمك ، وأجعله نشيداً أقف أمامه بقدسية وقوف أولاد المدارس وهم يصطفّون في طابور الصباح، يصرخون ببراءة الطفولة، ولا يحلمون إلا بمعاني هذا النشيد.
بحثت عنك كثيراً، قرأت ملايين الكتب حتى خُطِف بريق عينيّ من مَحجريهما، كنت أراك في كل كلمة بل في كل حرف، وعرفت حينها لماذا لا تتسلق أغصان الياسمين جدران الحديقة إلا إذا كانت الجدران تتوضأ بأشعة الشمس كل صباح.
وعرفت وقتئذٍ لِمَ تمتدّ جذور الأشجار في أعماق الأرض، فناموس الطبيعة والكون جعل من الماء كلَّ شيء حيّ. فأنتِ يا حبيبتي شمسي التي أتبعُها وأتدفّأ بها في كوانين الشتاء، والضوءُ الذي يُكسبني قوة البقاء ،ويمنحني جرأة الصراع مع قوافل الغربة والنأي والاغتراب والهجران المقيتة، وأنت مائي الذي أبحث عنه غائصاً في المجهول؛ لعله يمنحني فرصة البقاء.
لمّا مسحت بيديّ جبينك الوضاء، أدركت سرّ بهائك وجمالك ؛ واكتشفت أنكِ أنت التي تمنحين السحر لمن معك ومن حولك ومن تريدينه، وتزرعين بذار الحياة في أرض من تحبّين.
أحبيني كما يحب اللهُ عبادَه، وكما أحبّ العبادُ معبودَهم، إني أخشى أن تدور بي الدوائر ولا أنالُ خصلةً من شعرك، أجعلها تميمة، أعلقها على صدري، وخرزةً زرقاء أزيّن بها كتفي، لأنك لو منحتِنيهما لن أخشى الدنيا وحسّادها، ولن آبهَ بمن حلموا بأن ينالوكِ جميعهم؛ لأني أكون قد تحصنت من شرور الكون بخرزتك الزرقاء يا حبيبتي.
حبيبتي، لا أكتمك سراً بأني ـ لمّا ألمّ بك المرض ـ انزويت في ركن لا أروم وصالاً، وقلت لنفسي حينها: كيف تمرض الملائكة، وأنا أعرف كما علمني شيخي بأن الملائكة لا تمرض؟ كيف تسقط ورقة واحدة من هذه الشجرة الباسقة، وهي التي يشرئب عنقها ليداني الكواكب والنجوم، وكم تمنيت أن أحمل المرض عنك وأكونَ أضحية إبراهيم في ابنه إسماعيلَ، لعلك تنفضين المرض عن كاهلك، وأعاهدك على أن أكون طوع بنانك وتراً تترنمين فيه باللحن الذي تحبينه، وياسمينة في حديقتك الغناء، تتفيّئين بها حين تشائين، واعذريني يا حبييتي إن كنت بعيداً عنك لمّا دعت الحاجة، فالصفح من شيم الآلهة يا حبيبتي.
وسوم: العدد 708