هل وزير الخارجية العراقي جندي في ولاية الفقيه؟
لا تزال مواقف وزارة الخارجية العراقية مثيرة للإستهجان والتقزز، مواقف بليدة لا تفقه شيئا في العلاقات الدولية ولا في البروتوكول ولا في اتفاقيات فيينا للعلاقات الدبلوماسية والقنصلية ولا القانون الدولي ولا حتى اللياقة الأدبية بسبب المواقف المتناقضة وازدواجية المعايير علاوة على التبعية المطلقة لتوجيهات ولاية الفقية في أي قرار تتخذه الوزارة، ويزيدها شرذمة الجان والغيلان التي تعزف على أوتار عقل الوزير الجعفري المتهرئة سيمفونية القماقم المملة. هذا الوزير العائش في عالم الميتافيزيقيا لا نعرف متى يعود الى العالم الحقيقي ويدرك طبيعة مهمته الخطيرة وتداعيات مواقفه المحيرة والتي عزلت العراق عن واقعه العربي؟ فلا هو يستعيد عقله ويترك منصبه الذي لا يتناسب مع امكانياته الشاردة كالأبل الخائفة عند رؤية الذئب، ولا رئيس الحكومة يستعيد عقله فيجد بديلا له فيرتاح ويريح العالم منه ومن طلاسمه.
نستذكر وجود عدد من الشخصيات التأريخية المضحكة شبيهة لحد ما بوزير الخارجية فحالته المريضة بالتأكيد ليست حصرا عليه، قال أبو حاتم السجستاني: كان رجل يحب الكلام ويختلف إلى حسين النجار، وكان ثقيلاً متشادقاً ما يدري ما يقول حيناً، ثم فطن له مكان يعد له الجواب من جنس السؤال، فينقطع ويسكت، فقال له يوماً: ما تقول في حد تلاشي التوهمات في عنفوان القرب من درك المطال؟ فأجابه: هذا من وجود قرب الكيفوفية على طريق الحيثوثية". (البصائر والذخائر2/183). وقال أحمد بن الطّيب: كان الكنديّ يستحلي جارية، فقال لها يوماً: إن الأفلاك العلوية تأبى بك إّلا سموّا في الهيولية. وكان كبير اللحية، فقالت: إن العثانين المسترخيات، على صدور أهل الرّكاكات، بالحلق مؤذنات.
هذا الوزير لا يزال يعتبر وزارة الخارجية العراقية هي وزارة حزب الدعوة وليس العراق، او الحكومة العراقية على أقل تقدير، فالمواد الأولى في النظام الداخلي لحزب الدعوة تنص على "إقامة جمهورية عراقية إسلامية على غرار جمهورية إيران الإسلامية"، والجعفري يتصرف وفق هذه المواد الهجينة التي لا تتوافق مع سيادة العراق ولا أمنه وإستقراره، لذا منذ الغزو لحد الآن فأن مواقف وزارة الخارجية سواء بوزيرها البيشمركة هوشيار زيباري او جندي ولاية الفقيه إبراهيم الجعفري لم تنحرف درجة واحدة عن بوصلة وزارة الخارجية الإيرانية، بل الأعجب منه ان هذه الوزارة تتخذ أحيانا مواقف لا تجرأ حتى وزارة الخارجية الإيرانية على إتخاذها أو بحدتها! لربما الخارجية الإيرانية توجه الخارجية العراقية لإتخاذ مثل هذه المواقف الحادة على إعتبار انها تحت نفوذها وتحركها بخيوط الجنرال سليماني كما تتحرك لعبة دمى العرائس!
وابرز مثال على ذلك موقف الخارجية العراقية الأخير من زيارة اردوغان الى البحرين وانتقاده للتدخل الإيراني في الشأن البحريني، ولا أحد يجهل مدى خطورة هذا التدخل السافر. وفي الوقت الذي لم يتحدث وزير خارجية الدولة التي مستها تصريحات الرئيس التركي، وجاء فيما بعد الرد بطريقة دبلوماسية هادئة معتبرا أن تصريحات اردوغان جاءت " نتيجة انفعال"، في حين انبرى وزير الخارجية العراقي في الهجوم على تركيا، وإستذكر قرود ولاية الفقية في البرلمان العراقي على الفور الوجود التركي في بعشيقة، مطالبين بالإنسحاب التركي وإدانه هذا الوجود على الرغم من أعلان تركيا سحب قواتها بعد تحرير الموصل من تنظيم الدولة، ولم يعترض العبادي على الطرح التركي حينها.
ان ترد الحكومة الإيرانية بالطريقة التي تناسبها فهذا شأنها، ولكن ما علاقة وزارة الخارجية العراقية بالأمر؟ لا الزيارة كانت الى العراق، ولا الإنتقادات التركية موجهة الى الحكومة العراقية. الإنتقاد موجه لإيران وهي صاحبة الحق في إتخاذ ما يلزم اتجاهه، فما شأن العراق بالإتهامات المتبادلة بين طرفين لهما تأريخ عدائي طويل، وكلاهما جار مهم للعراق، وهل عجزت الدبلوماسية الإيرانية في المواجهة والدفاع عن نفسها، أم كلفت محاميها الجعفري ليتوكل بالدفاع عنها؟ ثم هل صارت وزارة خارجية حزب الدعوة دائرة تابعة الى وزارة الخارجية الإيرانية؟
لو افترضنا جدلا ان الجواب: نعم!، فلماذا يكون ردٌ رئيس الدائرة اقوى وأشد من تصريح الوزير طالما ان الدائرة هي جزء أدنى وتابع للوزارة؟ واين وعود رئيس الحكومة العبادي بالإبتعاد عن سياسة المحاور في المنطقة؟ والقول "ان الحكومة تعمل بشكل حثيث على الابتعاد عن سياسية المحاور، وفتح افاق التعاون مع جميع الدول العربية والاقليمية والعالمية"، وزعمه إنه لا يريد ان يجعل من العراق ساحة لتصفية حسابات دول أخرى؟ وأين تعهداته بأن يتخذ العراق خطوات قادمة لتحسين العلاقات مع تركيا والسعودية والكويت وبقية دول العالم بسبب تبعيته للنظام الإيراني والتي صارت مهزلة للعالم.
الصفاقة والوقاحة الأكبر جاءت على لسان عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني النائب (منصور حقيقت بور) في 25/2/2017 بقوله أن" الساحة العراقية والسورية هي المكان الأنسب للرد على تركيا. وإن الجواب على الاتهامات والانتقادات التركية ضد إيران، ستكون في الساحة العراقية والسورية باعتبارهما المكان الأنسب". (وكالة أنباء ميزان الإيرانية). لاحظ كيف يتاجرون بدماء العراقيين والسوريين! بالطبع أخرست وقاحة (منصور حقيقت) البرلمان والحكومة العراقية، ولم يجرأ احد منهم ان يرفع رأسة المطأطأ تحت نعال حقيقت.
إذا صح تصريح قائد حرس الثورة في محافظة قم الإيرانية العميد (غلام رضا أحمدي) في 25/2/2017 بأن" قوات الحشد الشعبي هي قواتنا الضاربة ضد التواجد العسكري الامريكي في العراق. فالعراق تحت الهيمنة العسكرية والامنية الايرانية والولايات المتحدة تعلم بذلك جيدا". (وكالة تسنيم الإيرانية للأنباء). الا يعني هذا بأنه من حق تركيا التواجد في العراق للوقوف بوجه القوة الإيرانية الضاربة (الحشد الشعبي) في العراق وفق نفس نظرية الأمن القومي الإيراني بشأن وجودها في العراق؟ مع إننا نرفض الوجودين التركي والإيراني وغيره في العراق.
خلال الزيارة التي قام بها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الى العراق بعد قطيعة طويلة دامت (14) عاما، كان موقف وزير الخارجية ابراهيم الجعفري أشبه بكومبارس فاشل لا يعرف كيف يؤدي دوره. فلجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب أكدت عدم علمها بزيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير لبغداد، فقد صرحت عضو اللجنة اقبال الغراوي في تصريح صحفي بتأريخ 25/2/2017 إن " وصول وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى بغداد بهذه السرية، يضعنا امام عدة استفهامات. وأن اللجنة لا تعلم بهذه الزيارة، وتفاجئنا منها، لأن وزارة الخارجية العراقية نفت الخبر، ولم تؤكده". علما ان اللجنة البرلمانية كما يفترض هي الجهة التشريعية العليا التي ترتبط بها وزارة الخارجية العراقية. مع ان الزيارة تحققت لكن الوزارة سبق أن نفتها ووضعت نفسها في موقف لا تُحسد عليه!
من جهة أخرى صرح النائب عن حزب الدعوة اسكندر وتوت في 25/2/2017 أن " زيارة وزير الخارجية السعودي إلى بغداد زيارة مشبوهة وتحوم حولها علامات استفهام كثيرة نظرا للدور السعودي السلبي في احداث العراق طيلة السنوات الماضية ووقوفها ضد ايران. وكان يجدر بالقوى الوطنية العراقية أن تمنع الجبير من الدخول الى العراق. بالطبع لم تشهد الأعراف الدبلوماسية هذا النوع من الصفاقة والوقاحة في العلاقات الدولية، سيما ان وتوت برر سبب رفضه للزيارة " وقوفها ضد ايران"! كما أن حيدر العبادي أيضا من حزب الدعوة وهو الذي التقى لوزير السعودي مرحبا بزيارته! مواقف دعوجية تدعو فعلا للرثاء!
أما إبراهيم الجعفري فقد أبى والحق يقال ان يتنازل عن دوره الهزلي على خشبة مسرح الحدث الجاري، فهو من جهة صرح بأن " العبادي أمر بـعدم التصريح بشأن تفاصيل زيارة الجبير الى بغداد لحساسية بعض الأطراف العراقية وخصوصا الإخوة في الحشد الشعبي وبعض قادة حزب الدعوة والمجلس الأعلى". ولكنه من جهة أخرى كشف عن فحوى المباحثات بقوله" إن مباحثات العبادي الجبير جرى التركيز على تمتين العلاقة بين بغداد والرياض وحلٌ الإشكاليات الأخرى من خلال الحوار والقنوات الدبلوماسية خصوصا موقف العراق الرسمي من دعم الإخوة الحوثيين ودور إيران في العراق".
بلا أدنى شك ان وصف (الحوثيين) بالأخوان يثير حفيطة الضيف الزائر وفي الأعراف الدبلوماسية تُتخذ تدابير الحيطة خشية من إستفزاز الضيف الزائر بتوصيفات تثيره، سيما ان العلاقات ما بين البلدين متوترة جدا، وان الغرض من الزيارة تصفية الغيوم الملبدة وليس تكثيفها، وكان بالإمكان حذف كلمة( الأخوان) من العبارة إحتراما للمجاملات على أقل تقدير. والطرفة ان ايران ترى ان العراق هو الأنسب لتنقية علاقاتها مع السعودية.
لقد أفشل حزب الدعوة زيارة الجبير قبل أن تبدأ المباحثات الرسمية بين الجانبين، وأظن ان القناعة تكاملت عند الجبير بأن علاقات بلده مع العراق ترتبط ارتباطا وثيقا بعلاقات بلده مع إيران، فالعراق ولاية تابعة لإيران، وهذه حقيقة يعرف الجبير وهو دبلوماسي لامع وعريق، بل هو عراب الدبلوماسية العربية في الوقت الحاضر، ولكن ربما اراد ان التأكد من حقيقة الولاية التي زارها قبل ان يغسل يديه منها، ولاية عجيبة قادتها اكثر تفرسا من الفرس أنفسهم؟
وسوم: العدد 709