سوسيان ..

الشيخ حسن عبد الحميد

ترابها الأحمر سال عليه الدم الأحمر فتعطرت أجواء القرية بعبير الشهادة . 

سوسيان قرية هادئة تقع شمال مدينتي الباب عُينت فيها مدرسا ، وكان أملي أن أعين في الباب ، لكن مدير التعليم عبد الحميد الأصيل رحمه الله يريد أن يحقق عدل سيدنا عمر رضي الله عنه فلا واسطة عنده ولا محسوبية ، وسطت له القاضي الكبير عبد الوهاب الالتونجي رحمه الله لأعين في الباب ، فإذا بتلميذ الفاروق عدلا ونزاهة يعينني في سوسيان .

وهي بلد أخينا المرحوم محمد كامل حسن السوسياني وكان في شبابه إسلامي الوجهة لذا سلمناه المكتبة الإسلامية في دار فرحات ، وهو يرحمه الله من صنّاع ثورة آذار ، لكن القوم ضحكوا عليه وهم أصحاب غدر وخيانة ، فقد قتلوا أحد قادتهم صلاح البيطار لأنهم لايعرفون في مصالحهم إلاً ولا ذمة ، عينوه  في بكين ملحقا عسكريا لسورية المنكوبة بثورة آذار .. 

حدثني فقال كان سفيرنا جل وقته يقضيه في شارع المومسات بينما السفير الباكستاني يخطب ويحاضر في الناس عن القضية الفلسطينية بهرني معلومات هذا السفير عن فلسطين بمعلومات لايعرفها جل العرب .

وأراد أهل سوسيان إكرامي فأتوا بفرسين إلى باب الدار وامتطيت إحداهن بعد أن استعنت بالمارة ، وسرت بدابتين أركب إحداهما والأخرى مربوطة بها ، وسرنا على بركة الله سبحانه ، ولما وصلت إلى مزرعة العماد سقط سطل نحاسي من خرج أحد الدابتين نزلت بهدوء وتوقفت قليلا لأرى منظر الدابتين ينتظرانني لأعيد السطل النحاسي لمكانه ، لكن الدابتين كانتا أزكى مني فلما اطمأنوا إلى بعدي عنهم انطلقوا كالسهام ، وألقوا عن ظهورهم الأحمال حتى الجلال رموها لتخف حركتهم ، صرت كل ١٠٠ متر ألتقط سطلا ، وحملت الجلال على رقبتي وثان على كتفي الأيسر وعيني تنظر إلى الغبار الثائر خائفا أن تهرب الخيل فادفع ثمنها !

وصلت سوسيان ومنظري مضحك للغاية أغراض الفرسين احملها على رقبتي !! واستقبلني المختار بحفاوة ، كانت أول كلمة له هل وصلت الأمانة ، قال صاروا بالكراج ! 

هذه القرية الأمنة تسبح اليوم في بحر من دم الشهداء ، شهداء الغدر والخيانة ، وكنا نؤملهم للدفاع عن الاقصى المبارك .

ياشباب مدينة الباب ، ياشهداءنا الأعزاء لا أدري أأهنىء أهلكم باختيار الله لكم شهداء عنده ، فأنتم الأحياء في جنة الخلد ان شاء الله ، لن نعزي أهلكم بل نهنئهم بما نلتم من مقام كريم عند مليك مقتدر ، فأنتم الأحياء كما قال ربنا جلت قدرته ( ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون ) ١٥٤ البقرة 

إن هذه القرية الأمنة دخلت التاريخ حين اختلط ترابها بدماء أطهر البشر ، آه يا أهالي الشهداء لو علمتم مكانة أولادكم عند خالقهم لرقص رجالكم وزغردت نساؤكم  .

يامدينة العلماء الآن طابت ثمار زرعها السادة العلماء في أرضك، يامدينتي الغالية رغم الدمار ، رغم الدماء ، سنعود إليك لنكرر دعاء الأجداد الحمد لله على الإيمان والسكنى في الباب ، كانت في الماضي تسمى ( باب بزاعة )

والان تسمى ( باب الخلود ) وباب المجد .

 أيها الجبل الأشم يامن تحتضن وادي تيماء ، إن وادي تيماء الجاثم قربك سيضم قوافل الشباب العائد للوطن الغالي وهو يردد الله أكبر . 

الله أكبر ياسوسيان صرت قطعة من أمجاد مدينة الباب ومفاخرها ، سيبنى فيك في القريب العاجل مسجد الشهداء في المكان الذي جرى فيه دم الشهداء ، وسنردد للبغاة القدامى والبغاة الجدد الله أكبر ولله الحمد ، الله أكبر ، لا شرقية ولا غربية ، إسلامية إسلامية . 

وآمل أن يوضع على باب كل شهيد علما أخضر فيه عبارة الله اكبر . 

والموت للطغاة والحياة والفخر والعزة لأبناء الشهداء ، وستبنى إن شاء جامعة في المدينة وتسمى ( جامعة الشهداء ) 

تحية لكل أب فقد عزيزه ، وقبلة على يد كل أم شهيد ، وإلى أقارب الشهداء فردا فردا التحية الصادقة تاتيكم عن بعد من قادم يتمنى أن يدفن في أرض الجدود .

اللهم من أراق دماء أبناء البلد على ثرى سوسيان خذه أخذ عزيز مقتدر ، اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ، ولا تغادر منهم أحدا ، اللهم اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم .

الشمس ستسطع مشرقة 

نور الإيمان يسددها

وعهود الظلم وإن طالت 

فسيوف الحق تبددها

إن طال الليل وظلمته

فطلوع الشمس يمجدها

وصلى الله على خاتم الأنبياء وسيد المرسلين عليه الصلاة والسلام  . 

ولا حول ولا قوة إلا بالله 

وفرجك ياقدير

وسوم: العدد 710