قرار إعفاء بنكيران من رئاسة الحكومة قرار محرج لكل الأطراف دون استثناء
يتساءل الرأي العام المغربي هل قرار إعفاء بنكيران سيدفع بأزمة تعذر تشكيل الحكومة نحو الانفراج قريبا أم أنه سيزيد من تعقيداتها وتداعياتها السلبية ؟ ولا شك أن هذا القرار وضع كل الأطراف المعنية بتشكيل الحكومة في موقف حرج للغاية . فإذا ما سد شخص آخر من حزب المصباح مسد بنكيران في رئاسة الحكومة وتشكيلها، فإنه لا محالة سيواجه ما واجهه سلفه من تحديات وشروط طرحها المعنيون بتشكيل الحكومة ، وفي هذه الحال سيكون رئيس الحكومة الجديد أمام خيارين لا ثالث لهما إن لم تغير الأطراف الأخرى موقفها وهما : إما قبول شروط تلك الأطراف، وفي هذه الحال سيجد نفسه أمام حرج كبير ،وسيواجه السؤالين التاليين : ما بال حزب المصباح قبل ما ظل يرفضه مدة خمسة أشهر ؟ وهل كانت قراراته تتخذ بشكل ديمقراطي داخل قيادته أم أن أمينه العام كان ينفرد باتخاذها؟ وفي هذا حرج لهذا الحزب ولأمينه العام ولمن سيخلفه في رئاسة الحكومة ، وقد يكون ذلك سببا في بداية نهايته . وأما الخيار الثاني أمام خليفة بنكيران فهو الإصرار على موقفه إن لم تغير الأطراف الأخرى موقفها ،وفي هذا حرج له إذ سيقال إنه لم يستطع التخلص من وصاية الأمين العام للحزب إذا ما تأكد بالفعل أنه ينفرد باتخاذ القرارات ، كما أن في ذلك حرج للحزب نفسه إن كان قراره موضوع إجماع داخل قيادته إذ سيقال إنه حزب لا يراعي مصلحة الوطن ، ويجعل مصلحته فوق كل اعتبار . وعلى غرار ما سيواجهه حزب المصباح من حرج في الحالتين معا ستواجه الأطراف الأخرى المعنية بتشكيل الحكومة نفس الحرج، ذلك أن الذين رفضوا شروط بنكيران لتشكيل الحكومة سيواجهون أيضا خيارين لا ثالث لهما وهما : إما التنازل عن شروطهم التي كانوا يشترطونها على بنكيران ، ويقبلون بشروط خلفه التي لا تختلف عن شروطه ، وفي هذه الحال سيقال لهم ما بالكم قبلتهم ما ظللتم ترفضونه طيلة خمسة أشهر ؟ وفي هذا حرج لهم ،أما الخيار الثاني فهو تمسكهم بشروطهم ، وفي هذه الحال سيقال لهم إن موقفكم لا يختلف عن موقف بنكيران وسلفه ، فأنتم أيضا تتحملون مسؤولية فشل تشكيل الحكومة، وأنتم أيضا تضعون مصالحكم الحزبية فوق مصلحة الوطن العاليا ، وفي هذا حرج لهم أيضا . وفي حال فشل تشكيل الحكومة ،سيكون الجميع أما خيارين لا ثالث لهما أيضا إما إعادة الانتخابات مع أداء ثمن إعادتها الباهظ ، ومع مغامرة الجميع بخصوص ما ستفرزه من نتائج قد تكون سببا في نهاية أحزاب إذا ما كانت نزيهة وشفافة ، وإذا ما أقبل عليها المغاربة ولم يعرضوا عنها ،أما الخيار الثاني فهو التضحية بالمسار الديمقراطي، وفي ذلك حرج للوطن أمام الرأي العام الدولي إذا ما تم تشكيل الحكومة بطرق أخرى من قبيل تكليف الحزب الحائز على المرتبة الثانية كما يروج لذلك البعض خلافا لمنطوق الدستور ، وفي هذه الحال سيقال إن في الأمر تآمر مكشوف على حزب المصباح أو تم تكليف الأطراف المختلفة مع بنكيران وحزبه في تشكيل الحكومة ، وفي هذه الحال سيدور أيضا الحديث عن مؤامرة ضد حزب المصباح، فضلا عما في ذلك من إساءة للتجربة الديمقراطية الفتية والتي علق عليها الشعب آمالا عريضة بعد دستور 2011 ، والذي يعتبره ثمرة ربيعه المتميز عن الربيع العربي بفضل حكمة القيادة ونضج الشعب . وأمام هذا الوضع لا يسع جميع الأطراف إلا أن يثبتوا للعالم أنهم في مستوى الثقافة الديمقراطية ، وأن يتحلوا بنكران الذات والحكمة من أجل الوطن ، وأن يضعوا الخلافات الشخصية جانبا لتجنيب وطنهم ما لا تحمد عقباه، وهو وطن بار بأبنائه يستحق منهم التضخية بالنفس والنفيس ، وأن يملك الجميع الشجاعة للاعتراف بالخطإ ، والتراجع عنه بروح رياضية ، وكذا الموضوعية والعدل والقسط في الحكم على بعضهم البعض بالرغم من وجود الخلاف بينهم حتى لا نقول الشنآن. وعلى الجميع أن يثبتوا للعالم أن المغاربة إخوة أشقاء وإن اختلفوا وإن اختصموا ، وعلى الجميع أن يخيبوا آمال أعداء وطننا الذين يتربصون بنا الدوائر ، ويتمنون الشماتة بنا حسدا من عند أنفسهم ، ونعوذ بالله من شر حاسد إذا حسد .
وسوم: العدد 712