مقابل إعفاء رئيس الحكومة من أجل مصلحة الوطن يقتضي هذا المنطق إبعاد الذين كانوا وراء عرقلة تشكيل الحكومة أيضا

لا يختلف اثنان ولا يتناطح كبشان كما يقال في أن رئيس حكومة مر عليه أكثر من خمسة أشهر لم يتمكن فيها من تشكيل حكومة يحسن به أن ينصرف قبل أن يصرف لأن مصلحة الوطن تقتضي تشكيل حكومة . وبنفس المنطق يجب التعامل مع الجهات التي كانت أطرافا في تعثر تشكيل الحكومة لأنه لا يعقل أن يتحمل رئيس الحكومة المكلف وحده تبعة فشل تشكيل الحكومة . ومهما نعت أو وصف به من عدم مرونة خلال فترة التشاور والتفاوض من أجل تشكيل الحكومة ، فلا يمكن تبرئة الذين كانوا يفاوضونه من وصف ونعت عدم المرونة أيضا إذ لو حضرت المرونة  بين الطرفين معا لصارت الأمور في اتجاه حل مشكلة تعثر تشكيل الحكومة . والموضوعية تقتضي أن تتحمل جميع الأطراف مسؤولية التعثر الذي يعني عدم مراعاة مصلحة الوطن . ولقد كان بإمكان رئيس الحكومة المعفى من مهمته أن يشكل حكومة بطريقة أو بأخرى لكنها لن تكون حكومة منسجمة كما أراد عاهل البلاد وكما أراد الشعب أيضا خصوصا في ظل الظروف التي يمر بها الوطن، وفي ظل تربص المتربصين به . وتقتضي مصلحة الوطن أن تتحلى كل الأطراف بنكران الذات . ومصلحة الوطن لا تتحقق إذا ما أبعد طرف  ولم يبعد آخر مع أنهما معا كانا وراء فشل مفاوضات تشكيل الحكومة المناسبة لمصلحة  هذا الوطن . وإلى جانب مراعاة مصلحة الوطن وهو أمر يلزم الشعب المغربي برمته لا بد من استحضار نتائج الانتخابات واحترام قواعد اللعبة الديمقراطية . ولا بد من وضع الأصوات التي بوأت الحزب الحائز على المرتبة الأولى في الاعتبار احتراما للنهج الديمقراطي لأن تكليف هذا الحزب بتشكيل الحكومة يعني الخضوع لإرادة  ووزن تلك الأصوات  وهو احترام لإرادة الشعب الذي يعتبر سيد القرار في اللعبة الديمقراطية . وما نخشاه هو المغامرة بالتجربة الديمقراطية الفتية عندنا، وذلك بالانتقال من تكليف الحزب الحائز على أكبر النتائج بتشكيل الحكومة إلى الذي يليه، وهو ما ظلت بعض الجهات تتمناه وتردده باستمرار. وتقتضي صيانة الديمقراطية أن تعاد الانتخابات على ما في ذلك من تضحية وخسارة مادية ومن صعوبات على أن ينتقل حق تشكيل الحكومة من حزب المرتبة الأولى إلى حزب المرتبة الثانية أو يكلف بتشكيل الحكومة من حزبه دون المرتبتين أو من لا حزب له  أصلا . وتقتضي مراعاة مصلحة الوطن أن ينصرف كل طرف كان له دور في عرقلة تشكيل الحكومة إلى حال سبيله  قبل أن يصرف، وذلك من أجل تنزيه عملية تشكيل الحكومة عن كل ما يقدح فيها من قبيل التهافت على الحقائب الوزارية  والرغبة فيها على حساب مصلحة الوطن . وعلى كل طرف من الأطراف ألا يقايض مصلحة الوطن بحقيبة وزارية لا تخولها له نتيجة الانتخابات في اللعبة الديمقراطية . وينتظر ممن سيكلف بتشكيل الحكومة من الحزب ذي المرتبة الأولى أن يتنكب طريقة وأسلوب سلفه في المشاورات والمفاوضات، وذلك مقابل  تخلي الأطراف الأخرى عن تصلبها في فرض شروطها. ومن المفروض أن تتوقف التصريحات القدحية والتصريحات المضادة  بين الأطراف المتفاوضة خلال فترة المشاورات والمفاوضات والتي كانت سببا في تأزم الوضع خلال خمسة أشهر . وأخيرا يجب أن يستحضر الجميع أن المغرب يمتحن  اليوم أمام العالم في موضوع تجربته الديمقراطية  الفتية ،ونأمل أن يخرج ظافرا  في امتحانه حتى لا يشمت به أعداؤه ، ولا تتغير نظرة أصدقائه إليه .

وسوم: العدد 712