لا لجدار فصل عنصري في حلب الشهداء
لا لجدار فصل عنصري في حلب الشهداء
كل حلب لنا وكل أهلها أهلنا
زهير سالم*
في ساعات المحنة والعسرة والضيق والخوف تضطرب العقول وتطيش الأحلام ، ويصبح أمر الناس عليهم غُمة ، فيحار الحليم ويختلط الحق في أذهان بعض الناس بالباطل ، والحسن الجميل بالقبيح الكريه حتى يكون الأمر على ما قال الأول :
يُقضى على المرء في أيام محنته ...حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن
ولمثل هذه الأيام والساعات والمواقف يدخر الناس حكماءهم وكبراءهم وحلماءهم وأصحاب الرأي فيهم ؛ ينتظرون منهم ، ويصغون إليهم ، وينزلون على رأيهم ، إن كان علما فمن معين العلم ، وإن كان حكمة فمن حيث تتفجر ينابعها ، وإن كان سياسة وكياسة وحسن تأت وتلطف فمن حيث يؤخذ الأمر ومن الذين يرجع إليهم فيه وإلا ...
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ...ولا سراة إذا جهالهم سادوا
مرة بعد مرة ، ويوما بعد يوم ، تتوارد الأخبار العمياء من حلب الأبية ، الأبيّ كل أبنائها عن تصرفات شاذة تصدر عن تصورات خاطئة تقوم في أذهان البعض عن محاولة لجعل حلب حلبَين ، ولجعل أبناء حلب بعضهم عدوا لبعض ، يضربون هذا بهذا ، ويتهمون ويحرضون ويحاصرون ويجوّعون ويسرقون ويدمرون ويخطفون ويقتلون باسم الثورة والثوار والثورة الحقّة والثوار الصادقون من كل ذلك بريئون
منذ أشهر قريبة تابعنا بقلق محاولة البعض فرض حصار اقتصادي على بعض أحياء حلب بوصفها أحياء يسيطر عليها النظام ، ومضى ذلك المخطط بتجويع الأبرياء وحرمانهم من محاصيل مدينتهم وخيراتها بزعم مثير ( ممارسة الضغط على عصابات النظام )
ومرة أخرى منذ أسبوعين بدأت الأخبار تتوارد عن إحكام حصار مرة أخرى على أحياء من مدينة حلب ، بقطع الماء والكهرباء عن سكانها الأبرياء . والذريعة نفسها : ( ممارسة الضغط على عصابات النظام )
ولا نظن أحدا من هؤلاء الذين اتخذوا مثل هذا القرار القاطع الظالم المحبط ، وليس من حقنا ان ندخل في نواياهم ، يتوقع أن محافظ حلب أو أحدا من رؤوس عصابة النظام من قادة الأجهزة الأمنية ومنتسبيها سيتأثر أو سيتأذى من هذا الحصار ، الذي لن يتأذى منه إلا المستضعفون الأبرياء.
ولا نظن أحدا ممن يحرمون اليوم أبناء أحياء كاملة من مدينة حلب من الماء أو من الكهرباء لا يقدّرون مدى الضرر الذي يلحقه هذا الفعل بأبناء هذه الأحياء وحجم الأذى الذي يصيب أبنائها .
لا نظن يغيب عن عقول هؤلاء وقلوبهم ماذا يعني انقطاع الماء عن المنزل ، غير كأس الشراب ، بدأ من الطهارة الضرورية لأداء العبادة وانتهاء بمتطلبات النظافة التي تقي المواطنين المنهكين أصلا بسبب الجوع والغلاء والخوف شر الوقوع في براثن الأوبئة والأمراض ..
لا نظن يغيب عن عقول وقلوب أحد من هؤلاء أن تيار الكهرباء اليوم يعني أشياء كثيرة غير الإنارة التي يمكن أن تعوض بالشموع ، أو بمصباح الكاز . الكهرباء تعني وسائل التواصل لمتابعة الخبر ، وتعني الثلاجة لحفظ ما يمكن أن يحصله المواطن من وجبة طعام والكهرباء تعني الأمن والحماية والتواصل ..
إن كان هؤلاء ينطلقون في فعلهم بإلحاق الأذى بالمواطنين الأبرياء من علم شرعي فقد فقدوه فأين هم من قوله تعالى (وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ)
وهل المعرة إلا اٌثم الذي سيحيق بهؤلاء المستهترين بحقوق المؤمنين والمؤمنات . لا يعذرهم فيهم جهلهم بهم .
وإن كانوا ينطلقون من سياسة يدعونها !! فأي سياسي عاقل يقبل أن ينشر الغصن الذي يجلس عليه ، أو أن يحطم القاعدة التي يأرز إليها ؟! أمّا إن كانوا يرون فيما يفعله المجرم بشار الأسد من حملة مسمومة محمومة على الأبرياء قدوة وأسوة يقتلهم في مدارسهم ومساجدهم وأسواقهم فيريديون أن ينافسوه فيما هو فيه فقد برئت منهم ذمة كل مسلم وذمة كل إنسان حر كما برئت من بشار الأسد وعصابته من قبل ..
لقد انطلق شباب سورية في ثورتهم الوطنية ثورة للعدل ضد الظلم ، وللحرية ضد الطاغوت ، وللكرامة ضد الاستعباد . وسيرفض شعبنا أي محاولة لحرف هذه الثوارة عن مسارها وهذا المطلوب من كل الراشدين المرشدين إعلانه والتمسك به والدفاع عنه . الدفاع عنه بالدفاع عن كرامة الإنسان السوري وحريته .
يتحمل المسئولية الكبرى في هذه التجاوزات التي ما زالت تقع على كل أبناء سورية ولاسيما على أبناء الشرق والشمال في دير الزور وفي الرقة وفي حلب وفي إدلب هؤلاء المتقلدون للمسئولية السياسية الذين ينتظر منهم الجميع دور الإرشاد والبيان حتى لا يختلط حق بباطل ولا يبغي فيه جاهل بجهله على الناس ..
ارفعوا أيديكم عن الشهباء – أيها المزيفون - كلمة آن الأوان لنقولها بكل الجرأة والقوة والوضوح فما أنتم إلا الفك المكمل لكماشة بشار الأسد يضغط بها على أعناق الأحرار الأباة . ارفعوا أيديكم عن الشهباء فقد أسفر الصبح لذي عينين.
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية