من سطور المجد لمدينة الباب ..

الشيخ حسن عبد الحميد

الباب مدينة عظيمة 

جمالا وعلما وجهادا وثقافة  .

أما الجمال فهو هبة الله لخلقه ، حتى قال شاعر منصف : 

إن وادي الباب  قد ذكرني

     جنة الخلد فلله العجب 

فيها نهر اسم على مسمى ( نهر الذهب) الشاعر الذواقة يقول : 

وا بأبي ، وا بأبي جرعة 

 من ماء نهر الذهب 

يارعاه الله من واد وسيم   

 رقّ فيه الماء وأعتلّ النسيم 

الباب  مدينة قرأت عنها كتابا ضخما وجدته في مكتبة العبيكان في مدينة الرياض  .

الباب مدينة صدّرت لمصر أكبر مكتبة عالمية تحمل اسم : مصطفى البابي الحلبي ، أدركت ذلك 

لما زرت القاهرة منذ سنوات وكنت أفتش عن كتاب بعنوان ( شهيد المحراب ) وهو عن سيدنا عمر الفاروق رضي الله عنه لأديب ذواقة هو الشيخ المجاهد عمر التلمساني رحمه الله  .

زار هذه المدينة أعلام مصر يتقدمهم قاض كبير ومستشار في محكمة النقض والإبرام في مصر الأستاذ حسن الهضيبي ومعه مندوب الجامعة العربية صالح أبو رقيق ، ويرافقه مجاهد هزّ المنابر ببلاغته ، والقلوب بفصاحته ويشهد بذلك أعلام الفكر والأدب في سوريا علي الطنطاوي وأستاذ كلية الحقوق محمد الفاضل ومدرج جامعة دمشق حيث ألقى على منبره محاضرة بعنوان ( المرأة بين الفقه والقانون ) عميد كلية الشريعة الدكتور مصطفى السباعي 

وزارها محاضرا الوزير الدكتور محمد المبارك ابن علامة دمشق عبد القادر المبارك ، وهو وزير الأشغال العامة يوم كانت سوريا يحكمها ابناؤها ، وهو الذي صنع مرفأ اللاذقية البحري المحتل الآن من قرامطة العصر ، تبحر فيه وترسو سفن الغرباء القادمة من بعيد من بلاد المطرقة والمنجل ، كانوا يحلمون أن يسبحوا في المياه الدافئة فمنحهم الطبيب القرمطي خليفة حمدان قرمط سارق الحجر الأسود سمح لهم بالخوض في مياه طرطوس فصارت لهم سوريا ( حلال زلال ) وهذا من بركات الرسالة الخالدة والحزب الخاين !

وممن زار مدينة الباب الدكتور الداعية أديب الصالح والشيخ المربي محمد صندل والشيخ سعيد حوى وعبد الله علوان والفقيه مصطفى الزرقا ، ويوم يطرق أسماع أبناء البلد مجيء المربي الكبير شيخ مدينة حمص الشيخ أبو النصر خلف تقام أعراس للعلم والروح ، وتعيش البلد في أجواء كرم حاتم طيء ، ويوم يذهب إلى قباسين وقرى الشمال ترافقه جماهير البشر والخيل العربية .

وممن زار مدينة الباب الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي ، كان يزور الرجل الشعبي الشيخ المربي مصطفى الأخرس رحمه الله ، وقريبه الشيخ صافي الأخرس بطل معركة جرابلس الذي أنزل علم فرنسا وطرد حنودها .

والشيخ البوطي كان يزور البلدة مرارا وهو ممن أضله الله على علم ، هو ابن رجل صالح ، لكنه اتخذ إلهه هواه وبدلا من أن يصرخ في وجوه الطغاة مكنّ لهم في الأرض ؟

مدينة الباب فيها مسبح شعبي مجاني كنا نسميه (المخاضة ) ماء بعمق مترين أو أقل يقابله مايسمى ( الزورة ) غابة أشجار لاتدخلها الشمس ، وبين الزورة والمخاضة الرمان بأنواعه الحلو والحامض الواحدة منه تحت اليدين ، أما الكروم فهي في سفح تل بطنان ، وهو في الحقيقة تل حبيب بن مسلمة الفهري رضي الله عنه .

الباب هي باب مدينة الآثار بزاعة وشقيقتها تادف بلد الزعيم رشيد الرزوق وآل غباش وآل حمادة والخطيب بلد الشهيد إبراهيم اليوسف ومصطفى عبود ، كان يخترقها نهر الذهب ورمانها يضرب به المثل فهي بلد رمان ناب الجمل ، لما أسر مجند يخدم العلم أسرته اسرائيل لما عرفوا أنه من تادف سألوه عن ناب الجمل الحامض والحلو ؟

ماؤها وفير عذب ، كنت أشرب من البئر مباشرة فالماء عند حافة البئر .

جادك الغيث إذا الغيث هما    

 يازمان الوصل في الأندلس 

زمان عروق أبو أمون ، زمان البيادر والجرجر ، زمان الطائرات الورقية ، زمان الطوب قدح ، زمان الحياء الفطري حيث لا يمر شاب بتجمع نساء إلا مطرق الوجه ، فجاءنا البعث بالتقدمية والاختلاط والبنطال الضيق والجنيز ، فأبدل الحياء بالوقاحة ، وصارت بنات القرية يتأففن من لمّ البعر وصنع الجلّة لأنها صارت تقدمية تلبس الجنيز ؟

هاجر من هذا البلد الطيب إلى القاهرة صاحب مطبعة ومكتبة دار السلام الأخ عبد القادر البكار وفتح فيها مكتبة ضخمة كانت في أول شارع أغيور بحلب ، هرب الرجل لكثرة زيارة المخبرين الباحثين عن الفكر الإسلامي ومحاربته خاصة كتب سيد رحمه الله فهي عندهم أخطر من الديناميت ؟

ومن مواسم الخير والبركات في مدينة الباب ( استقبال الحجاج ) وكان في موضع الفرن الآلي اليوم هو نقطة إلتقاء جماهير البشر  .

مدينة الباب أول بلد ثار على فرنسا وكان قائد الجماهير الحاج ديب البهو ، أنزل العلم الفرنسي وأسر حراسه ولولا شهامة أبو شكري لكانوا قد ذبحوا .

مدينة أينما سرت في شوارعها ترى عمائم علم وصلاح كعمامة الشيخ محمد علي الزين والشيخ محمد المسعود والشيخ الطرابيشي والشيخ أبو الفتوح وأبو البقاء وسعيد الطالب  .

مدينة كان أحلى ساعاتها يوم تسمع صوت طيارة كامل الزين في سماء البلدة ، ترى الشباب يرمقون السماء بفخر ، والنساء على الأسطح يغردن قبل أن يحكمنا البعث بشعاراته الجوفاء فتبدل الحياء بالوقاحة ، ونسفت الأخلاق وضاعت :

 إنما الأمم الأخلاق مابقيت   

فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا 

وصدق الله حين قال ( ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار ٢٨ ) ابراهيم .

كان مؤذن جامع الصديق أبو علي المنلا رحمه الله جاءني يوما فقال لي : وجدت عملا ، قلت ماهو ! قال عينوني جاسوسا في جامع الصديق ، وفشروا قاتلهم الله  . 

تحية إلى رفاق الصبا عبد الرحيم ورياض  ، تحية إلى الشيخ العالم المتواضع محمد علي المسعود ، تحية إلى فقيه الأمة الشيخ محمد سعيد المسعود ، تحية إلى شيخ الشيوخ مصطفى أبو زلام ، تحية إلى الشيخ الأزهري سعيد الحاج محمود ، تحية إلى الشيخ الازهري صادق الغزال ، تحية إلى الشيخ عبد الوهاب سكر ، تحية للشيخ بكري الرجب ، تحية إلى الشيخ عبد الله النعمة  ، تحية إلى الشيخ مصطفى المرطو ، تحية للأحياء ودعوة للأموات رحمهم الله 

مدينة الباب كان فيها دارا  مقابل جامع الأقرع تسمى : بيت الأمة ( وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون ٥٢) المؤمنون ، وكم نحن اليوم بحاجة إلى مثل هذا البيت يعلوه علم الله أكبر 

في الختام : 

تحية إلى أيام الباب : يوم الحور ، ويوم السليقة ، يوم البيادر ، يوم القطاف ، يوم وداع رمضان ، سلام على الحروب وكان سلاحها المقلاع ، تحية لكم من ابن حارة الهيرب واليماني، واحد من أبناء المأمير يسمى أبو حسن رحمه الله 

تحية لشباب البلدة يضمدون جراح الأمة ويكرمون شهداءها ويخدمون شيوخها ويزيلون أنقاض ماهدمه الظالمون أيا كانوا ، وأقول للعاملين لخدمة بلدهم حياكم الله وبارك المولى جهودكم ، تحية حب وإجلال لشباب يعيدون لبلدهم مجدها ومدارسها البحتري والشرعية وطارق وحمزة ، والحسبية والمعبدية .

وسلام إلى كل من يدب على تراب كنت أهتف عليه في صغري : 

يارعاك الله أرضا قدست آثارها   ماؤها عذب وعزيز جارها 

قال تعالى : ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ) 

التوبة ١٠٥ 

والله أكبر والعزة لله .

وسوم: العدد 714