يا ليتني كنت هنديا
في أحد الشوارع الخلفية لعمارات أبو ظبي السكنية، تسابق أمامي عشرات من الصبية الهنود قد اعتمروا طاقية ،وبيد كل منهم مصحف ،وحين تساءلت عن الخبر ،قالوا هذا مسجد أقام به الهنود حلقة لتحفيظ أطفالهم القرآن ، وتكرًر المنظر نفسه في سوق دبي الشعبي.
مقال أذهلني فدفعته نحوكم...
عثمان قدري
استضافتني جارة هندية في أمريكا ،وكان زوجها يعمل سائق تاكسي ،وعندهما طفلة ذات إعاقة، وتحتاج إلى رعاية صحية، ورغم كل هذا ،حين سألتها أين ولداها ،أجابت والبشر يفيض من وجهها :
أبشرك ،لقد تمكنا من توفير المال اللازم ،و وأرسلناهما لمدينة أخرى في أمريكا، حيث يتفرغان لحفظ القرآن كاملا لمدة سنتين ،وينقطعان عن الدراسة أثناءهما ، بينما يتكالب الطلبة المبتعثون على تدريس صغارهم اللغة الانجليزية ،ولم يطرأ على ذهن أحد أن يقوم بتحفيظ أطفاله القرآن هناك.
ورأيت بنيات الهنود الصغيرات قد ارتدين الحجاب في مسجد في فانكوفر بكندا وقد انضممن في حلقة لحفظ القرآن بعد صلاة الجمعة.
في الدمام أذهب ببنيتي لمدرسة الانجليزي الخاصة ،و هي أرملة هندية فقيرة مسكينة ،وتواجه صعابا جمة في
التعامل مع بيروقراطية مشاكل الإقامة ،رأيت حرصها على تعلم فتياتها القرآن ، فأسررت لها أن ابنتي قد أتمت حفظ القرآن كاملا.
ففرحت وسألتني :في كم سنة أتمت ابنتك حفظ القرآن ؟
فأجبت :حفظته عبر مدارس تحفيظ القرآن في ٩ سنوات، ٦ سنوات في المرحلة الابتدائية و٣ سنوات هي المرحلة المتوسطة
فشهقت المدرسة :ماذا تسع سنوات ؟ !نحن الهنود يحفظ أبناؤنا القرآن في سنتين.
انظري لابن أخي بعد تخرجه من الثانوي ،التحق بحلقة لحفظ القرآن في الهند ، ثم عاد إلى الدمام ، وأقمنا له حفلا في صالة الأفراح ،كيف أنتم تتحدثون العربية وتحفظون القرآن في تسع سنوات؟!!
بالطبع لم أخبرها أن مدرسة تحفيظ القرآن حكومية ،لا ندفع مقابلها أي رسوم ،بل تعطي مكافآت تشجيعية ،ولم أخبرها أن ابنتي كانت تقريبا الوحيدة في أهلي حافظة قرآن.
ولم أخبرها أن كل ما حفظته ابنتي من القرآن ،لم تقم بمراجعته ،لأنها التحقت في المرحلة الثانوية بمدرسة خاصة قوية في اللغة الانجليزية ، لتؤهلها لدراسة الطب. ورغم هذا كله لا أخبر أحدا عن حفظها للقرآن حتى بعد أن توقفت عن مراجعته خوفا من العين.
بقي أن أخبركم أن هذه الأرملة تحضر شيخا إلى بيتها لتحفظ أطفالها القرآن.
الشاهد أن كل هنديين في أي بقعة من بقاع العالم ، لا بد أن يكون ثالثهما برنامج عملي ناجح في تحفيظ ذريتهما القرآن.
فهم يعتقدون أن حفظ القرآن من أساسيات الدين، فكيف يصلي المسلم وكيف يعبد الله دون أن يقرأ القرآن ؟!!
تقول صديقة لي :سكنت في عمارة سكنية ضخمة سكانها متعددو الجنسيات ، فلاحظت عجبا،
يرتاد مدرسو اللغة الانجليزية والموسيقى الشقق العربية ،ويرتاد الشقق الهندية مدرسو القرآن
أخذني الحماس قلت لولدي :
ما رأيك أن نحفظ القرآن ؟
فرد ولدي ردا صاروخيا:
لماذا؟!
هل أنا هندي؟
فتنهدت صاحبتي وتنهدت معها:
يا ليتني كنت هنديا ،،،
وسوم: العدد 716