ليقطع دابر القتلة
الجريمة النكراء التي استهدفت باصا للأقباط المصريين في ألمنيا في مصر هذا اليوم 26 أيار –مايو 2017، وحصدت أرواح اكثر من 35 شخصا غالبيتهم من الأطفال، جريمة كبرى وكفر بائن وخيانة للوطن وللأمة. ويجب استئصال من نفّذوها، ومن يقف وراءهم، ومن يؤيّدهم لأنّهم سرطان يفتك بمصر وبشعبها وبالأمّة وبالوطن العربي.
ومن يتابع خطابات أو كتابات "المتأسلمين الجدد" ومن يهتفون لهم ممّن تمّت تعبئتهم جيّدا دون أن تتاح لهم فرصة استعمال العقل، أو العودة إلى النّصوص القرآنيّة والسّنّة الصّحيحة واستنباط ما فيها، سواء كان ذلك عن جهل منهم، أو لثقتهم العمياء بمّن يلقّنونهم، سيجد نفسه أمام خيارات صعبة، ولذلك أسبابه الكثيرة التي تنطوي في غالبيّتها تحت عباءة الجهل، فعلى سبيل المثال لا الحصر إذا ما حاول بعض المتنوّرين الدّفاع عن الدّين الحنيف بوعي بعيد عن الخرافة والتّضليل، نجد من يهاجمه ويتّهمه بالكفر والالحاد، وكأنّ القوم يعلمون ما في الصّدور، والسّبب أنّهم ارتضوا سياسة القطيع، ومن يخرج عن قطيعهم فإنّ البعض منهم يتّهمونه بالرّدة والكفر.
ومثال على ذلك هو الموقف من مسيحيّي الشّرق تحديدا، وهم مواطنون أصيلون وأصليّون، وتوارثوا المسيحيّة عن آبائهم وأجدادهم معتنقي هذه الدّيانة قبل الرّسالة السّماوية المحمّدية-الاسلام-، وهم حريصون على العروبة وعلى الوطن، وثقافتهم في غالبيّتها ثقافة مسيحيّة، اسلاميّة عربيّة، كونها ثقافة شعبهم وأمّتهم، وهو يتحمّلون السّراء والضّراء مع شعوبهم وأمّتهم، واذا ما أوضح مسلم ذلك دفاعا عن دينه الاسلاميّ، وعن شعبه ووطنه، ودرءا للفتن الطائفيّة التي يحاول الأعداء تغذيتها، فإنّنا نجد من يتطوّع مهاجما ومكفّرا ومذكّرا بالحروب الصّليبيّة والحملات الاستعماريّة، ولا يكلّف نفسه مثلا أن يقرأ التّاريخ الذي كتبه المؤرّخون المسلمون، الذين عاصروا تلك المرحلة، وهو أنّ مسيحيّي الشّرق تصدّوا لغزو الفرنجة مع اخوانهم المسلمين، وكانت البداية من انطاكية، وأنّ مسلمي القرن الحادي عشر الميلادي أدركوا أبعاد تلك الغزوات الأوروبيّة، وسمّوها حروب الفرنجة، وأنّ تسميتها بالحروب الصّليبيّة كانت من أمراء وملوك أوروبا الطامعين في كنوز الشّرق؛ لتعبئة فقراء الأوروبيّين واستغلالهم للمشاركة في تلك الحروب.
وفي الحروب مع الاستعمار والامبرياليّة الحديثة، فإنّ للمسيحيّين العرب دورا في التّصدي لهذه الغزوات لا ينكره إلا كافر، وقد سقط منهم ضحايا كثيرون، وتعرّض البعض ولا يزال للقتل والأسر والتّعذيب. فهل سمع "المتأسلمون الجدد" ومن لا يكلّفون أنفسهم معاناة متابعة الأحداث بأسماء مثل: جورج حبش، نايف حواتمة، طارق عزيز وبمن سبقوهم مثل جول جمّال وغيرهم؟ وهل يعلمون أنّ مهندس اقتحام خط بارليف المنيع الذي اجتاحته ودمّرته جحافل الجيش المصريّ في حرب اكتوبر 1973 هو المصريّ القبطيّ اللواء المهندس باقي زكي؟
ومع الأسف فقد استطاعت الامبرياليّة تجنيد "المتأسلمين الجدد" ليخوضوا حروبها معها، بعد الحرب العالميّة الأولى التي تمخّضت عن هدم الامبراطوريّة العثمانية، ووضعت المسلمين في مجابهة الاتّحاد السّوفييتي وحلفائه، واصفة المسلمين "بالسّور الواقي من خطر الشّيوعيّة"، وهكذا.
وحتّى أنّنا نجد من يهاجمون من يدافع عن الاسلام من المستشرقين الذين درسوا الاسلام وتأثّروا به، فمثلا هناك مستشرقة ألمانية تدعى "انجليكا نويفرت" وصفت من يهاجمون الاسلام في العالم الغربي بدراسة طويلة" وممّا قالته: "كلّ من يقول أنّ الاسلام لا يواكب العصر، فهو ذو عقل محدود." فوجدنا من المتأسلمين الجدد من يهاجمها لأسباب يصعب تفسيرها إلا بالجهل وعدم فهم المقروء.
وصلى الله وسلم على خاتم النّبيّين الذي امتدحه الخالق بقوله: "وإنّك لعلى خلق عظيم." وقوله:" وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ."
وقد عاصرنا جميعنا كيفيّة استيعاب الدّول الأوروبّيّة للاجئين الهاربين من بلدانهم "المسلمة"! فيما بات يعرف "بالرّبيع العربيّ"؛ لينجوا بحياتهم من سيوف "مجاهدي" آخر الزّمان، الذين ضلّوا طريق الجهاد، ولم يروها إلا في قتل شعوبهم وتدمير أوطانهم. والويل لمن يخالفهم الرّأي. فهل حاول "مجاهدو آخر الزّمان" استعمال عقولهم؟ وهل فكّروا بالفهم الصّحيح للدّين؟
وفي تقديري أنّه لو اجتمعت كلّ قوى "الكفر" في العالم لمحاربة الاسلام، لما نجحت في ذلك كما نجح المتأسلمون الجدد من الدّواعش وقوى التّكفير الأخرى في ذلك.
ومع تفجير كنائس في العراق وسوريا وقتل وتهجير مواطنين مسيحيّين، إلا أنّه يبدو أنّ القوى الأجنبيّة المعاديّة وفي مقدّمتها الولايات المتّحدة الأمريكيّة، قد ارتأت أنّ الطائفيّة بين "مسلم ومسيحيّ" غير قادرة على تحقيق أهدافها في إعادة تقسيم المنطقة إلى دويلات طائفيّة، خصوصا وأنّ المسيحيّين العرب يشكّلون أقليّة دينيّة، لا يمكن أن تكون كافية لاستمراريّة الصّراع حتّى التّقسيم، وقد شاهد الجميع عمليّات تفجير كنائس قبطيّة، واعتداءات وصلت حدّ قتل بعض المواطنين الأقباط في مصر، من قبل جماعات دينيّة إسلاميّة، ومع بشاعة هذه الجرائم وخطورتها إلا أنّها لم تكن كافية لزعزعة أمن مصر، ولم تنسحب على دول أخرى.
ومن هنا جاءت تغذية الخلافات إلى حدّ الاقتتال بين المسلمين" السّنّة والشّيعة" كما يجري الآن في العراق، سوريّا، لبنان، اليمن والبحرين، وليمتدّ العنف المسلّح للتكفيريّين الاسلاميّين إلى بلدان لا شيعة فيها مثل ليبيا وصحراء سيناء المصريّة.
وسوم: العدد 722