ما هو المسوغ القانوني وبأي وجه حق يسمح لطائفة من الشعب في بلادنا برفع أعلام غير العلم الوطني ؟
أصبح العلمان اللذان يرفعهما بعض سكان الريف يطرحان سؤالا من حق الشعب المغربي أن يطرحه ، ويتعين على الدولة الإجابة عنه والسؤال هو : ما هو المسوغ القانوني وبأي وجه حق يسمح لطائفة من الشعب برفع أعلام غير العلم الوطني ؟
وقبل الخوض في هذا الموضوع نشير إلى أن الأعلام أو الرايات أو الألوية وهي قطع قماش ترفع لترى قد عرفت لدى جميع شعوب الأرض منذ القدم، وهي معروفة في مختلف الثقافات . وترمز هذه الأعلام في جميع الثقافات الإنسانية إلى أمور إما دينية أو عرقية أو تاريخية أو اجتماعية . ويقال أن من بين أسباب رفع الأعلام الحروب التي كانت تدور رحاها بين الأمم . وتعبر الأعلام عن هوية الشعوب وعن سيادتها وكرامتها ومجدها . ولقد خاض أحد الدارسين في موضوع دلالة ألوان الأعلام، فقام بدراسة إحصائية لهذه الألوان ، فلاحظ أن الألوان السائدة في أعلام دول العالم هي بالترتيب : الأحمر ، الأبيض ، الأزرق ، الأخضر ، الأصفر ، الأسود ، إلى جانب ألوان أخرى وهي قليلة قياسا مع هذه الألوان المشهورة . وذهب هذا الدارس إلى أن الحمرة ترمز إلى التضحية من أجل الحرية والبطولة والشهادة كما هو الشأن بالنسبة لبعض الدول العربية ،علما بأن الراية العربية في الأندلس كانت حمراء، وقد ترمز الحمرة أيضا إلى الثورة كما هو الشأن بالنسبة للدول الشيوعية . أما البياض فيرمز إلى السلام ، وقد يرمز إلى الاستسلام أيضا . أما الزرقة فترمز إلى الرفعة وعلو المكانة. وأما الخضرة فترمز إلى الحرية والخير والخصب والنمو ، وهي شعار العلويين حيث كانت الراية الفاطمية خضراء . وبالمناسبة كانت أول راية إسلامية سوداء ، وكانت راية بني أمية بيضاء . والصفرة ترمز غلى الحياة والإرادة والسيطرة . أما السواد فيرمز إلى القوة والبسالة والعظمة . وتحاول بعض الجهات قراءة الدلالات الرمزية لأعلام الدول حسب المعلومات المتداولة بين شعوبها، وقد تكون أحيانا مختلفة مادامت الدول لا تحسم في موضوع هذه الدلالات رسميا في دساتيرها . ومما قيل عن دلالة الراية الوطنية أن اللون الأحمر فيها يعود إلى القرن السادس عشر ، وأن النجمة الخضراء أضيفت في بداية القرن العشرين بعد الاستقلال عن الاحتلال الفرنسي والإسباني ، وقيل إنها ترمز إلى ختم نبي الله سليمان عليه السلام ، كما قيل إنها ترمز إلى أركان الإسلام الخمسة . وإذا أخذنا بدلالة الألوان كما وردت عند الدارس المشار إليه ، فإن حمرة الراية الوطنية ترمز إلى التضحية والشهادة من أجل استقلال الوطن ، بينما تأخذ النجمة الخماسية دلالة دينية سواء تعلق الأمر بخاتم سليمان عليه السلام أم بأركان الإسلام الخمسة ، فضلا عن كون الخضرة ترمز إلى الحرية والسلام والخير والنمو والخصب . ومعلوم أن جميع شعوب العالم تقف إجلالا وتقديرا لأعلامها احتراما لهويتها الوطنية وسيادتها وكرامتها بل قد تذرف الدموع ويحصل الخشوع حين ترفع وتحيا . وإذا كانت حمرة علمنا الوطني ترمز إلى التضحية ، فإن ذلك يعني أننا حين نقف احتراما لها إنما نستحضر دماء الشهداء وتضحياتهم من أجل حريتنا واستقلالنا . وإذا كانت النجمة الخماسية الخضراء التي تتوسط حمرة العلم، فإن وقوفنا يعني أيضا أننا نستحضر قدسية ديننا الحنيف والذي من أجله ومن أجل استقلال الوطن سالت دماء الشهداء. وكل امتهان أو ابتذال للعلم الوطني وبأي شكل من الأشكال يعتبر دوسا على دماء الشهداء وعلى قدسية الإسلام ، وهو دوس على الهوية الوطنية وسيادة الوطن وكرامته وكرامة مواطنيه . ومن أشكال امتهان وابتذال العلم الوطني رفع أعلام ذات دلالات طائفية أو انفصالية كما هو الشأن فيما يسمى حراك الريف ،علما بأنه لا يرفع العلم الوطني في هذا الحراك . ومعلوم أن الخرقة التي ترمز إلى الطائفية ترفع في دول أخرى مجاورة كالجزائر وتونس وليبيا ،الشيء الذي يعني أن الذين يرفعونها يتعصبون للطائفية داخل بلدانهم ، ويقدمونها على انتماءاتهم الوطنية بل أكثر من ذلك يرى المتشددون منهم أن المغرب الكبير ليس عربيا بل هو أمازيغي ، وأن العرب قد احتلوه ، ولا يعترفون ولا يرضون بالفتح الإسلامي الذي كان عربيا وأمازيغيا. ووجود هذه الفكرة لديهم تعني الرغبة الواضحة عند بعضهم والخفية عند البعض الآخر في أكثر من الدلالة على الانفصالية ، وهي الرغبة فيما يسمى وطنا قوميا أمازيغيا على غرار الوطن القومي الذي يحلم به الأكراد في الشرق الأوسط . ومعلوم أن المحتل الفرنسي والإنسباني كان ينفخ في النعرات الطائفية و ما يسمى الظهير البربري شاهد على ذلك . ولا يكتفي بعض أهل الريف برفع الخرقة الطائفية بل يرفعون ما يعتبرونه خرقة ترمز لما يسمى بجمهورية الريف ، وهم بذلك يجمعون بين الطائفية والانفصالية . وعلى الدولة المغربية أن تكون حازمة في موضوع رفع أعلام طائفية أو انفصالية خصوصا مع وضوح نوايا بعض من يرفعونها خصوصا في أوساط بعض الشباب الجامعي الذي يجاهر بدلالتها العرقية والطائفية والانفصالية ، ويفخر بذلك . ولا يمكن أن ترفع هذه الأعلام دون مسوغ قانوني أو وجه حق . ولا يختلف رفع هذه الأعلام في الشمال عن رفع علم الانفصاليين في الجنوب . وإذا كان القانون المغربي يجرم رفع علم الانفصاليين في الجنوب لدلالته الانفصالية والتي تطعن في وحدتنا الترابية ، فلا بد أن تجرم أيضا الأعلام التي ترفع في الشمال والتي لا يتردد بعض من يرفعها من الجهر بدلالتها الطائفية والانفصالية . وإذا كانت الدولة قد منعت خياطة البرقع أو الخمار وتسويقه بقوة القانون لدلالتها على التطرف والإرهاب، فعليها أيضا أن تمتع بقوة القانون حياكة أو تسويق كل خرقة طائفية أو انفصالية تزايد على العلم الوطني ، وتطعن في الهوية والسيادة والكرامة الوطنية وهي كرامة كل المغاربة . وعلى الدولة أن تضع حدا للذين يريدون قدح شرارة الفتنة من أجل خدمة أغراض انفصالية وفق أجندات داخلية وخارجية مكشوفة . وإذا كان القانون يسمح برفع المطالب عبر قنواتها من خلال أحزاب وهيئات وبرلمان، فلا يحق لجهات أخرى ليس لها مشروعية أن تتولى رفع هذه المطالب نيابة عن أفراد الشعب ووصاية عليه لأنه شعب راشد اختار الخيار الديمقراطي وهو يحترم مقتضياته . ولا يمكن أن تتحول المطالب الاقتصادية والاجتماعية والتنموية إلى مطالب انفصالية . ولا يمكن قبول أسلوب تهديد الدولة ومحاولة لي ذراعها من خلال تلك المطالب . ولا يمكن إهانة الدولة وأجهزتها لأن ذلك يعتبر إهانة للشعب المغربي الأبي الذي لن يرضى بتلك الإهانة . ولا يمكن اعتبار وجود جيشنا وقواتنا على ربوع الوطن وهو رمز حماية الوطن وصيانة أمنه واستقراره عسكرة أو شبيها بالاحتلال . ولنا عبرة في ما حدث في بعض الأقطار العربية التي انهارت جيوشها بفعل الغزو الأجنبي والتي حلت محلها الحشود والميلشيات الطائفية التي تعيث فسادا كما هو الشأن بالنسبة للعراق. ولقد كانت بداية تلك الحشود والميلشيات عبارة عن خرق ترفع كأعلام طائفية متعصبة . ولعن الله من يريد إيقاظ الفتنة النائمة.
وسوم: العدد 722