عصيد يوظف حادثة منبر الجمعة في مدينة الحسيمة لتسجيل نقط لفائدة علمانيته وطائفيته
عصيد كما وصفته في مقال سابق قنّاص فرص، لا تعن له فرصة سانحة دون ترديد أسطوانته المعهودة المنتصرة للعلمانية والطائفية والمعادية لكل ما له صلة بالدين . وهذه المرة طلع علينا بمقال تحت عنوان : " حياد المساجد هو الذي يقي من الفتنة " وقبل أن نقف عند ما جاء في مقاله لا بد من وقفة مع عنوانه على طريقة محللي النصوص الأدبية الذين ينطلقون من عناوينها كمؤشرات لوضع فرضيات قرائية لها . فهذا العنوان يتضمن حكما عصيديا مسبقا على المساجد وهو الحياد ، علما بأن المساجد تمثل الدين ، وهذا الأخير يعتبر منهاج حياة لا يمكن أن يكون محايدا وهو كذلك لأن حياده يعني خروجه من غمار الحياة غلى هامشها ،وهو ما يريده عصيد ومن ينحو نحوه العلماني . ويربط هذا العنوان بين حياد المساجد وبين الوقاية من الفتنة، الشيء الذي يعني أن المساجد إن لم تلتزم بالحياد فهي صانعة الفتن والمسؤولة عنها في عقيدة عصيد . وهذا العنوان يكفي كمؤشر لمن يعرف خرجات عصيد ليكتفي بفرضية واحدة ووحيدة للمقال وهي إقصاء عصيد للمساجد من الحياة العامة ليخلو الجو للعلمانية التي هي منهاج حياة عنده والتي لا ينطبق عليها الحياد ومن ثم لا تصدر عنها الفتن مع أن واقع الحال يشهد ويؤكد بأنها أم الفتن في هذا العالم . وينطلق عصيد في مقاله من التعبير عن ثبوت صدق ما كان يتنبأ به ،وما كان يخشاه من إقحام الدين في الصراع السياسي والاجتماعي ، وهو ما حدث في مسجد مدينة الحسيمة الذي تناول فيه الخطيب موضوع الفتنة ، واحتج عليه متزعم ما يسمى بالحراك حين قاطع خطبته وقام خطيبا مكانه وعوضا عنه في سابقة غير مسبوقة. والدين في اعتقاد وقناعة عصيد مجاله الاعتقاد الشخصي ، ولا يمكن أن يكون آلية لتصريف الخلافات سواء كانت بين السلطة والمجتمع أو بين تيارات المجتمع وأطرافه . وهو بذلك يقضي بمنع كل من السلطة أو غيرها من استخدام الدين في خلافاتهما مع غيرهم . ويرى عصيد أن حراك الشارع والنقاش العمومي الذي يتناول قضايا السياسة أو تدبير الشأن العام يفرض المتابعة عبر وسائل الإعلام ،والقاعات العمومية، والشارع ،ومنصات الحوار ، والخطابة السياسية ، وهو شرط لا يمكن أن يتحقق في المساجد لأنها في نظره ليست فضاء للاختلاف والصراع بين التيارات ولا بين السلطة والمواطنين . وهنا أيضا يضع عصيد التيارات والسلطة في كفة واحدة مقابل المواطنين وكأن هؤلاء لا يوجدون ضمن السلطة وضمن التيارات . ويعتبر عصيد أن انفراد السلطة أو فرد من الأفراد باستغلال المنبر الديني ليكيل التهم لغيره أو ليصفي الحساب معه يعتبر جناية غير مقبولة . ويتهم عصيد وزارة الأوقاف الوصية على الدين بازدواجية المكيال حين تعاقب وتردع الخطباء حين تعتبر نفسها متضررة في حين تغض الطرف حين يكون غيرها هو المتضرر، والحال عنده أنه لا أحد يجب أن يكون متضررا من المساجد لأنها لم توجد لذلك، بل هي مجرد أماكن للعبادة والوعظ والإرشاد . ولا ندري كيف سيكون الوعظ والإرشاد إذا هما لم يتناولا واقع الناس الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي ؟ ويبدو أن عصيد يقصد الوعد والإرشاد التعبدي وليس الوعد والإرشاد المعاملاتي . ولا ندري لماذا سيحرك رب العزة جل جلاله كبير ملائكته جبريل عليه السلام لتبليغ رسالاته لرسله من البشر عليهم السلام ليتولوا بدورهم تبيلغها للخلق من أجل تحقيق سعادتهم في حياتهم ، وهي حياة معاملات وليست مجرد حياة عبادات فقط كما يزعم عصيد وتياره العلماني الذي يحاول إقصاء الدين من الحياة، علما بأنه منهاج حياة وضعه خالق الحياة سبحانه ، وأنه يقوم على دعامتين : عبادات ومعاملات وبينهما علاقة جدلية إذ لا تستقيم عبادة عابد دون استقامة معاملاته مع غيره ،وما خلق الله عز وجل الإنسان إلا ليختبر في عباداته ومعاملاته على حد سواء ،ويحاسب ويجازى على ذلك . ويقرر عصيد أن حياد أماكن العبادة عنده مبدأ راسخ من مبادىء دولة القانون والمواطنة وهي الدولة العلمانية التي ينشدها على حساب الدولة الدينية كما يسميها في خطاباته ، والعلمانية وحدها في نظره هي التي تسوي بين جميع أعضائها دون تمييز . ويفهم من كلام عصيد تبرير فعل متزعم حراك مدينة الحسيمة في المسجد يوم الجمعة لأنه كان رد فعل على خطبة الخطيب وإن كان لم يحترم المسجد كما يطالب بذلك عصيد الذي تقلقه خطب الجمعة وهو أمر طالما عبر عنه في مقالاته ومحاضراته لأن هذه الخطب لها علاقة بالدين التي تعتبره العلمانية عدوها اللدود.ولست أدري إن كان عصيد يقرأ ما أنشره عنه بين الحين والآخر ردا على بعض ما يكتبه ، فإن كان يفعل ذلك أطلب منه أن يسأل المسؤول عن الموقع الذي ينشر فيه مقالاته لماذا منع نشر مقالاتي علما بأنه وهو من اتصل بي أول مرة على عنواني الإلكتروني وطلب مني أن أشرف موقعه ب نشر مقالاتي ، ولما نشرت ردودا على أحد العلمانيين المحسوبين على فن التمثيل وكان يطعن في الدين أرسل لي صاحب الموقع على عنواني مرة أخرى اعتذارا عن عزمه عدم نشر مقالاتي ؟ أهذا هو انفتاح التوجه العلماني ؟ وأين ما أقدم عليه صاحب هذا الموقع مما يقوله عصيد من أن وسائل الإعلام هي الأماكن المخصصة للنقاش العمومي والحوار ؟ أين سيطرح أفكاره ، ويناقش ويحاور المواطن غير العلماني المواطن العلماني إذا كانت وسائل الإعلام حكرا على العلماني ، والمساجد مفروض عليها الحياد ؟ إنها قسمة ضيزى . وأخيرا نقول للسيد عصيد إذا كنت ترى أن الدين يجب أن يكون على هامش الحياة ، فأنت إما تجهل الدين أو تتعمد تجاهله ، وأن غيرك الذي يجب عليك احترام رأيه وإرادته وهو يشاركك المواطنة رغما عنك يرى أن الدين يجب أن يكون في عمق الحياة لا في هامشها ، وأن الدين له رأي في كل مجالات الحياة في بلد ينص دستوره على أن الإسلام هو دينه الرسمي، ولا توجد أدنى عبارة تشير إلى أنه بلد علماني أو فيه شيء من رائحة العلمانية . ولا وجود للعلمانية إلا في جمجمة عصيد وجماجم أمثاله، ولكنهم يجعلون ما بجماجمهم في حكم الواقع المعيش ، وينصبون أنفسهم للبث في أمر الدين الذي هو شأن الله عز وجل والذي جعله منهاج حياة وليس مجرد طقوس تعبدية كما يزعمون من فرط حساسية يجدونها في أنفسهم من الدين .
وسوم: العدد 722