أحرارُ الشام: المحليّةُ خيارُها، و زمنُ المُزاودات قد ولّى
يبدو أنّ أحرار الشام باتت على قناعة بأنّ المحليّة باتَتْ خيار الضرورة الاستراتيجية لها، في ظلّ المتغيّرات المتسارعة، التي يعيشها الملف السوريّ، و قد حسمت في ذلك فترة طويلة من التردّد راوحت فيها، ولاسيّما أنّ كلاًّ من قائدها العام ( م. علي العمر )، و رئيس مجلس شوراها ( م. مهند المصري )، قد قطعا بذلك وعودًا مهمّة، لثُلّة من المعنيين بهذا الملف في لقاء حاسم، جمعهم قبل شهرين من الآن تقريبًا في الشمال السوريّ.
لقد كان لقاءً غايةً في المصارحة، و أفضى كلٌّ من الطرفين بما لديه من الهواجس تجاه الآخر، و أُبلغت الحركةُ من غير مواربة بأنّ عليها أنْ تخرج من الحالة الرمادية، و تقطع مع جماعات الجهاديّة العالميّة، و تنحو إلى المحليّة بكلّ جديّة، و تتبنّى المبادئ الخمسة التي تبنّاها المجلس الإسلاميّ السوريّ، و المتوافق عليها من عموم مكونات الثورة، و أنّه و بشكل عاجل عليها أن تُحصِّن قُضاتها بالعمل بمرجعية قانونية ذات شرعية، وَ لْيَكُنْ ( القانون العربيّ المُوَحَّد )، و أن تتبنّى علم الثورة رايةً لها، بعيدًا عن المزاودات في أمر الشعار.
و لعلّ أهمّ ما تطرّق إليه هذا الاجتماع الهامّ، هو ضرورة أن تنفتح الحركةُ على المشاريع الإقليمية و الدولية، التي تُنسج للملف السوريّ، و أن تتعامل معها برؤية سياسية مرنة، بعيدًا عن السقوف العالية، و الغايات الفصائلية، للجماعات الطارئة على الثورة السورية.
فليس هناك اختراق في هذا الملف، من غير بناء شبكة من العلاقات مع أصحاب تلك المشاريع، التي تلتقي مصالحهم في كثير منها مع مطالبهم الأولى، التي أعلنوها في ثورة 2011م؛ فليس ثَمّة ثورة قد انتصرت من غير تحالفات خارجيّة: إقليميّة، و دوليّة.
إنّ الدول الإقليمية الأربعة التي لها تأثير الملف السوريّ هي: تركيا، إيران، السعودية، إسرائيل، و غير خافٍ أنّ مصالح الحركة و المعارضة السورية عمومًا، تلتقي مع تركيا و السعودية منهما؛ و عليها ابتداء أن تعيد النظر في كثير من مفردات العلاقة معهما، لتبدوَ أكثر تقاطعًا معهما، غير آبها بكثير من التشويش الذي سيصدر من جماعات الجهادية العالميّة، التي باتت عبئًا على مشروع المحليّ للسوريين.
ثمّ عليها تاليًا أن تنظر إلى الوجود الدوليّ كأمر واقع، لا مفرّ من التعاطي معه، ولاسيّما غير الروسي؛ فلقد أضح الوجود الأمريكي خارج النقاش، و باتت اليد الأمريكية حاضرة في أهمّ المناطق الجيوسياسية السورية، و هي مأمونة أكثرُ من اليد الروسية، و مع ذلك فإنّ الواقعية السياسية تقتضي من الحركة أن تستمع إلى نصائح حليفيها: التركي و السعودي، و حتى الأردني في التعاطي الحذر مع الرؤى الروسية في شكل الحلّ، و هي موضع اختبار في أمر مناطق خفض التصعيد، و الأمور ليست سيئة تمامًا في ذلك، و يشجعها في هذا ميلُ الحواضن الاجتماعية إلى التهدئة الحالية على عِلاّتها.
إنّ زمن المزودات قد ولّى، و صارَ من الماضي، حسبما جاء في كلمة " العُمَر"، فالقولُ بأنّ الحركة قد تبنّت قانونًا طاغوتيًّا للتقاضي في محاكمها، و أنّها قد وضعت رايةً عُميَّة إلى جانب راية التوحيد، و أنّها تُجالس أعداء الأمة في ( أستانة، و جنيف، و إستنبول )، و تفرّط بحقوق السوريين، أمرٌ قد صار إسطوانة مشروخة.
إنّ سبع سنوات عجاف عاشها السوريون، لكفيلةٌ بأن تحمل المعنيين بأمرهم على المراجعة الجادّة، و السير على سير ضعفائهم، و الابتعاد عن المغالاة في سقف المطالب، و لاسيّما بعدما أثبتت الفصائلية فشلها، و بان عوارُها، و انكمشت المساحة المناطق المحررة لصالح حلفاء النظام، في ظلّ الاقتتال الفصائليّ، الذي جرّ الويلات على السوريين، و حتى على المشاريع الآيديولوجية لتلك الفصائل.
لقد شدّد " العُمَر " على أنّ الشعب قد عانى كثيرًا من أصوات المزاودات بين مكونات الثورة، حتى على صراخها على أهاته، و هي قد حَرَمَتْهُ من كثير من أسباب النجاة التي أباحها الله له.
و بات واجبًا على جميع الفصائل الاندماج تحت راية واحدة، و جسم عسكريّ واحد؛ لكيلا تبغي عليهم تحرير الشام، و إنّ أحرار الشام ستعلن عن تغييرات جذرية في سياستها، و هي على استعداد لتأسيس إدارة مدنية للمناطق المحررة.
فمقوماتُ الصمود و عوامل تغيير المعادلة ما تزال متوفرة في الثورة، و هي قابلة للنجاح في أيّة لحظة، إلا أنها تعاني من الشتات، و إنّ النزاعات الداخلية قد حرفت مسارها و أهدرت جهدها، و إنّ تحقيق الانسجام بين العمل العسكري و السياسي، بعد سنوات من الانفصام، بات ضرورة ملحة لبناء رأس مال للثورة.