سؤال: " من أين لك هذا ؟ " حلم طالما راود الشعب المغربي ولا زال فهل سيتحقق في يوم ما ؟

كلما ضجت فضيحة اختلاس منسوبة إلى منتخب أو موظف إلا وراود الشعب المغربي تحقيق حلم  : " من أين لك هذا ؟ " وهي عبارة  راجت في فترة من فترات  ما بعد الاستقلال لكنها سرعان  تبخرت كسراب بقيعة حسبه الشعب الظمآن  والتواق إلى حسن توزيع الثروة ماء لكنه لم يجده شيئا ووجد مختلسي المال العام عنده طلقاء لا يحاسبون ، ولا يساءلون حتى صارت ثرواتهم المنهوبة  اليوم تتضاعف  بوتيرة غير مسبوقة ، وصار الشعب يسمع  عنها حتى كان آخر ما سمعه  حكاية المال المنهوب في حد السوالم . ومال المال المنهوب في حد السوالم إلا غيض من فيض كما يقال . ولقد جعلت حكاية حد السوالم الشعب المغربي المعروف بحبه للدعابة والفكاهة  حتى في أحلك اللحظات التي تمر به يبدع من النكت ما يعكس سخطه بطريقة  هازلة فيها مرارة   من الفساد الذي يجثم على صدره في غياب الرقابة و غياب ربط المسؤولية بالمساءلة التي نص عليها  بشكل صريح آخر دستور صوت عليه المغاربة مستشرفين بذلك عهدا يقطع صلته بماضي الفساد المقيت .  ومن صور الهزل التي تداولها المغاربة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ورقة مالية من فئة 200 درهم عليها صورة  منتخب وبرلماني حد السوالم . ومن الصور الهازلة أيضا نشر جدول يتضمن رواتب الموظفين في مختلف السلالم وقد جعل حد السوالم آخر سلم بأضخم رصيد مالي . وسخر المغاربة  كثيرا من تبرير البرلماني حين زعم أن ما ضبط معه من ثروة هي عملية " دارت " المعروفة ، وعلى تبريره ينطبق القول المشهور : " عذر أكبر من الزلة " . ولا زالت عبقرية المغاربة في النقد الساخر والمر في نفس الوقت تتفتق عن صور هزلية متتالية كل يوم خصوصا وأنه لا عزاء لهم إلا في هذا النوع من النقد ، وقد فقدوا الثقة في القضاء على فساد استشرى  بين  موظفين ومنتخبين وبرلمانيين  وخدام دولة أو بالأخرى هدام دولة ،وصار هذا الفساد خارج السيطرة . ومعلوم أن مسطرة المساءلة التي تقوم على أساس " من أين لك هذا ؟ " مسطرة بسيطة الإجراء تقتضي إحصاء ممتلكات وأرصدة جميع موظفي الدولة  في مختلف القطاعات وبمختلف الرتب وعلى وجه الخصوص أصحاب المناصب والنفوذ ، وجميع المنتخبين والبرلمانيين حين يباشرون مهامهم  أول مرة ثم  تعاد عملية الإحصاء بعد انتهائهم من مهامهم وتجرى مقارنة بين الإحصاءين لمعرفة كيف حصلوا على ثرواتهم وممتلكاتهم خلال تحمل مسؤولية من المسؤوليات . ولو أن هذه المسطرة عرفت التنزيل والتطبيق منذ رفع شعار " من أين لك هذا ؟ "  أول في الستينات من القرن الماضي لما حدث مثل ما حدث في حد السوالم وفي غير ه، وهو غيض من فيض كما ذكرنا . ولدى جميع المغاربة حقائق ثابتة عن مسؤولين في مختلف الوزارات والجماعات وممثلي الشعب في البرلمان تتعلق بتحصيلهم ثروات وممتلكات لا يمكن الحصول عليها بتاتا بالأجور ولا بالتعويضات ولا حتى بما يسمى الامتيازات . ولا يكاد بعض هؤلاء يقضون فترات قصيرة في مهامهم أو مسؤولياتهم حتى تظهر عليهم النعم بكل اشكالها وألوانها ، ويتغير حالهم من حال إلى حال، فيقول من  كان يعرفهم على أول حال  سبحان مبدل الأحوال . ومن فرط جشع هؤلاء يبالغون في اقتناء كل ما خطر لهم على بال ، ويقصدون كل مكان لم يكن لهم به علم  من قبل حتى على خرائط الجغرافيا الطبيعية ، ويطيرون في  الأجواء التي لم يحلموا بركوبها  من قبل . ولطالما صارت زيجات هؤلاء وقد كن ربات بيوت  بلا وظائف ولا تجارة يدرنها صاحبات أرصدة وأموال وممتلكات مسجلة بأسمائهن في دور التسجيل ، ولو سئل أزواجهن يوم تقلدوا المناصب والمسؤوليات عن أرصدتهن وممتلكاتهن لصرحوا بأصفار أيديهن . وكثيرات هن زيجات ناهبي المال العام اللواتي تغير حالهن من حال بساطة  ربات بيوت إلى حال  ذوات اليسار والجاه، وصارت لهن شعور غير شعورهن وملابس غير ملابسهن ، ومراكب لم يركبنها من قبل ، وصار لهن خدم منهم السائق والطباخ  والبستاني، و أستاذ الرقص وأستاذ السباحة  و أستاذ الرياضة ، وأستاذ ركوب  الخيل وحتى من يروض كلابهن وقططهن ، وإن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى . ولقد تابعت يوم أمس على القناتين الأولى والثانية لقاء رئيس الحكومة الجديد يعد المغاربة بربط المسؤولية بالمحاسبة والمحاكمة وفي نبرة صوته ما يوحي بأنه غير قادر على ذلك لأن الأمر يتعلق بالكشف عن تماسيح وعفاريت لم يستطع سلفه الكشف عنها، وكان قد وعد بذلك أيضا  لكنه انتهى إلى حل " عفا  الله عما سلف "  وحاله حال حكاية الذئب الذي ظل يقفز ليصيب عنقود عنب فلما يئس من الوصول إليه عزى نفسه بالقول إنه حامض . ولا شك أن رئيس الحكومة الجديد لا يعدم حسن النية والطوية كما كان سلفه ولكنه لا يقوى على مواجهة تماسيح معها عفاريت لا قبل له بهم . ولقد استشرى الفساد  في بلدنا حتى صار صغار الموظفين  والمسؤولين يحاكون كبار المسؤولين والموظفين في نهب المال العام كل حسب ما تصل إليه أيدهم من تجهيزات و ممتلكات ووقود سيارات ...إلى غير ذلك مما يدخل تحت مسمى الملك أو المال العام . وصارت زيجات صغار المسؤولين والموظفين يحلمن بحال زيجات كبار المسؤولين والموظفين ويحاكيهن على قدر المستطاع وعلى قدر ما ينهب أزواجهن  من المال العام الذي هو في حكم السائب في غياب الرقابة العتيدة . والمؤسف أن  يوجد ما يسمى إجراء تفويت ممتلكات الدولة والأصح أن تسمى ممتلكات الشعب ، وكأنها تركة هالك تورث ، ويتم تفويت العقارات والأراضي ذات القيمة إلى لمسؤولين والموظفين بالثمن الذي اشترى به عزيز مصر نبي الله يوسف عليه السلام  ، وهكذا انتقلت ملكية  العقارات والأراضي من ملكية الدولة التي هي ملكة الشعب إلى ملكية الموظفين والمسؤولين  النافذين . ولو حسبت مرتبات  وتعويضات هؤلاء منذ تقلدهم وظائفهم ومسؤولياتهم دون صرف سنتيم واحد منها  على طعام أو شراب أو كسوة أو دواء أو تمدرس أبناء ... لما بلغت معشار ما وصلت إليه أرصدتهم وممتلكاتهم ، ويكون الجواب عن سؤال : " من أين لك هذا ؟ واضحا  ، ولكن من ذا الذي يسترد المال والعقار المغصوب؟ . ولقد ضحكت ملء شدقي ساخرا يوم أمس من قول رئيس الحكومة  على المواطنين التبليغ عن المفسدين من ناهبي المال العام ، وإن شاء  سيادته همست في أذنه: هلا أرسلت لجانك العديدة التي وعدت بها  المغاربة إلى كل الإدارات  وكل القطاعات، ولتبدأ تلك اللجان باستفسار  المستخدمين والأعوان وهم عيون  بحكم مهامهم ، وصغار الموظفين أو ضعافهم  شريطة إعطائهم الأمان  وحمايتهم من الانتقام عما يحدث فيها من فساد و نهب وسلب على يد أصحاب النفوذ فيها. إن  المستخدمين والأعوان وصغار الموظفين يسرون أحيانا بنهب وسلب أصحاب النفوذ إلى المواطنين أمثالهم، ولكنهم يتوسلون إليهم ويأخذون منهم موثقا من الله ألا يحدثوا بما سمعوا منهم خوفا من الانتقام منهم وبئس الانتقام . فلو استطاع رئيس الحكومة أن يصل إلى هؤلاء الشهود وهم عدول وثقات لأحيط علما  بما أحاط  به الهدهد نبي الله سليمان عليه السلام . وهل يستطيع رئيس حكومة فرضت عليه رئاستها  فرضا وقد نزعت من سلفه نزعا  أن يقضي بما قضى نبي الله سليمان عندما بلغه خبر سبإ اليقين ؟ وأخيرا نكرر ونحن على يقين أن الشعب المغربي سيظل يراوده حلم تنزيل وتطبيق إجراء  " من أين لك ذلك ؟ " ولكن لا يقين لنا بأن  هذا الحلم سيتحقق  يوما كما تحقق حلم نبي الله يوسف عليه السلام وحلم صاحبيه في السجن .    

وسوم: العدد 727