العِمَاد مصطفى طلاس .. وزير الهجوم!..

حين نأتي على ذكر الدبابات والمدرّعات، لا يفوتنا أن نذكرَ الزعيم العسكريّ المجرم، القادم على ظهورها، إلى (وزارة الدفاع) السورية!.. الوزارة التي بقيت مُطَـــــوَّبَـــةً باسم العماد، حتى ظن السوريون أنها ستبقى باسمه، ما بقيت (مَيْسلون)!.. فهي (ماركة) مُسَجَّلَة باسمه، منذ انقلاب عام 1970م.

العمادُ الذي رسّخ سلطة (المناضلين) الطائفيين، المؤمنين بمنجزات الوحدة والحرية والاشتراكية!.. كان يوقِّع، بتفويضٍ من المجرم حافظ، على إعدام مئةٍ وخمسين مواطناً سورياً فحسب!، كل أسبوع، من خيرة أبناء الشعب السوريّ، ويُـجيز إزهاق أرواحهم بجرّة قلم، أسبوعياً، طوال سنواتٍ من التاريخ  الأسود للجمهورية الوراثية الطائفية!..

*     *     *

العمادُ، الذي لم يسمح له حبيبه (الفريق) المقبور حافظ، أن يُسمّى (فريقاً)، على الرغم من أنه من شريحة الرفاق المناضلين نفسها.. هذا العماد الوفيّ لسيّده الدكتاتور، لم يكن ينسى أن يُــرتِّبَ (نياشينه) على صدره، قبل أن يُنعم علينا بطلّته البهيّة، من غرفة العمليات (الحربية) الأمامية!، في استوديوهات التلفزيون العربيّ السوريّ، وكأنّ ديكور الاستوديوهات إياها، لا ينقصه إلا تلك الألوان الكوكتيل، التي تتلألأ على صَدْرِ العماد، صانع الانتصارات والأمجاد!..

صَدْرُ العماد الرحب المزدحم بنياشين (التوازن الاستراتيجيّ).. وتحرير الجولان، وحيفا، ويافا، والقدس.. وحماة!.. صَدْرُ العماد هذا، لم يعد يتّسع لنياشين إضافيةٍ يُنعم بها عليه سيّده الجديد بشار، الوريث (غير) الشرعيّ الوحيد لأبيه المجرم المقبور.. من مثل: نيشان (الخيار الاستراتيجيّ) أو السلام مع العدوّ الصهيونيّ!.. وكان هذا هو التحدّي الأكبر لمعالي العماد في تلك الأيام!.. على الرغم من أنّ بعض العباقرة المحنَّكين، من جنس المجرم الطائفيّ النصيريّ (بهجت سليمان).. قد حَلّ هذه المعضلة العماديّة، وذلك بتقديم المشورة الذهبية العائلية إلى (جلالة الرئيس) الوريث، بأن يُعَلَّقَ نيشان (الخيار الاستراتيجيّ)، على ظهر معالي الوزير، بدلاً من تعليقه على صَدْرِهِ المزدحم!.. وبهذا يصبح (العماد) خلال مدةٍ قصيرة، مُغلَّفاً بالنياشين (على الوَجْهَيْن): وجه أماميّ للحرب.. ووجه خلفيّ للسِّلم!..

العماد الذي أمضى العقود الطويلة في الجيش ووزارة الدفاع، تُعادل ما يقرب من ضِعْفَيْ عُمْرِ (جلالة الرئيس) الوريث، كلّه.. لم يكن حانقاً، ولا مُكتئباً، لبلوغ (جلالتة) رتبةَ (الفريق)، خلال دقائق!.. فهو (أي العماد) يعلم تماماً، أنّ بشار بن المقبور حافظ، أشدّ منه امتلاكاً للمورّثات النضالية، وبالتالي أحقّ منه (رتبةً)، وفق القانون العصريّ الحضاريّ للألفية الثالثة، الذي يسير على هَدْيِهِ النظامُ الجمهوريّ الوراثيّ، للرفاق المناضلين، الذين يستحقّون –دون غيرهم- رتبةَ (فريق)، خلال عشر دقائق من عمرهم (العسكريّ)!..

*     *     *

وزير الدفاع الزاحف، المفتون بِصُوَر الممثّلات العالميات، والمطربات الأجنبيات، والفنانات الأوروبيات.. التي كانت معلَّقةً على جدران مَقرّه (الحربيّ)، بالطريقة نفسها، لتعليق النياشين على صدره، الوزير الزاحف هذا.. كان يتمنّى لو أنّ محاولاته المتكرّرة في عهد الدكتاتور حافظ، قد أثمرت لإطلاق اسم: (وزارة الهجوم) على وزارته، كما كان يتمنّى، لو أنّ (جلالة الرئيس) الوريث، قد وافق على ذلك، خلافاً لموقف والده المقبور، باعتبار أنّ الهجوم، كان ممنوعاً في العهد (الميمون) الأول للأب، ما جعل الجولان المحتلّة، تنعم بالهدوء والاستقرار، طوال عقودٍ عدّة، بالتمام والكمال!..

الدكتاتور المقبور حافظ، كان يَعي تماماً، أنّ الدفاعَ خيرُ وسيلةٍ للهجوم!.. والدليل على ذلك، أنه عندما كان وزيراً للدفاع، في عام سبعةٍ وستين وتسع مئةٍ وألف، قد دافع بضراوةٍ لا مثيل لها عن الوطن السوريّ.. فضاعت –بجهوده العظيمة- هضبة الجولان، وكادت أن تضيعَ دمشق، لولا أنّ الصهاينة وقتها، لم يطلبوا منه تسليمهم العاصمة أيضاً!.. أما حبيبه العماد طلاس، فعندما راودته نفسه بالتفكير في الهجوم على العدوّ الصهيونيّ، (لتحرير) فلسطين المحتلّة.. فإنّ تسعين بالمئة من لبنان، قد ضاعت بقبضة المحتلّ الصهيونيّ، وذلك في صيف عام 1982م!.. ما أدخل رئيس وزراء الصهاينة آنذاك، المجرم المدعو (مناحيم بيغن)، في أجواء الكآبة والغيظ، لأنّ مَعالي العماد (رجل الهجوم الساحق)، بالتعاضد مع سيادة الفريق حافظ (رجل الدفاع الممانِع الصامِد).. استطاعا، بهمّة قوات (الرّدع) الأسديّة التي يقودها الشقيق المجرم رفعت.. استطاعا حماية (عُشْرِ) لبنان من الاحتلال الصهيونيّ!.. وممّا زاد في كآبة الصهيونيّ (المردوع) بيغن.. هو تهديد العماد ووعيده، بتحرير الجولان (السوريّة)، عن طريق قتالٍ ضارٍ شرسٍ.. حتى آخر مقاتلٍ (لبنانيٍّ) و(فلسطينيّ)!..

*     *     *

(جلالة) الرئيس الوريث!.. نسف كلّ المصطلحات الحربية المتخلّفة البالية، وبخاصةٍ بعد أن اكتمل تحرير الجولان وفلسطين، مروراً بنخاع (التوازن الاستراتيجيّ).. إذ احتلّ مصطلح (الخيار الاستراتيجيّ) الموروث، مَوْقِعَه اللائق، في منظومة المصطلحات الحربية الهجومية للعهد الجديد، النابعة من صميم ممانعة وزارة الهجوم العماديّة، وهي من الخصال الموروثة أيضاً، عن وزارة الدفاع الحافظية، التي أغرقت الصهاينة في البحر، أثناء حرب حزيران لعام 1967م!.. مع العلم التام لجلالته ومَعاليه، بأهمية الخطط (السلمية) الجهنمية، لإلقاء مختلف أنواع الرعب والترويع، في قلب العدوّ الصهيونيّ، وصدره.. ودماغه!..

لو أنّ (جَرِيراً) كان موجوداً بيننا في ذلك الوقت، لما تردّد في نَظْمِ قصيدته (العماديّة)، بمطلعها:

 

زَعَمَ العِمادُ أنْ سيهزم شاروناً = أبشِرْ بِطُـولِ احتـلالٍ يا شُوَيْرِنُ

*     *     *

بعد أن تحقّق حُلم (الخيار الاستراتيجيّ)، لصناعة السلام (والوئام) مع العدوّ الصهيونيّ، وبعد أن أنعم (جلالة) الرئيس الوريث، على مَعالي العماد، بالنيشان الخاص بذاك الحُلم الذي صار حقيقة.. اكتملت ألوان اللوحة التشكيلية العمادية الزاهية، على صدر (وزير الهجوم).. وقَفاه!.. فأصبح مؤهّلاً لمنصب (نَصْبٍ تَذْكَاريّ)، في (المتحف السِّلميّ)!.. الذي كان سيُشَيَّد بمرسومٍ جمهوريٍّ وراثيّ، على أنقاض (المتحف الحربيّ)، في قلب العاصمة دمشق!.. وعندئذٍ.. كان يمكن أن تُلغى وزارة الهجوم (الدفاع سابقاً)، وتُلحَق بوزارة (السياحة)!.. التي سيُطلَق عليها اسم: (وزارة الخيار الاستراتيجيّ)!.. تشجيعاً ليهود العالم، في طليعتهم يهود الكيان الصهيونيّ، لاحتلال دمشق (سياحياً).. ما يجلب النعيم والرخاء، والازدهار الاقتصاديّ والاجتماعيّ والقِيَمِيّ، لسورية (الصمود والتصدّي.. والممانعة)!..

لو كان المرحوم (أحمد شوقي) حيّاً يُرزَق، لخاطب العمادَ الوزيرَ المخلصَ المعزول، الذي مُنِح رتبة (نَصْبٍ تَذْكَاريّ)، قائلاً:

بـرزَ الطُّلَيْسُ يـومـــاً = في ثيـاب العَسْكَرِيــــــنـــــــا

راحَ في التّلْفازِ يَهــذي = ويَسبُّ الفـاسِديـــنـــا

فهــــــــــو للـــطّغــــاة وزيــــرٌ = مُتْخَمٌ بالنّياشــيــنـــــا

*     *     *

إنه العمادُ يُناضِــل = مــع (داليدا) و(دينــا)!..

دَوَّخَ اليهـودَ دفاعــاً = بالطّنــاجــر والصُّحُونــا!..

أشبَعَ العدوَّ هُجـــومــاً = (بالأتـاري) والطَّحينــا

يــــا لَــعــارِكَ يا طُلَيــْسٌ = يا لَــعارِ المُسْتَكِيــــنــــا

*     *     *

اسأل الأحرارَ ممــّن = دَخَل السِّجنَ اللّعيــــنـــــا

مِن ذوي الآهات مِـمّن = غابَ فعلاً بل يقينــا

اسأل الآلافَ مِــمـّـن = فَــرَّ بــــــالإسلامِ دِيــــــــنــــا

هل سألتَ الشّامَ عَـمّـــــــــــــن ذُبْنَ شَوْقاً وحَنــــيــــنـا

اسأل الطّفــلَ الذي = ضاعَ في الوطنِ حَزِيــــــنـــا

اسألِ الوطــنَ الذي = باتَ سِجناً وسَجِيـــــــــــنـــــا

مُـخطِئٌ مَنْ ظنَّ يومـــاً = أنَّ للآسادِ دِيـــــــــــــــــــنـــــا

*     *     *

ذاك هو العِمادُ المشؤوم مصطفى طلاس، المقبور منذ أيام، عِمادُ الصمود والتصدّي سابقاً!، وعِمادُ الممانعة (من وراء الكواليس) لاحقاً!.. وعِمَادُ التوقيع على إزهاق أرواح ألوفِ السوريين، في سجن تدمر الرهيب!.. ذاك هو العِمادُ الراحل إلى دار الحساب والعقاب، بين يدي مليكٍ عادلٍ مقتدر.. فهل عرفتموه؟!..

وسوم: العدد 727