الحشد الشعبي وتحدي تبديد الخوف من البدر الشيعي
مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
حققت قوات الحشد الشعبي اهدافها العسكرية المرسومة ضمن إطار عمليات تحرير محافظة نينوى بعد ان اُسند لها محور غرب المحافظة، ولم يكن المحور سهلا بسبب الترابط والتواصل بين تنظيم داعش في العراق وسوريا وهو ما دافع عنه تنظيم داعش الارهابي بإستماتة للحفاظ عليه لكن من دون جدوى.
حيث تمكنت تلك القوات من تحرير قرى ومدن غرب الموصل حتى وصلت الى الحدود العراقية–السورية القريبة من مدينة الموصل يوم الاثنين الماضي 29/ايار/2017. وواصلت قوات الحشد الشعبي مهامها واستطاعت كسر خط الصد الاول لداعش الذي يستخدمه لدعم تشكيلاته في الاراضي السورية بسيطرتهم على منفذ جاير غلفاس. وتواصل تلك القوات تقدمها باتجاه تل صفوك الحدودي الذي يقع غرب البعاج وتم السيطرة على القرى القريبة منه. وتهدف قوات الحشد الى الوصول الى كامل الحدود للعراق مع سوريا في مدينة القائم وال بوكمال لتحكم السيطرة على الحدود بالكامل لتسهل عمليات تحرير ماتبقى من مناطق الجزيرة وغرب الانبار من خلال قطع الامداد. الامر الذي يقصم ظهر داعش ويمنعه من مزاولة حرية التنقل بين العراق وسوريا.
ومع اهمية هذا الانجاز بالنسبة لاستراتيجية تحرير كامل الاراضي العراقية من سيطرة داعش الارهابي، الا انه اعاد مخاوف المنطقة وبعض الدول الكبرى في التحالف الدولي ومنها الولايات المتحدة الاميركية من امكانية حصول ايران على ممر بري يربطها بسوريا وحزب الله عبر العراق بعد وصول قوات الحشد الشعبي المسيطر عليه من قبل ايران حسب رأيهم.
لكن ماهي الدوافع لهذا التخوف؟ هناك عدد من المعطيات شكلت هواجس لإعلان هذا التخوف وهي:
- قبل مدة قصيرة تكلم أحد زعماء الحشد الشعبي عن تكامل "البدر الشيعي" في المنطقة حيث الحرس الثوري في ايران والحشد الشعبي في العراق وحزب الله في لبنان وانصار الله في اليمن. وهذا يعيد الى الاذهان خطورة التهديد الذي عبر عنه ملك الاردن قبل سنوات واسماه بـ"الهلال الشيعي".
- هذا الانجاز يُنظر له من قبل المعارضة السورية والدول الاقليمية الداعمة لها على انه ربط الجانبين العراقي والسوري مع بعض والذي سيمنح الرئيس السوري بشار الأسد ميزة كبيرة في حربه المستمرة منذ أكثر من ست سنوات على مقاتلي المعارضة. ويعتقدون ان الحكومة العراقية تريد السيطرة على المنطقة الحدودية مع سوريا بالتنسيق بين الحشد الشعبي والجيش السوري وكلاهما يحظيان بدعم ايراني.
- نشرت وسائل إعلام إيرانية ونشطاء، الأربعاء 31/5/2017، صورا لقائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني أثناء تواجده في الحدود العراقية السورية مع فصائل الحشد الشعبي.
وقال موقع "شهداء إيران" الايراني في تقرير إن "سليماني يتواجد على الحدود العراقية السورية بعد تقدم الحشد الشعبي وسيطرته على القرى القريبة من حدود مع سوريا". فيما علقت حسابات إيرانية على تويتر على الصورة بالقول "ان الارض التي تربط سوريا بإيران تقترب كل يوم". الامر الذي خلق مبررات وهواجس كبيرة لدى أطراف المعارضة السورية بالرغم من تأكيد الحشد الشعبي انه لايمكنه دخول الاراضي السورية الا بعد التنسيق بين الحكومتين السورية العراقية وموافقة مجلس النواب لان الدستور العراقي يؤكد على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
- ترى الاطراف الاقليمية والعالمية ان ظهور قاسم سليماني يعني ان ايران وضعت العراق ضمن المنظومة الامنية الايرانية الامر الذي يؤثر سلباً على العراق سياسياً ويضعه في إحراج كبير. وغالبا مايختار سليماني اوقاتا معينة للظهور موفرا بذلك مادة اعلامية تثير الرأي العام على مستوى المنطقة وبعض الاطراف العالمية ويضفي وقودا على صراع الادوار حسب البعض.
-تنظر قوات سوريا الديمقراطية-التي تضم اعدادا كبيرة من الكرد السوريين- بحذر الى تقدم قوات الحشد الشعبي على الحدود العراقية السورية لاسيما وان هناك تصريحات سابقة لبعض قيادات الحشد بإمكانية دخوله الى سوريا، ووجود فصائل عراقية تقاتل الى جانب قوات النظام السوري، فضلا عن وجود قوات ايرانية تقاتل ايضا الى جانب قوات النظام السوري.
- استهداف التحالف الدولي لمكافحة داعش قبل مدة قافلة لقوات قال انها ايرانية في منطقة التنف السورية الحدودية.
هذه المعطيات اثارت مواقف خارجية حول وصول الحشد الشعبي الى الحدود العراقية السورية وعملياته على الحدود. فقد نقلت صحيفة الشرق الاوسط موقف قوات سوريا الديمقراطية في حالة دخول قوات الحشد الشعبي الى سوريا. اذ أعلن القيادي الكردي السوري قائد قوات الشرطة جوان إبراهيم في قوات سوريا الديمقراطية، أن قواته التي تضم وحدات حماية الشعب الكردي، ستقاوم الحشد الشعبي العراقي في حال عبر الحدود إلى مناطق سيطرتها، معتبرا "أنهم لن يقبلوا وجود إيران، ولن يكونوا جسرا بين الحشد العراقي والنظام السوري". فيما قال مسؤول كردي آخر "ان وحدات حماية الشعب لن تقبل بأي شكل من الأشكال أن تكون جسرا بين الحشد والنظام". وتابع، " بالنسبة إلينا لا فرق بين تركيا وإيران والنظام، كلهم يعملون ضدنا، في حال دخل الحشد إلى مناطقنا سيلقون مقاومة شديدة، ولن نقبل بالتخلي عن العرب الذين يقاتلون معنا ضمن قوات سوريا الديمقراطية ضد داعش".
من جانب آخر، حذر نائب قائد العمليات الخاصة الأميركية توماس تاسك من اخلاء الساحة في العراق لإيران في معرض تعليقه على تقدم الحشد في الحدود السورية-العراقية. تحذير الجنرال تاسك تزامن مع نشر مقال افتتاحي نشرته صحيفة تايمز البريطانية عدّ سيطرة فصائل تابعة للحشد على قرى على الحدود مع سوريا تمدداً لإيران ومنح موطيء قدم لطهران بشكل متقدم في ظل سباق محموم بين قوات النظام السوري وأميركا للوصول إلى تلك المنطقة حيث هناك ثمة سباق بين القوات المدعومة من واشنطن وقوات النظام في سوريا للوصول إلى هذه الحدود، وتتساءل الصحيفة هل سيفوز النظام السوري ويكمل قوسا بمساحة نحو 500 ميل من المناطق الخاضعة للشيعة تمتد من إيران إلى لبنان، ليتحقق ما ظلت تحلم به طهران لزمن طويل في السيطرة على ممر أرضي يمتد إلى البحر الابيض المتوسط.
ولأجل ذلك اعلن الجيش الاميركي يوم الجمعة 2/حزيران تعزيز قوته القتالية في جنوبي سوريا وحذر من تهديد المقاتلين المدعومين من قبل ايران على قوات التحالف التي تقاتل داعش. وقال المتحدث باسم الجيش الاميركي، الكولونيل ريان ديلون، اليوم (2 حزيران 2017)، "لقد عززنا تواجدنا وعددنا وأصبحنا مستعدين لأي تهديد من القوات المؤيدة للنظام" وذلك في إشارة إلى قوات مدعومة من إيران تدعم القوات السورية الحكومية، بحسب وكالة رويترز.
ان المنطقة الجنوبية الشرقية من الصحراء السورية المعرفة باسم البادية باتت جبهة مهمة في الحرب الأهلية السورية بين قوات الجيش النظامي المدعوم من إيران وفصائل عراقية وبين معارضين يسعون للإطاحة به، ويتنافس الطرفان للسيطرة على أراضي يسيطر عليها تنظيم داعش الذي يتراجع أمام هجوم مكثف في العراق وعلى امتداد حوض نهر الفرات في سوريا.
في ظل جهود التحالف الدولي لمكافحة داعش المساندة للجهود العراقية فان تلك الاشارات تجعل الحكومة والحشد الشعبي في موقف حرج كبير وهو تحدي امامهما. فما هو مؤكد ان الحكومة العراقية ووفق خطط قيادة العمليات المشتركة قد اوكلت مهمة تحرير القرى والقصبات الحدودية الى قوات الحشد الشعبي لتتولى وحدات القوات المسلحة العراقية بمختلف صنوفها التعامل مع ماتبقى من ايمن الموصل ومن ثم الحويجة وصولا الى القضاء على جيوب داعش الارهابي في ما تبقى من غرب جزيرة سامراء ومدن غرب الانبار.
ادراكا لتلك التعقيدات، لانرى مصلحة كبيرة من موافقة الحكومة العراقية على ملاحقة قوات الحشد الشعبي لعناصر داعش داخل سوريا لاسيما وان الحالة السورية مختلفة عن الحالة العراقية بسبب طبيعة الصراع في سوريا والاطراف المتحاربة وهي حرب اهلية جارية منذ أكثر من ست سنوات وهي حالة معقدة تلعب التحالفات الاقليمية والادوار الدولية دورا كبيرا ومؤثرا فيها. والعراق اليوم في غنى عن زج نفسه في هكذا حالة معقدة.
كذلك فان الصدام بين قوات سوريا الديمقراطية والحشد الشعبي سيزيد الحالة تعقيدا وستكون نتائجه سلبية لاسيما ان الولايات المتحدة زودت المقاتلين الأكراد في قوات سوريا الديمقراطية بأسلحة ومعدات لمحاربة تنظيم "داعش" شمال سوريا، تحضيرا لمعركة الرقة "عاصمة" التنظيم منذ الاسبوع الماضي. وقال المتحدث باسم البنتاغون أدريان رانكين-غالواي في تصريح صحفي: "بدأنا تسليم أسلحة خفيفة وآليات إلى العناصر الأكراد" في قوات سوريا الديمقراطية، التي تضم قوات كردية بشكل أساسي وأخرى عربية تحارب تنظيم داعش".
وسوم: العدد 728