زوار "موروكو مول" في المدينة الذكية والرفاهية الزائفة

يخيل لمن يزور أسواق " موروكو مول " بمدينة الدار البيضاء أن زوارها أهل يسار ورفاهية ، ولا يمتون بصلة لسواد الشعب الكادح  لتحصيل لقمة عيشه الكفاف . ولا شك أن أصحاب هذا الفضاء التجاري قد توخوا بإنشائه المساهمة في نقل العاصمة الاقتصادية  إلى مستوى المدن الذكية  . ومعلوم أن لرواد أسواق المدن الذكية  مواصفات وعلى رأسها الرفاهية والقدرة الشرائية، وهو ما لا تعكس حقيقة زوار" موركو مول" الذي لا يعيش معظمهم تلك الرفاهية حقيقة  بل حلما وافتراضا، ولا قبل لهم بقدرة شرائية تسمح لهم بالتسوق من أروقته التي تعلق على أنواع البضاعات  المختلفة يافطات رسمت عليها أثمنة يشد من يطالعها على  صدره شفقة على قلبه كا يشد على جيبه مواساة له . وإذا تفحص المتتبع سحنات زوار " المول " فإنه يلاحظ باستمرار نفس ردود الأفعال ونفس السلوكات ، ذلك أن علامات الاندهاش من أثمنة البضاعة تعلو جميع الوجوه وتصاحبها عبارات الاستنكار مع عض الأصابع من الدهشة والاستغراب والحوقلة أحيانا . وفي هذا الفضاء الذي  لا يمت بصلة إلى الواقع الاجتماعي والإنساني للمدينة الذكية، وهي التي اجتمعت فيها  كل الطبقات الاجتماعية  مع هيمنة ملحوظة  للطبقات الهشة  التي اضطرها  شظف العيش  في البوادي والأرياف إلى الهجرة  نحو هذه المدينة  التي لا يستطيع العيش فيها الإ الأذكياء  ذكاء الجيوب لا ذكاء العقول  بل يشقى فيها ذوو العقول شقاء غيرهم لأن قاسمهم المشترك هو ضيق ذات اليد ، وهو ضيق له مستويات ،  في هذا الفضاء يقف المتتبع للعنصر البشري على رفاهية زائفة حيث يقضي زوار المول ساعات طوال  يتجولون بين أروقته ويعيشون حلم الرفاهية المنشودة  بهذا التجوال ،ولا يتسوق تسوق الرفاهية  حقيقة إلا القلة القليلة منهم . و يمثل التجوال في المول أيضا  فرصة  تنفيس عن مكبوتات الاقتناء ،كما أنه فرصة أحلام يقظة برفاهية بعيدة المنال ودونها أهوال  وغيلان . ولا شك أن تعويم العملة الوطنية المزمع تنفيذه  سيقفز بأثمنة المعروضات  في هذا المول إلى مستوى متقدم من مستويات الرفاهية  . وفي هذا الفضاء أيضا  يعاين الإنسان ما يجده  كثير من الزوار من  معاناة تخلقها محاولة  التوفيق بين طلبات ورغبات الزيجات والصغار وبين ضيق ذات يد الأزواج  الذين يضيقون ذرعا بزيارة هذا المكان المشؤوم  بأثمنه الخيالية  . وفي هذا المكان يعاين الإنسان  أيضا عذاب الطفولة البريئة التي  تشتهي بكل براءة معروضاته المغرية ، ولكنها تذوق الحرمان قبل الأوان ، ويكون ذلك مصدر آلام مبرحة  تعصر قلوب الأمهات والآباء الذين يجدون العزاء في الكذب المباح لصرف صغارهم عما يشتهون مما لا طاقة لهم به . وقد يتعمد الآباء والأمهات تنكب أروقة فيها ما يشتهيه هؤلاء  الصغار إشفاقا على أنفسهم من غصص مؤلمة. وقد يشغل الصغار عن رغباتهم ببعض المأكولات والمشروبات  وبعض ما لا يضر بالجيوب  أشد الضررمن  صغارالمقتنيات . والغالب على معظم الزوار الحرص على الظهور بمظاهر الاستغراب  والعصرنة  مع  الحرص  على إظهار بعض سلوكات الغربيين من قبيل تشابك الأذرع  وتعمد الجهر بالفرنسية ولسان حالهم يوحي أو يشي  بالتبرؤ من سواد شعبهم ، وكشف  بعض الإناث عن الزينة في سفور فاحش  يصل عري النحور بعري البطون والسيقان ، وتبدو الركب من ثقوب سراويل  رعاة البقر المعروفة بالجنز ، بل قد  يقد بعضها حتى تظهر جيوبه المحاذية للعورات ، إلى غير ذلك من السلوكات المستوردة . وكيف يقبل هؤلاء أن يسووا  بغيرهم وهم بين أحضان المول  يتلذذون بحلم الرفاهية واليسار حتى وإن كانت  مجرد رفاهية افتراضية  أو زائفة  ؟  وقد يخرج  من هذا الفضاء كثير  من الأزواج وقد دخلوه وهم عسل على سمن يشد بعضهم بذراع بعض بحميمية  ،لكنهم يغادرونه وقد فرقهم الشجار بسبب  خلاف وراءه رغبة اقتناء  مكبوتة لم تتحقق وقد ضاقت عنها ذات يد . ولا شك أن  إبليس  لعنه الله و هو يستعرض جرائم قبيله  حين ينصب عرشه على الماء كل مساء  يفرح أشد الفرح بمن كان يشتغل منهم على التفريق بين الأزواج في المول، وهو مكان تتوفر فيه ظروف الطلاق  بسبب مقتنايته اللعينة بأثمنتها . ولقد قال لي أحد الظرفاء ساخرا لماذا لا يوجد عدول  في هذا المكان ؟ فاستغربت سؤاله  عن العدول ، فنبهني إلى  أن حال بعض الأزواج الذين ينشأ بينهم النزاع  بسبب  كبت الرغبات التي تتطلب أبهظ النفقات  يقتضي ذلك . ويعج هذا المكان أيضا بالغارمين  الذين يقترضون من أجل الحصول  على بضاعة المول  . ورب زيارة للمول تورث  بعض الزوار غما  وحسرة  لأيام وشهور، فيقعدون ملومين محسورين وقد بسطوا أيديهم كل البسط فأتت على ما في الجيوب ، وخلفتهم عرهائن المؤسسات البنكية  الربوية  . والغريب أن البعض يهون عليه أن يكون غريما ، ويتحمل ذل الديون ، ولا  يقبل ألا يكون من رواد المول ومن المحسوبين  على الرفاهية الزائفة ، فهذا هو ذكاء المذينة الذكية . وأشار مرافقي الظريف إلى سعر نعل وضوء أو اصطياف ، فإذا هو 700 درهم  ، فطار خياله  المجنح بعيدا، وأشار علي  هازئا  أن اقتني منها مأئة  زوج لوقفها في سبيل الله  بقاعة الوضوء  بأحد المساجد طلبا للأجر ما دام أجر الصدقة بسبعمائة ضعف والله يضاعف لمن يشاء . ولا شك أن الأجر  يكون مضاعفا في مدينة ذكية  يكون فيها نعل الوضوء  أو الاصطياف  بمثل هذا الثمن .  أما الأحذية والأقمصة  الرياضية  التي  تحمل أرقام نجوم كرة القدم، فيصل  سعر بعضها إلى 2000 درهم ، وهو ما يعادل ضعف الحد الأدنى للأجور . ومن  غرائب المدينة الذكية  أن ينتعل البعض في رجله  مرتين أجر البعض الاخر ،وهو لا يبالي إلا بالبقاء  في خانة رفاهية المول الزائفة .  وخارج فضاء المول  تصطف طوابير من المتسولين  وقد خدعتهم  مظاهر رواد الرفاهية  الزائفة  يستجدونهم ويسألونهم إلحافا ولا يظفرون منهم بشيء ، وهم لا يعلمون أن هؤلاء  لا يقلون عنهم معاناة  بسبب  عقدة الرفاهية المغشوشة التي هي تنويم  أحلام يقظة  تنسيهم للحظات عابرة حقيقة  مرارة  واقعهم البعيد عن واقع  ذكاء المدن  الغريب.   

وسوم: العدد 728