أزمة الأقصى سياسية وليست أمنية
لا تزال حكومة الاحتلال مصرّة على تعنّتها بوضع البوّابات الأكترونيّة على مداخل المسجد الأقصى، لفرض واقع سياسيّ على الأقصى بشكل خاصّ والمدينة المقدّسة بشكل عامّ، ولا علاقة لهذه البوّابات، وما رافقها من نصب كاميرات مراقبة بالأمن مطلقا، وهذا ما اعترفت به الأجهزة الأمنيّة الاسرائيليّة نفسها. لكن حكومة نتنياهو اليمينيّة المتطرّفة لا تزال تصرّ على مزاعمها الأمنيّة، ومعروف أنّ اسرائيل تتذرّع بالأمن في كل تصرّفاتها وحماقاتها، فحتّى الاستيطان وإقامة المستوطنات على الأراضي العربيّة المحتلّة تتمّ تحت ذريعة "الأمن"، علما أنّ اسرائيل تملك قوّة عسكريّة هائلة، وتهدّد أمن دول وشعوب المنطقة جميعها، وأنّ المستوطنات عبء على الأمن الاسرائيليّ.
ويبدو أنّ نتنياهو الذي يحرص على ائتلافه الحكوميّ المكوّن من الأحزاب الدّينيّة والقوميّة المتطرّفة، وأن يبقى رئيسا للوزراء أكثر من حرصه على شعبه ودولته، وقد اعتاد على أن لا يتراجع عن قرارات اتّخذها حتّى لو ثبت له بطلانها وخطأها، يساعده في ذلك أنّه لا يوجد من يردعه، وكما يبدو فإنّ سياسة القوّة الرّادعة التي تعتمدها الحكومة الاسرائيليّة أعمت عيونهم عن حقيقة ما يمثّله المسجد الأقصى كجزء من العقيدة الاسلاميّة، وإن كانوا يعرفون هذه الحقيقة، فإنّهم لم يستوعبوا مدى استعداد المؤمنين للدّفاع عن عقيدتهم. فالأقصى بشكل خاصّ والقدس بشكل عامّ، ليست مساحة عاديّة من الأرض، بل جزء من العقيدة التي لا يمكن التّفريط بها مهما غلت التّضحيات. وحكومة نتنياهو والكنيست الاسرائيلي الذين اتخذوا قرارا بعدم التّنازل عن أيّ جزء من القدس "التي يعتبرونها "عاصمة اسرائيل الأبدية" إلا بموافقة ثلثي أعضاء الكنيست "البرلمان" الاسرائيلي، أي 80 من 120 عضوا، أغرقت القدس العربيّة المحتلّة بالآلاف من أفراد الأمن الاسرائيلي بمختلف تسمياته، وحاصرت المدينة من كلّ الجهات، يثبت للقاصي وللدّاني أنّ القدس لا يمكن أن تكون موحّدة، وأنّ القدس الشّرقية المحتلّة هي عاصمة الدّولة الفلسطينيّة العتيدة، وإذا كانت اسرائيل تفرض سلطتها عليها بقوّة السلاح، فإنّ السّيادة على المدينة ودور عبادتها هي لأبنائها وشعبها الفلسطينيّ، الذين يفترشون شوارعها وأسواقها، ويدافعون عنها بصلواتهم ودعائهم لله أن يفرّج الكرب. وإذا كانت حكومة نتنياهو تتعامى عن معرفة الحقائق، وما يمثّله المسجد الأقصى للمسلمين كونه أولى القبلتين وثالث الحرمين الشّريفين ومعراج الرّسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه، فهل انتبهوا للمسلمين الأتراك والأوروبّيين الذين يصلّون في الشّوارع عند مداخل الأقصى مع اخوانهم المقدسيّين، رافضين الدّخول إلى المسجد الأقصى عبر البوّابات الأكترونيّة.
وواضح أنّ الرّأي العمّ العالميّ يدرك خطورة ما يجري في المسجد الأقصى والقدس، ومن هنا جاءت دعوة مصر، فرنسا والسويد لعقد جلسة خاصّة لمجلس الأمن الدّوليّ، لبحث القضيّة التي تهدّد بانفجار الوضع، ونأمل أن يستطيع مجلس الأمن اتّخاذ قرار يلزم اسرائيل بالتّراجع عن اجراءاتها اللامعقولة في المسجد الأقصى، وأنّ السّيادة على هذا المسجد هي للأوقاف الاسلاميّة. وأنّ اسرائيل هي التي تفتعل المشاكل في هذا المسجد من خلال سماحها للمتطرّفين اليهود باستباحة المسجد تحت حماية الشّرطة الاسرائيليّة.
وسوم: العدد 730