حكومة نتنياهو تشعل الحرب الدينية
يجب الانتباه إلى أنّه لولا تعامل العالم الغربي، وفي مقدّمته الولايات المتّحدة الأمريكيّة مع اسرائيل على أنّها فوق القانون الدّولي، وفوق قرارات الشّرعيّة، لما تجرّأت حكومة بنيامين نتنياهو اليمينيّة المتطرّفة، وسابقاتها من الحكومات الاسرائيليّة، على الاستمرار في سياسة تكريس الاحتلال والتّوسّع، وما يتمخّض عن ذلك من تهديد لأمن دول وشعوب المنطقة، يساعدها في ذلك خنوع النّظام العربيّ الرّسميّ، وإشغال الشّعوب العربيّة بقضايا داخليّة وصلت درجة الاقتتال الدّاخلي، وما يترتّب عليه من تدمير للأوطان وقتل وتشريد للشّعوب، كما يحصل في سوريا، العراق، ليبيا، اليمن وغيرها.
ومع أنّ اسرائيل تتمتّع بقدرة خارقة في فنّ إدارة الصّراع، وتضليل الرّأي العامّ العالميّ من خلال طاحونة الاعلام الصّهيونيّ الهائلة، فتقوم بتمرير سياساتها الاستيطانيّة التّوسّعيّة، معتمدة على سياستها القائمة على القوّة العسكريّة، التي شعارها "مالا يمكن حلّه بالقوّة، يمكن حلّه بقوّة أكبر" إلا أنّها وكما يبدو وتحت تأثير جنون القوّة، قد أخطأت هي وحليفتها أمريكا في فهم ما تمثّله القدس والمسجد الأقصى بالنّسبة للعرب مسلمين ومسيحيّين بشكل عام، وللشّعب الفلسطينيّ بشكل خاصّ. ورغم تحذيرات الأجهزة الأمنيّة الاسرائيليّة من مخاطر ذلك إلا أن حكومة نتنياهو اليمينيّة عملت على فرض سيادتها على المسجد الأقصى، لفرض وقائع جديدة عليه، من خلال اغلاقه في وجه المصلّين الفلسطينيّين، ووضع البوّابات الألكترونيّة على مداخله، ونصب كاميرات المراقبة فيه، واستباحته من قبل المتطرّفين اليهود، تمهيدا لتقسيمه مكانيّا بعد تقسيمها الزّمانيّ له، أو هدمه لبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه. وهي بهذا تتجاهل المشاعر الإيمانيّة للمسلمين وما يمثّله هذا المسجد كجزء من العقيدة الاسلاميّة، كونه أولى القبلتين وثالث الحرمين الشّريفين ومعراج خاتم النبيّين –صلى الله عليه وسلم، وهي بهذا تشعل حربا دينيّة لا تعلم هي ولا غيرها متى ستنتهي، لكنّها بالتّأكيد ستحصد أرواح الآلاف، وسيمتد لهيبها إلى دول المنطقة، بل ستتعدّاها إلى العالم جميعه، وستهدّد السّلم العالميّ.
وإذا كانت اسرائيل وحاميتها أمريكا، استغلّت الاسلام السّياسيّ لتحقيق أطماعها ومشاريعها في المنطقة، ونجحت في ذلك من خلال الحروب الدّائرة في سوريا، العراق ليبيا، اليمن وغيرها، والعمل على تحقيق المشروع الأمريكي"الشّرق الأوسط الجديد" لإعادة تقسيم دول المنطقة إلى دول طائفيّة متناحرة، معتمدة بذلك على كنوزها الاستراتيجيّة في المنطقة العربيّة التي موّلت وسلّحت التّنظيمات الارهابيّة التي تتستّر بعباءة الدّين، وتقوم بتشويه صورة الاسلام والمسلمين، ورغم التّنسيق الأمنيّ بين اسرائيل وبعض الأنظمة العربيّة، والذي يسير بخطى حثيثة نحو تحالفات عسكريّة، إلا أنّ أمريكا واسرائيل، وحلفاءهما من "المتصهينين العرب" لم يقيّموا بشكل صحيح المشاعر الدّينيّة الإيمانيّة الفطريّة لمليار ونصف المليار مسلم، منتشرين في أرجاء الأرض كافّة، وما يمثّله لهم المسجد الأقصى، من ركن إيمانيّ عقائديّ.
فالمسّ بحرمات المسجد الأقصى، وتقييد حرّيّة دخول المصلين إليه، هو بمثابة اعلان حرب دينيّة على المسلمين كافّة. فهل ستتنادى الدّول العربيّة والاسلاميّة، لتجنيد الرّأي العام العالميّ، لعقد اجتماع لمجلس الأمن الدّوليّ، واتّخاذ قرار ملزم لاسرائيل ويجبر حكومتها على التّراجع عن اجراءاتها الجنونيّة في المسجد الأقصى والقدس قبل فوات الأوان؟ مع التّأكيد على ضرورة العمل على كنس الاحتلال ومخلفاته كافة، فهو سبب نزاعات المنطقة وما يصاحبها من أعمال عنف وحروب. والعمل على تمكين الشّعب الفلسطيني من حقّه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس الشّريف، وهذا هو الضّمان الوحيد لأمن وسلامة دول وشعوب المنطقة.
وسوم: العدد 730