الفلسطينيون وجحا وحماره
معروف أنّ الشّعوب في مرحلة الهزائم تنتشر فيها الاشاعات، التي يروّجها الطابور الخامس خدمة للأعداء، وتحبّ جلد ذاتها، فكلّ شخص يعتبر نفسه المالك الحقيقيّ للحقيقة، فيستهزئ بالآخرين ويسفّه آراءهم، وتنتشر سيباسة التّكفير والتّخوين، وتبادل الاتّهامات، التي لا ينجو منها سوى الأعداء. وهذا يذكّرنا بما جاء في موروثنا الشّعبيّ عن جحا وحماره،" فعندما امتطى جحا الحمار وترك ابنه يمشي خلفه، مرّ بمن انتقدوه، فترك الحمار ليمتطيه ابنه ومشى هو خلفهما، فوجد من انتقدوه أيضا، فامتطى الحمار وأردف ابنه خلفه، فمرّ بمن اتهموه بعدم الرّفق بالحمار، فقرّر أن يحمل هو وابنه الحمار، فاتّهموهما بالجنون" وهذا ما يحصل في بلادنا –مع الأسف- فلم ينجُ قائد أو حزب أو تنظيم من اتّهامات يندى لها الجبين، ومن أكثر النّاس اتّهاما للآخرين هم القاعدون الذين لم يرجموا الاحتلال بكلمة!
ولنأخذ أحداث المسجد الأقصى الأخيرة كمثال، تلك الأحداث التي افتعلتها حماقات نتنياهو وحكومته، فرغم الوقفة الشّجاعة التي وقفها شعبنا، وفي مقدّمتهم المقدسيون، وفلسطينيّو الدّاخل دفاعا عن معتقداتهم ومقدّساتهم، وما صاحب ذلك من وقفة القيادة الفلسطينيّة الشّجاعة والحكيمة، والنّشاط السّياسي لبعض القادة العرب، ممّا تمخّض عن تراجع حكومة نتنياهو عن قراراتها الغبيّة، التي مسّت بالمعتقدات الدّينيّة لشعبنا، وهذه سابقة يجب استخلاص العبر والدّروس منها، إلا أنّ المسجد الأقصى لا يزال تحت سطوة المحتلين الذين يستبيحون حرماته، ويدنّسونه باقتحاماتهم شبه اليوميّة له، في محاولة منهم لتكريس التّقسيم الزّمانيّ للمسجد العظيم، تمهيدا لتقسيمه المكانيّ، ولا يزال النّشاط الاستيطانيّ على أراضي الدّولة الفلسطينيّة يتسارع بشكل يوميّ، ولا تزال حكومة نتنياهو تشرّع من خلال الكنيست –البرلمان الاسرائيلي- قوانين عنصريّة، ستمنع أيّ حلّ ممكن للصّراع الذي طال أمده. وتقوم بفرض واقع استيطانيّ في الأراض المحتلة في حزيران 1967 تجعل إقامة الدّولة الفلسطينيّة أمرا خياليّا.
ورغم هذا وغيره كثير، نجد من بين ظهرانينا، من يتّهمون القيادات بالخيانة، دون معرفة منهم بموازين القوى الدّاخليّة، والاقليميّة، وحتّى الدّوليّة، وهم غير مستعدّين حتّى بالتّفكير في ذلك. أو في تحكيم العقل والمنطق فيما يجري محلّيّا واقليميّا. فعلى الصّعيد الدّاخليّ تعيش فلسطين حالة انقسام داخليّ مريع، فصل قطاع غزّة عن الضّفّة الغربيّة، ولعلّنا نعيش حالة غير مسبوقة عالميّا، فهل يوجد في العالم نوّاب مجلس تشريعيّ شاركوا في الانقلاب على وطنهم، وساهموا ولا يزالون يغذّون الانقسام في أي رقعة أخرى في العالم؟ وهل مثل هؤلاء يمثّلون حقيقة الوطن والشّعب الذي انتخبهم؟ وهل اتّهام القيادات التّاريخيّة للشّعب الفلسطيني بالخيانة يخدم القضيّة؟ وهل نحن نعيش حالة جنون جماعيّ؟ ولماذا لا نعرف قيمة الانسان إلا بعد وفاته؟
ولا يفهمنّ أحد من هذا أنّه هجوم على المعارضة، لكن يجب التّمييز بين المعارضة الايجابيّة الحريصة على شعبها ووطنها، وبين المعارضة التي تتذيّل لجهات خارجيّة وتنفّذ أجندتها، ورحم الله الرّئيس الشّهيد ياسر عرفات الذي قال:" لو لم تكن معارضة لعملت على إيجادها". والرّئيس عرفات نفسه وبما يمثّله كرمز للشّعب الفلسطينيّ، وجدنا من قال فيه ما لم يقل مالك في الخمر، وبعد استشهاده أدرك معارضوه حكمته ودوره التّاريخيّ فصاروا يترحّمون عليه وعلى أيّامه. ولنتذكّر مقولة طيّب الذّكر الدكتور جورج حبش:" نختلف مع ياسر عرفات ولا نختلف عليه"، وهذه قمّة الفهم الصّحيح لمفهوم المعارضة.
وسوم: العدد 732