آفة غياب ثقافة معالجة الزبالة بالطرق السوية في مجتمعنا
آخر ما يفكر فيه مجتمعنا المسلم الذي يرفع ـ ياحسرتاه ـ شعار : " النظافة من الإيمان" موضوع معالجة الزبالة، ذلك أن الأفراد في هذا المجتمع لا يزيدون عن حد التفكير في التخلص من زبالتهم حين تكون في مساكنهم مهما كانت طريقة هذا التخلص . ويغلب على تفكير الكثيرين أن معالجة الزبالة شأن لا يعنيهم بل هو شأن عمالها علما بأن هؤلاء لهم مهمة معلومة هي جمع الزبالة من الحاويات المخصصة لها وشحنها إلى حيث تطرح ليصير لها شأن آخر بعد ذلك . ومعلوم أن الزبالة قبل أن يتكفل بجمعها العمال المكلفون بجمعها ، تقتضي من المواطنين طرق معالجة خاصة، الشيء الذي يعني وجود ثقافة التعامل معها . والمؤكد أن المواطنين يتعاملون بكامل الجدية طالما ظلت الزبالة في بيوتهم ، فإذا ما أخرجوها خارج بيوتهم انقطع تفكيرهم في مصيرها ، وحمّلوا عمالها مسؤولية معالجتها . ومما يؤكد غياب ثقافة معالجة الزبالة في مجتمعنا الغموض الذي يكتنف الأماكن المخصصة لجمعها . فالجميع يرفض أن توضع الحاويات المخصصة لجمعها بالقرب من مسكنه أو حتى الحي الذي يسكنه . والملاحظ أن هذه الحاويات توضع بشكل عشوائي أمام فراغات تكون في الغالب قطع أرضية في ملكية أصحابها لم تبن بعد ، وهي قطع تتحول إلى مطرح نفايات في حال انعدام حاوية خاصة بالزبالة توضع قبالتها أو بجوارها . وقد تتحول هذه القطع إلى مزابل بالرغم من وجود حاويات لا تستوعب في الغالب حجم الزبالة التي تلقى فيها لكثرة من يستعملها . ومعلوم أن حجم هذه الحاويات تكفي لعدد محدد من المساكن إلا أن تأفف الجميع من وضع الزبالة قرب مساكنهم أو في محيط أحيائهم، وهو سلوك يعكس أنانية المواطنين الشيء الذي يجعلهم يضعون زبالتهم في حاويات خاصة بغيرهم . ونظرا لكثرة الزبالة وسوء توزيعها على الحاويات تتعرض هذه الأخيرة للتلف ولا تعود صالحة لاحتواء الزبالة التي تنتشر في محيطها وهو أمر يجعل مهمة عمال النظافة جد عسيرة تتطلب وقتا معتبرا لشحنها في الشاحنات . وفي غياب جهة مكلفة بتوزيع الحاويات على الأحياء ، وتحديد مواقعها ،يختفي العديد منها ، ويجر أو ينقل من حي إلى آخر مع العلم أن هذه الحاويات توضع عليها علامات ربما لتحديد الجهة المستفيدة منها . وفي غياب الرقابة يمر بهذه الحاويات ليلا الباحثون عن سقط المتاع أو مربو المواشي، فيفرغون حمولتها بحثا عما يصلح علفا لمواشيهم ، ولا يخفى ما في إطعام المواد النافقة لهذه المواشي من أضرار تهدد صحة المستهلكين ،علما بأن هذه المواشي تباع ولا تخضع لرقابة بيطرية خصوصا التي لا تذبح في المذابح الخاضعة للرقابة .ويزيد أرباب هذه المواشي من متاعب عمال النظافة حين يفرغون الزبالة من الحاويات ويتركونها مشتتة حولها . ولا تخفى مضار الزبالة التي تفرغ من الأكياس البلاستيكية أو التي تلقى مباشرة في الحاويات دون أن توضع في أكياس . وقد يثبّت بعض المواطنين حاويات صغيرة أمام مساكنهم خصوصا في الأحياء التي توجد بها وداديات أو جمعيات، وتوجد بها حراسة إلا أن بعض هذه الحاويات الخاصة يستعملها في غفلة أصحابها من لا ضمائر لهم ،وقد يصير محيطها مطرحا للنفايات التي تؤذي أصحابها .
وعلاقة بموضوع الزبالة يتخلص الذين يبنون مساكنهم من بقايا الحفر أو الهدم أوبقايا مواد البناء، فيلقونها في الفضاءات الفارغة ،وتكون غالبا قطعا أرضية غير مبنية، الشيء الذي يحولها إلى مطرح لهذه المواد، والتي قد تكلف أصحاب تلك القطع جهدا ونفقة للتخلص منها، وقد يكون التخلص منها بنفس الطريقة المؤذية للغير .
ومما يلاحظ أن الحاويات التي توزعها الجهات المسؤولة بطريقة عشوائية لا تعوض عند تلفها أو سرقتها أو نقلها من جهة إلى أخرى ،الشيء الذي يحول أماكنها إلى مزابل تهدد صحة المواطنين .
وخلاصة القول أننا أمة تفتقر إلى ثقافة التعامل مع الزبالة بالرغم من أننا أمة دين يقوم على النظافة ، فنحن ـ يا حسرتاه ـ من يتوضأ خمس مرات في اليوم ، ويحرص على نظافة جسمه وملبسه وبيته، ولكننا لا نحرص نفس الحرص على التعامل بشكل صحيح مع زبالتنا حين نخرجها من بيوتنا . ومن غفلتنا أننا لا نضع في حسابنا موضوع زبالتنا مع أنه جزء من نظافة مساكننا ، فإذا كانت المراحيض تستر فضلاتنا ، فإن مساكننا تحتاج إلى طرق معلومة للتخلص من زبالتنا . ومعلوم أن الأمم الراقية تعالج زبالتها بطرق علمية ، وتعتبر طرق التخلص من الزبالة مؤشرا على الرقي . ولقد تحول موضوع معالجة الزبالة في بعض البلدان إلى معضلات سياسية أطاحت بحكومات إلا أننا لا نبالي بها سواء كمواطنين أو كمسؤولين . ونظرا لغياب ثقافة التعامل مع الزبالة عندنا تكثر أنواع الزبالة في شوارعنا، ذلك أن المواطن إذا انتهى من تدخين سجارة أو أفرغ علبة سجارة أو أكل أكلة أو شرب مشروبا، يلقي بزبالته حيث كان ، ولا يكلف نفسه مجرد إلقاء نظرة بحثا عن الحاويات أو الأكياس البلاستيكية التي تعلق هنا وهناك خصيصا لمثل تلك الزبالة الطارئة . ولا تسلم حتى بيوت الله عز وجل التي لا تصح فيها عبادة دون نظافة المكان والثياب والأبدان من الزبالة خصوصا مع انتشار ظاهرة الباعة المتجولين الذين يقفون عند أبوابها ، ويرحلون عنها مخلفين وراءهم في محيطها زبالتهم المتراكمة . و مع الأسف يشجع المصلون ـ يا حسرتاه ـ هؤلاء الباعة على ارتياد بوابات المساجد التي تتحول من خير البقاع كما أراد لها الله عز وجل إلى أسواق وهي شر البقاع . ولا تسلم كذلك أماكن الاستجمام والاصطياف ، فلا تغادر هذه الفضاءات إلا وقد عمتها الزبالة، وكأن الذين يرتادونها سيفعلون ذلك لآخر مرة ، ولن يعودوا إليها أبدا . والمؤسف أن المواطنين ينظرون بازدراء وسخرية لمن يحمل هم ثقافة معالجة الزبالة ،وهي في الحقيقة موضوع تدين ، وقد يسخر الساخرون ممن يميط الأذى عن طريقهم مع أن ذلك ممارسة تعبدية تعكس درجة من درجات الإيمان بالله عز وجل .
وأخيرا لا بد من التأكيد على أن معالج الزبالة هي ظاهر يعكس باطنا ، فإذا كان الباطن محكوما بالأنانية وبالعقلية أو الذهنية الوسخة ، فلن ينفع مع ذلك العناية بنظافة الجسد ونظافة الهندام ونظافة الواجهة ، وصدق من قال : " يا المزوق من برا آش حالك من الداخل ؟" . ونأمل أن تلتفت الجهات المسؤولة إلى معضلة معالجة الزبالة ، وأن يتحرك ضمير المواطنين بالغيرة على بيئتهم ومحيطهم ، وتسود ثقافة معالجة الزبالة في مجتمعنا .
وسوم: العدد 733