أربع سنوات على مجزرة رابعة
أربع سنوات مرّت على مجزرة رابعة وهي واحدة من أبشع وأسوأ وأحط جرائم الدولة في العصر الحديث وبعد هذه المسافة الزمنية أصبح بالإمكان مشاهدة مجزرة رابعة وأخواتها وما جرى فيها بوضوح أكبر كما أصبح بالإمكان تقييمها وتحديد ما انطوت عليه من دلالات وما تبعها من تداعيات:
ــ مثّـل ما جرى في ذلك اليوم إرهاب الدولة الداروينية التي لا يمنعها من بلوغ أهدافها وتأكيد هيمنتها وجبروتها مانع أيا كانت قدسيته ومع أن الدولة العميقة لم تكن بحاجة إلى تفويض أو فتاوى من أحد إلا أن بعض المشايخ المحسوبين عليها منحوها ما تريد لتواصل بعد قتل وجرح الآلاف تدشين نظام عسكري أمني باطش طالت دمويته كل معارضيه في كل المجالات.
ــ ذكرت صحيفة النيويورك تايمز أن الإتحاد الأوروبي لم يرفض الإنقلاب وأن مبعوثته كاترين اشتون ذهبت للقاهرة لإقناع الرئيس مرسي بالأمر الواقع كما ذكرت أن الإنقلاب تم بعلم الولايات المتحدة، بيد أنها لم تكن راغبة في فض الإعتصامات بالرصاص بقدر ما كانت تود فضها بالإتفاق أو بأقل قدر من الدماء، كما ذكر محللون إسرائيليون على القناة الثانية العبرية أن الإنقلاب كان باتفاق بين السيسي ونتنياهو وأن الأول حصل على وعد من الثاني بدعمه ورعايته مهما فعل محليا واقليميا ودوليا وبخلاف الإتصالات الهاتفية بين الرجلين فقد ارسل السيسي مبعوثا إلى الكيان الصهيوني قبل الإنقلاب وبعده.
ــ في كل الجرائم التي ترتكبها الدول يحلو لها أن تصور الضحية جلادا والمظلوم ظالما والمقتول قاتلا فمئات الآلاف من جموع رابعة والنهضة كانوا متظاهرين سلميين ولم تكن منصة رابعة إلامكانا تلقى فيه كلمات الرفض للإنقلاب على الديمقراطية والشرعية وفي أبعد التقديرات احتجاجا لتقليل الخسائر وربما تحسين الموقف التفاوضي لجماعة الاخوان المسلمين لكن الدولة الداروينية لم تلتفت إليهم وجندت كل أدواتها الإعلامية لفبركة المشاهد ونسج القصص التي تشيطن هؤلاء المعارضين وتنزع عنهم سلميتهم توطئة لإبادتهم.
ـ نجح إعلام الدولة الداروينية في تزييف الوعي الوطني وفي إقناع الناس بأن ما جرى من قتل ليس إلا دفاعا شرعيا وضرورة وطنية حتمية لبقاء الدولة التي بدونها تكون الفوضى ويعم الفساد والخراب وهكذا جرى نزع كل قيمة إنسانية ووطنية، أولا عن جماعة الإخوان المسلمين التي شكلت الكتلة الأكبر في تظاهرات رابعة وأخواتها، وثانيا عن مؤيديها والمتعاطفين معها، وثالثا عن كل من طالب بالعودة إلى المسار الديمقراطي وبعودة الرئيس المنتخب الشرعي محمد مرسي أو بمناخ ديمقراطي حقيقي، ورابعا عن كل من رأى ويرى أن ما جرى في الثالث من تموز/يوليو2013 ليس إلا إنقلابا دبر بليل قادته الدولة العميقة لإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، وخامسا عن كل من لا يبارك ويؤيد أعمال القتل وماجرى بعدها من اعتقالات وما وقع من حالات تعذيب واغتصاب واختفاء قسري سواء في أقسام الشرطة أو في المعتقلات بينما بالمقابل جرى تصوير قائد الانقلاب بكل الأوصاف الايجابية التي رفعته إلى مصاف الانبياء والرسل الذين ابتعثتهم العناية الإلهية لانقاذ مصر من الفوضى والجوع والإرهاب، فهو رئيس الضرورة وهوالذي يشري نفسه ابتغاء تخليص مصر من الشرور والآثام التي ستلحق بها وفي استدعاء مقزز للرمزية الأيروسية وصفه كبار المنافقين والجهلة بالذكر الوحيد في مصر مع أن الرئيس السيسي لم يف حتى الآن بأي وعد من الوعود التي قطعها على نفسه.
ــ كشفت مجزرة رابعة وماقبلها ومابعدها من مجازر عن زيف الشعارات التي ترفعها الأحزاب الليبرالية والمدنية المصرية إذ باركت القتل وبررته واعتبرته حالة دفاع شرعي عن النفس وتعاونت مع الأجهزة الأمنية واستقوت بها وساهمت في تزييف الوعي الوطني بما يجري من خلال ما تملكه من أدوات إعلامية وثقافية ودفعها كرهها لتيار الإسلام السياسي إلى الإصطفاف إلى جانب الظلم والدكتاتورية وانتهاكات حقوق الإنسان ولم ترفع هذه الأحزاب عقيرتها رغم هيمنة النظام على الإعلام والقضاء ومجلس الشعب.
ــ لم تكن قيادات الإخوان المسلمين موفقة في تقديراتها وكان سقف مطالبها أكبر من قوتها كما أنها لم تتوقع أن يواجهها النظام بهذا القدر من القوة الباطشة وللإنصاف لم يكن أشد المتشائمين من المراقبين أيضا يتوقع هذا الكم من النيران على متظاهرين عزل ولم يكن السيسي راغبا في فض الإعتصام سلميا لذلك فإن تحميلها وحدها كل المسؤولية عما جرى من دماء فيه إجحاف وتحيز للسلطة.
وأخيرا ستبقى مجزرة رابعة وصمة عارفي جبين النظام وكل من أيده وشرعن عمليات القتل والإبادة التي مارسها بحق هؤلاء الأبرياء الذين انحازوا للديمقراطية والشرعية والدولة المدنية.
وسوم: العدد 734