ردًا على الزميل اللحّام: لا تستغل حاجات المعارضين

clip_image002_39eea.jpg

استغربت كثيرًا حينما قرأت مقال الزميل ناصر اللحام الأخير الذي هاجم فيها السلطة الوطنية الفلسطينية والحكومة ومؤسسة الرئاسة التي اتخذت قرارًا بتحويل قصر الضيافة في سردا برام الله إلى مكتبة وطنية, تجسيدًا لحلم كل مثقف فلسطيني, وحفاظًا على التراث الوطني والقومي من الضياع لما عانيناه على مر العقود من المحاولات الإسرائيلية الرامية إلى طمس الهوية الفلسطينية الوطنية والثقافية بكل السبل, فضلًا عن مصادرة الإحتلال لآلاف الكتب القيمة والثمينة واصراره "الاحتلال" على محاربة اقامة المهرجانات الثقافية ومنع الكتاب والمثقفين من السفر للمشاركة في المهرجانات الدولية والقومية, فضلًا عن اعتقال الآلاف منهم.

من حقنا كفلسطينيين عشنا عشرات السنين تحت احتلال ظالم ومستبد حرمنا من ابسط حقوقنا في الحياة أن نبني صروحنا الثقافية ونعتز ونفتخر بعمارتها التي تضمن لها البقاء كمنارات لمئات بل آلاف السنين, من حقنا أيضا أن نستقبل المثقفين من كل أنحاء العالم في مكتبة وطنية تحتضن بين ثناياها أثمن الإبداعات الفلسطينية, وتنثر على رفوفها تاريخ وطن حاول العالم طمس هويته ودفعه إلى الركن المجهول ليتجاهلوا مصير شعبه الذي ناضل من أجل نيل استقلاله وبناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

زميلي "اللحام" ما تعتبره من مبررات اقتصادية واهية وعبارات ركزت فيها على الجانب الاقتصادي في مقالك الأخير لا تُقنع أي فلسطيني ناضل من أجل دولته وبناء مؤسساتها التي طالما حلمنا بها منذ نعومة أظفارنا, بل دلائها تشير إلى أنك وضعت نفسك في ركن مظلم, وخارج عن الصف الوطني, وتسعى لإرضاء أطراف معينة على حساب وطنيتك وأفكارك التي غمرتنا بها عبر قرابة عقد من الزمن, بل خدعتنا بها, إن فعلًا كنت تقصد ما كتبته في مقالك, وجسَّد انتقادك المؤلم لمن سابق الزمن من أجل بناء صرح وطني بامتياز, يأوي أوراقنا وأفكارنا المتبعثرة والمنتشرة على رفوف المكتبات في العالم.

أذكرك بأن فلاسفة الاقتصاد الماركسي والرأسمالي والإسلامي لم يتجاهلوا المقدرات الوطنية بل سعوا إلى الحفاظ عليها, من أجل بناء الأجيال التي تؤسس لبنة الدولة ومؤسساتها في المجالات كافة, الفلاسفة الذين تتباهى بهم بنوا كبرى مكتباتهم الوطنية وحافظوا على تراثهم من أجل المضي قدمًا نحو حاضرهم, جعلوها مرجعًا للأجيال المقبلة من اجل الإقتداء بعظمة آبائهم وسلفهم في النهوض بمستقبل دولتهم وأولادهم, فلا تنسى أن بيروت كانت تنزف بالدماء والفقر ومطابعها تنتج آلاف الكتب, والعراق تقرأ رغم النزاعات الأهلية وحربها مع إيران, والفدائية الفلسطينيين يحاربون على كل الجبهات ويكتبون أشعارهم الوطنية ويوثقون معاركهم ضد الإحتلال في البرد القارس وتحت أشعة الصيف الحارة التي كانت تضرب رؤوس الجبال.

زميلي ناصر اللحام, أرجو أن لا تتخذ من ثقة بسطاء الناس الذين يتابعونك "وهجًا" لاشعال فتيل النار, وتذكر جيدًا أنهم هم الذين حملوك وتابعوك وبفضل "لايكاتهم" وصلت مكانة تستطيع من خلالها التأثير على صناع القرار, وأيضًا أنصحك بأن لا تحاول إحياء من مات وغمره تراب الوطن في محاولة للتعاطي مع الأفكار التي تُسَّوق, فالحديد إن صدأ مهما "جلخته" لن يعود كما كان, وإذا ما قارنت المواقف السياسية وعجلة التنمية الإقتصادية, أنصحك بأن تراجع جيدًا الأرقام, وقبل أن تحاول الكتابة المغلوطة "وهنا لا اعلم إن كنت تقصد أم خانتك الذاكرة" أرجو منك أن تستعين بمستشار اقتصادي لتصحيحها قبل أن يرتد عليك مقالك وتصبح "مزمارًا" لمن يدعي بأنه يمتلك المال, "لو كانت افكاره التي يطلقها واقعية لفعلها حينما كان في موقع المسؤولية".

خلاصة القول, إن "هاردات" الأجهزة المكتبية واللوحية والمحمولة لن تستطيع أن تحمي موروثًا ثقافيًا يتعاقب عليه الأجيال, ولا تستطيع أن تجذب عمارتها وفنونها وموقعها الجميل آلاف السياح الذين ينعشون الاقتصاد ويتغذون على روح ثقافة النضال الوطني المشروع التي تدرس أساليبها في كبرى جامعات الدول التي ناضلت لنيل حريتها, كما نحن مستمرون الآن.

وختامًا, أنصحك بالتراجع عما كتبت ولا تدع نقاط الضعف المادية والمعنوية أن تؤثر على كتاباتك, وتذَّكر جيدًا محبة البسطاء من الناس المتابعين لك ولكتاباتك, فإن فُصل الرأس عن الجسد.. لا يستطيع أن يُعيده ويُحييه إلا رب الناس". 

وسوم: العدد 736