في حضرة دير مارسابا
ألحّ عليّ بعض الأصدقاء أن نستغلّ الفرصة قبل بدء موسم الشّتاء، كي نزور وادي حُجُر في بلدة العبيدية قرب بيت لحم، لنشاهد المكان الذي بنى فيه السّيّد خلف العبيدي منتجعا سياحيّا تراثيّا، تمّ هدمه بأيدٍ فلسطينيّة يوم 15 اكتوبر 2017، ولنزور دير مار سابا التّاريخي، وتيسّر لنا ذلك بعد ظهر الأحد 29 اكتوبر، استقلّينا
سيّارة وسرنا حتّى وصلنا منطقة "القرن" آخر الامتداد لبلدة العبيدية من جهة الجنوب الشّرقيّ، وهناك اقترح أحد الأصدقاء أن نتوقف لننظر المنطقة، ووقفنا عند حافّة امتداد البلدة قبل أن يبدأ الطريق بالانحدار اللافت، على يميننا بدا وادي حُجُر كأنّه خسف أرضي، ينحدر بين جبلين يحيط بهما هلال صخريّ صوّانيّ ظهرت منه بعض الكهوف، التي كان يسكنها مربّو الماعز، ويتواصل المنحدر ليصل إلى الوادي، حيث بنى السّيد العبيدي، بيتا، وحظائر للخيول والأغنام، ومدّد شبكات مياه، وهناك زرع في ثمانينات القرن العشرين أرضا منبسطة بالزّيتون، وبين حقل الزّيتون والبيت وحظائر الغنم، بنى "المنتجع السّياحيّ التراثي" الذي لم تكتب له الحياة. أمامنا بدا الدّير ظاهرا للعيان قريبا من ملتقى واد النّار الذي تنساب فيه "مجاري القدس" مخترقة البراري والجبال حتى البحر الميّت، وعلى يسارنا في المنحدر تربض عدّة بيوت حجريّة يبدو أنّها بنيت في أواخر العهد العثماني، والنّاظر إلى الدّير من الحجاب المرتفع قبل الانحدار، يظهر أمامه البحر الميّت كصحن فضّيّ عظيم. وعلى اليسار يظهر جبل المنطار المرتفع، كما يمكن رؤية مناطق من براري عرب السّواحرة، ومنها "خربة جنجس التّاريخيّة" لحق بنا رجلان من أبناء العبيديّة، في يد كلّ واحد منهما عصا غليظة، طرحا علينا السلام وأخذ واحد منهما يشرح لنا عن المنطقة بعد أن تأكدّا بأنّنا لسنا غرباء! وعندما وصل الدّير أخرج من جيبه ورقة وقال: ستجدون هنا ما يفيدكم عن الدّير، وقرأنا فيها:
" يقع دير مار سابا في (عرب ابن عبيد) شرقي بيت لحم في فلسطين. تم بناؤه بين عامي 478 م - 484 م، على يد الرّاهب سابا بمشاركة 5000 راهب، وهو بهذا يُعتبر واحد من أقدم الأديرة المأهولة في العالم.
بُني الدير بطريقة هندسية جزءا فوق جزء، على سفح أحد الجبال المتصلة بالسلسلة الجبلية الممتدة في جنوب الضفة الغربية. ويكاد يكون البناء منحوتا في بطن هذه الجبال. يذهب كثيرون إلى هناك من أجل المشاهدة والتنزّه، وليس فقط للصلاة بالنسبة للمسيحيين.
وقد توفي الراهب سابا في 532 م، وبعد سنوات حمل الصليبيون جثمانه إلى الغرب ثم أعادوه إلى مكانه. وتم حفظ رفاته بعد تحنيطها في صندوق زجاجيّ. ولا يزال الدّير يحتفظ بالعديد من تقاليده العريقة، من أهمها: فرض قيود على دخول النّساء إلى المجمع الرّئيسي. ويُعتبر "برج المرأة" (أو ديرالبنات)المبنى الوحيد الذي يمكن للمرأة أن تدخله، ويقع بالقرب من المدخل الرئيسي.
وكان الدّيرموطنا للقدّيس يوحنا الدمشقي (676-749)، وهو شخصيّة دينيّة رئيسيّة أثارت الجدل في وقته.
يقيم في هذا الدير حاليا خمسة عشر راهبا يونانيا يقومون على خدمته ويعتزلون كافة مظاهر الحياة المدنية من كهرباء وهواتف وغيرها، ويستخدمون الوسائل البدائية لتسيير أمورهم.
وأضاف محدّثنا:"أمام الدّير بجانب واد النّار "الدّيماس"توجد نخلة قديمة،
يعتقد أبناء المنطقة أنّ العذراء مريم ولدت ابنها عيسى عليهما السّلام تحت تلك النّخلة." وأسهب قائلا:"وكما تلاحظون فهذه المنطقة صحراوية ودافئة تصلح لزراعة النّخيل.
شكرنا الرّجل على ما قدّمه لنا من معلومات، واستأذنّا لمواصلة رحلتنا إلى الدّير، ولنزور خلف العبيدي في بيته في الوادي، لكنّ الرّجل قال لنا: " لن تستطيعوا الآن دخول الدّير فالشّمس توشك على المغيب"! فانصرفنا عائدين على أمل زيارة الدّير في يوم قادم.
وسوم: العدد 744