مركز الليكود يفرض خيار الدّولة الواحدة

في اليوم الأخير من العام 2017 صوّت مركز حزب الليكود الحاكم في إسرائيل وبالإجماع على فرض السّيادة الإسرائيليّة على غالبية مناطق الضّفة الغربيّة، وبحسب اللوائح الداخليّة للحزب فإنّه يًلزم مندوبيه في الكنيست الإسرائيلي بالعمل على سن قانون يشرعن بسط سيادتهم التامّة على اراضي الضّفة الغربيّة، مما يجعل التجمعات الاستيطانيّة عبارة عن تجمعات شرعيّة تمكّنها لاحقا من البناء والتوسّع الجغرافي على حساب المناطق المصنّفة (سي ). بيد أنّه في الوقت الحالي هناك صعوبة في تمرير القرار بالقراءة الثانيّة والثالثة في الكنيست لما له من تأثيرات على تركيبة الإئتلاف الحكومي بزعامة بنيامين نيتنياهو، والذي يضم بعض الأحزاب المنضويّة تحت اليمين الوسطي أمثال كحلون وغيره، إلا أنّ هذا القرار يجعله قابلا للتطبيق في المستقبل المنظور خاصّة في خضمّ انحراف المجتمع الإسرائيلي نحو أقصى اليمين الأيدولوجي، بحيث فيما لو أًجريت انتخابات في المستقبل  فإنّ الغلبة ستكون لمن هو أكثر تطرفا وراديكالية بين حزبي الليكود والبيت اليهودي بزعامة بنيت، مضافا إليهم حزب ليبرمان العنصري الدّاعي إلى طرد العرب، وإقرار عقوبة الإعدام بحق المقاومين الفلسطينيين. حالة التوجّه اليميني هذه ستفرز برلمانا إسرائيليّا ذو قريحة عاليّة نحو المزيد من الإجراءات وفرض وقائع في الميدان، جاعلا من حلم الدّولة الفلسطينيّة على حدود الرابع من حزيران مجرّد حلم يدغدغ مشاعر من اجتمعوا لأوّل مرّة في العاصمة النرويجيّة إبّان السنوات الأولى لتسعينيات القرن الماضي، خاصّة في ظل غطاء أمريكي دولي بزعامة سيّد البيت الأبيض ومندوبته في مجلس الأمن الملوّحة بحذائها وبالعقوبات في وجه كل من يعارض إسرائيل، وشاهرة الفيتو في وجه مشاريع القرارات الأمميّة المنددة بممارسات دولة الاحتلال.

فيما لو نحج اليمين الفاشستي في الوصول بقوّة إلى الكنيست واكتساحه فى الانتخابات المقبلة، وقام بتمرير قرار مركز الليكود بالقراءات الثلاثة، فإنّه سيضع الفلسطيني أمام خيارين، أولهما: إجباره بالتنازل عن أرضه والهجرة نحو الشرق، مما يجعل من الشعار الإسرائيلي " الوطن البديل" واقعا مطروحا وبقوّة وذلك بحكم الديموغرافيا، وكنتيجة حتميّة سيعلن عن انتهاء القضيّة الفلسطينية إلى الأبد، وربّما يدعم هذا الخيار بعض الأنظمة العربيّة السّاعية إلى جعل إسرائيل مكوّنا طبيعيّا وعضويّا في المنطقة العربيّة، وهذا الخيار سيتحطم أمام تمسّك الفلسطيني بأرضه والرافض لتكرار نكبته الأولى عام 1948، حتّى لو اقدمت إسرائيل على ارتكاب المجازر والترويع، أو قامت هي ومن هم خلفها من الدول العربيّة الغنيّة بعرض إغراءات ماليّة ضخمة عليه.

  وإمّا الخيار الثاني والمتمثل بفرض منظومة جديدة تحكم علاقة دولة الاحتلال مع الشّعب الفلسطيني على غرار رابطة القرى، أو شيء من قبيل أقلّ من حكم ذاتي وأكثر من مؤسسات تقدم الخدمات للفلسطينيين ولأجهزة الأمن الإسرائيليّة، متزامنا مع بعض الإغراءات الاقتصاديّة للفلسطينيين والتّابعة تماما لمنظومة الاقتصاد الإسرائيلي، بحيث تشكّل رافدا داعما لتلك المنظومة. حينها لن يجدينا نفعا انضمامنا لكلّ الهيئات الدوليّة إطلاقا، لأنّ حقائق الميدان تكون قد فرضت نفسها بقوّة على أيّة حلول سياسيّة مستقبليّة.

ثمّة ما لا يدركه الليكود وكافّة مركبات اليمين الإسرائيلي هو أنّهم يسعون بكلّ ما ملكوا من قوّة نحو الدّولة الديمقراطيّة الواحدة، وأنّهم بذلك يعزلون دولتهم في السّاحة الدوليّة شيئا فشيئا؛ ليتم الإعلان  عنها دوليّا - أو على الأقل على مستوى الشعوب الواعيّة- كدولة فصل عنصري، تمارس الإرهاب ضد أصحاب الأرض الأصليين، ولن يجد اليمين المتطرف الإسرائيلي حينها بين ظهرانيي الشعب الفلسطيني من يستطيع مجاراتهم في خططهم الظلاميّة هذه.

قرار الليكود هذا  ليس ديماغوغيّا بالمطلق، وإنّما هو نابع من أيدولوجيا وضعها جابوتنسكي في كتابه " الجدار الحديدي"، وبهذا القرار تكون الرؤيا قد اتضحت وأصبحت جليّة في أعين القيادة الفلسطينيّة -خاصّة بعد قرار الرئيس الامريكي الأخير بشأن القدس -، رؤية غير ذات حمّالة أوجه. وضوح الرؤية والتوجّه العام في إسرائيل يتطلب بالمقابل وضوحا فلسطينيّا نحو المستقبل، ويتطلب بإحداث تغيير على أرض الواقع حيث أنّ الانضمام إلى الهيئات الدوليّة أصبح لا يكفي في أعقاب قرار مركز الليكود.

 الأمور الآخذة في التصاعد تحتّم على صنّاع القرار الفلسطيني في المجلس المركزي الفلسطيني المنوي عقده في هذا الشهر بالتوّقف قليلا وعمل مراجعة شاملة لمسار التسويّة مع إسرائيل، وخلق بدائل عمالاتيّة قادرة على تقريب الفلسطيني من حُلمه المنشود منذ عقود طويلة.

وسوم: العدد 753